الفصل التاسع : جراح القلب
هناك بعض الرجال, يخشون من الجراح
و يغلقون قلوبهم, كما لو كانت ملاذا الحياة, يخفون العاطفة في العمق, لكن لا
يعرفون قيمة بعض النساء, يذهبون كأنهم لم يحبوا أبدا, و ينكرون أنهم أحبوا.
بعض الرجال
يحرقون ما يحبونه, عندما يحين الوقت يتركون جثة حب فاسدة و يختفون, لقد كانت حلقة مفرغة,
المرأة الجيدة تقع في الحب مع الرجال الأشرار, الرجال الأشرار يرتكبون الأخطاء
تجاه المرأة الجيدة, لسبب غير معروف, لا يتزامن القلب الجيد مع القلب الجيد.
ريان تنضم الى
تلك القافلة, لم تعد تلك الفتاة الصغيرة التى تنام على ركبتي والدتها و تقبل شعرها
و تحبها, لقد فقدت براءتها بين يدي رجل منافق, الحداد سرق حياتها, كان الألم غزو حقيقي
اليوم, السعادة الزائفة التي اخذت من بين يديها بدون وعي, ما تزال تحاول فهم كل
هذه الأحداث بينما تحاول العثور على حل للوقوف على قدميها, لقد ترددت كلمات ميران في
أقصى زوايا عقلها, لأجل التخلص من كل هذه الضوضاء أغرقت يديها في شعرها و ألقت
صرخة غاضبة.
صاح حلقها بألمها
وهو يصرخ, توقف, نظرت الى الباب, بخطوات متشنجة خرجت من المنزل, منذ وقت ليس ببعيد,
شاهدت ميران وهو يخرج من هذا الباب ولم تفعل شيئًا, الثوب الأزرق الذي كانت ترتديه
ظل في غبار الأرض, خرجت و بدأت تركض في الشوارع, لقد تخيلت أنها رأته في زاوية الشارع,
في نهاية الشارع... لقد ظنت أنه كان جالسًا على الرصيف في انتظارها,
لكنه ذهب منذ وقت طويل, لم تستطع قبول هذا الموقف بسبب صدمتها, دموعها تتدفق مثل الحبال
و بينما كانت تركض يمينا و يسارا كانت تكرر نفس الكلمة, "ميران أين
أنت؟".
لقد رحل,
الرجل الذي وقعت في حبه بجنون, ذهب و تركها, بقلب لاهت تركع على قدميها في منتصف
الشارع, بينما تحول رأسها يمينا و يسارا كالمجنونة كان الناس ينظرون اليها بشفقة, مثل
انسان مصاب عندما تنتهي كل آماله, بصعوبة اخذت خطوات للوراء و عادت للبيت, كيف
كانت تتألم من جميع الأطراف, كانت ترتجف وهي تشهد الألم الذي عانت منه في كل طرف,
حسنا, ريان كانت مجروحة, بقي قلبها داخل الدم, تم إطلاق النار عليها بدون رحمة من قبل
رجل وحشي في أحلامها.
في حالة ميتة
دخلت المنزل على أمل العثور على شيء, كما لو كانت الجدران تأتي فوقها, و كأنها
فقدت عقلها, كانت باستمرار تخرج حزنها بسحب شعرها, كيف تم جلبها إلى مثل هذه اللعبة؟,
كيف وقعت بحب أعمى مع هذا الرجل السيء؟.
مع أي نوع من الآمال
دخلت الى هذا المنزل في الليلة الماضية, و الأن في أي حالة هي؟, بعد البقاء هنا لبضعة
أيام, كانت سوف تذهب إلى اسطنبول وتبني حياة جديدة مع الرجل الذي تحبه, الآن كل هذا
أصبح حلما مؤلما, كانت هناك عقدة في حلقها, كانت تريد في داخلها أن تحطم كل قطعة
موجودة في المنزل, بينما تصرخ و تضرب الحائط ما تزال كلمات ميران تتردد في أذنيها.
"أتمنى
من الله...", تمتمت قائلة, حلقها الجاف و صوتها المشقق كان باهتا, "الا يخرج
وجهي من عقلك, أن تراني في أحلامك كل ليلة, حقي حرام, ليكن وجهي كابوس لك", بينما
تنطق هذه الكلمات رافقت الدموع خدودها المحترقة.
فتحت باب غرفة
النوم قليلاً, خائفة من الدخول إلى الداخل, كانت روحها تؤلمها كثيرا لدرجة... أول ما لفت انتباهها عندما دخلت إلى الداخل كان
السرير, هل كل ذلك كان من أجل هذا؟, كل تلك التحضيرات, حفل زفاف كبير...
كان لأجل
انتقام ليلة واحدة؟, سارت نحو السرير و رمت الغطاء على الأرض, الأن تخرج الغطاء
الذي بين يديها, عندما نفذت طاقتها ركعت بجانب حافة السرير, كان مثل شريط فيلم يمر
أمام عينيها.
حدقت بعيونها
على حقيبتها لفترة, أخذت شهادة الزواج من حقيبتها, كان في عقلها الكثير من الأسئلة
دون اجابة, بما أنه سوف يتركها و يذهب لماذا تزوج بها؟, بينما تفكر في كل هذا فتحت
عيناها على مصرعيها, كلمات ميران قد تبادرت الى ذهنها, ماذا قال, من أنا؟, ميران
كارامان.
في شهادة
الزواج مكتوب اسم مختلف, هذه الحقيقة قد حطمتها أكثر, أغلقت فمها المفتوح بيدها قسرا,
في الحقيقة ريان لم تتزوج أبدا, كان توقيعه جزءًا من اللعبة القذرة, أي لعبة مثيرة
للاشمئزاز هذه؟, حدقت على الأغراض التي في الحقيبة, كل شىء كان واقفا, لم يلمس ميران أي شيء.
ظلام, بدأت
ريان تفكر في ماذا سيحدث بعد الأن, لقد كانت فكرة خاطئة, لكنها فكرت أن حياتها قد انتهت,
لم يكن لدى ريان أي أحد تذهب أو تلجأ اليه, لم يكن لديها منزل اخر غير القصر, لكن
لا يمكنها الذهاب الى القصر في هذه الحالة, أقاموا حفل زفاف ضخم في ماردين, لم يكن
هناك من لم يعرف بزواج ريان, على الرغم من أنها بريئة ستبدأ الشائعات في كل مكان,
الناس سوف ينظرون لها كمصدر عار, لم تكن ريان لتتحمل هذا, من يعلم ماذا سوف يحدث
معها بعد كل هذا, بالتأكيد, ولكن بالتأكيد سيكون هناك حكم على ريان, يمكنها أن
تشعر بهذا, بعد كل شيء, انها ماردين, حتى لو لم تكن مذنبة, فهل سيتم دعم المرأة؟, أفكار
مرعبة في عقلها, ربما سوف يعطونها الى رجل أكبر منها, أو الى أرمل لديه أولاد, لأنها
تعرف جيدا, بعد الأن لن يحتضنها أي أحد غير أمها.
فكرة أخرى
تلتهم عقلها, والدها قاتل, حقا, لماذا لم يعلم أحد بهذا في القصر؟, هزار شان أوغلو
العظيم في الحقيقة هو قاتل؟, ربما هناك سبب مهم وراء اخفاء هذا السر كل تلك
السنوات, مع ذلك عقلها لم يتقبل هذا المنطق, لماذا أحرقها هي؟, لماذا فعل بها
ميران هذا؟, لماذا اختارها هي لأجل الانتقام؟.
لساعات فكرت و
فكرت, وقعت في حفرة لا نهاية لها و ليس هناك من يمد يده لها أو ضوء, لم يكفي أنها
لا تستطيع العودة و بقيت عالقة في هذا المنزل, وقفت بهدوء, بعدما أخدت الهاتف الذي
كان على المنضدة, ترددت تم اتصلت بوالدتها, زهرة هانم يا اما سوف تقف الى جانبها
أو ضدها, لأنه لم يكن لدى ريان أي نية للعودة إلى القصر, لأنه سيكون مثل الذهاب إلى
الموت.
لم تكن حياة
ريان رخيصة هكذا, عندما تردد في عقلها كلمات ميران قائلا عودي الى حيث أتيتي كانت
ريان تفقذ صوابها, لن تفعل أبدا ما قاله, لن تعطيه أبدا ما يريده, حتى لو عملت
أنها ستموت لن تعود الى القصر بتلك الحالة.
****
ترك القصة
التعيسة وراءه و مرت ساعات على عودته الى المدينة التي يعيش فيها, الوقت لم يكن
مجروحا هكذا أبدا بهذا القدر, لم تكن الساعات معادية أبدا لميران بهذا القدر, لم
تكن حالة ريان البائسة تذهب من أمام عينيه, كان صراخها يتردد في أذنه, الأسئلة المتكررة
في ذهنه كانت تثير فضوله, هل ذهبت ريان إلى ماردين؟, هل علم هزار شان أوغلو بكل
الحقائق؟.
كان المساء في
اسطنبول, أصبحت السماء حمراء مع وداع الشمس, كان الطقس يزداد صعوبة, عندما فتح علي
باب السيارة نزل من المقعد الخلفي بتردد, مثل الثعلب, عاد بائع الفراء الى دكانه,
كان هذا مصيره, كان عليه أن يتحمل حياته مع امرأة لم يعشقها ولا يتحملها, عندما دخل
باب المنزل , واصل علي الانتظار عند الباب, لأن ميران لا يبقى في منزله كثيرا, كلما
قل الوقت الذي يقضيه مع جونول, كانت صحته العقلية أفضل, كان المكان الوحيد
الذي قضى فيه معظم اليوم هو شركته, كان علي من رجاله المخلصين الذي كان معه
لسنوات.
اللوحات الزيتية
معلقة واحدة تلو الأخرى و بضع صور معلقة في الممر, كانت النهاية مفتوحة على قاعة كبيرة
إلى حد ما, سلالم من القاعة مؤدية نحو الأعلى, وكان هناك قاعة تمرر الى المطبخ, كانت
غرف النوم في الطابق العلوي , ولا تظهر جونول في القاعة الأن, كان هذا المنزل دقيق
جدا ومزين بشكل جميل لدرجة أنه لا يخطر على العقل أنه في هذا البيت يعيش زوجان لا
يتفاهمان أبدا.
ألقى بجسده
على أحد المقاعد و أسند رأسه, كان يريد النوم لساعات دون التفكير في أي شيء, لأنه
لم يكن هناك طريقة أخرى لكي لا يفكر في ريان, كان يستطيع قليلا تخمين ما سيحدث بعد
الأن, من المحتمل أن أزاد سوف يجده و يحاسبه على هذه النذالة, سوف يقف هزار شان
أوغلو أمامه و يعلن عداوته علنا, كانت هناك خسارة واحدة فقط للحرب الخطيرة التي ستبدأ
بين الجانبين, و هي ريان, ضرب ميران الجهة المقابلة بأكبر ضربة, بعد الأن لن يكون
الوحيد الذي يفكر في الظلام و لا يستطيع النوم في الليل.
"لقد
أتيت", رفع ميران رأسه و نظر الى جونول عندما سمع نبرة توبيخها, هز رأسه
بهدوء كما لو أنه يقول نعم, كانت عيني جونول المنتفختين من الأرق أو البكاء واضحة للعيان,
جلست مقابل ميران, الرجل الذي وعد أنه سوف يأتي قد حافظ على كلمته, في اليوم
التالي للزفاف قد وضع نهاية لتلك اللعبة القبيحة و عاد الى زوجته, الأن تحدق الى
الرجل الذي أمامها, علاوة على ذلك كانت عيون ميران تنظر إلى زوجته بحزن و ليس بغضب
هذه المرة, أدارت جونول رأسها, الأن تحدق في مكان أخر, لم تعد تريد في داخلها عناق
ميران و لمسه و النظر اليه, كان الرجل الذي تراه أمامها قذرًا بالنسبة اليها, لم
يعد ملكا لها لوحدها, تجد أنه أهان حبها و لم يكن مخلصا.
كانت ريان
موجودة في عقل جونول, من يعلم في أي حالة هي الأن؟, لم يكن لديها الشجاعة للسؤال و
أيضا لم ترغب بذلك في داخلها لكنها تتساءل كثيرا, نظرت الى وجه الرجل الذي تحبه
بألف صعوبة, "أين هي؟", غضب ميران تجاه هذا السؤال بدون سبب, لقد تحدث
عدة مرات مع جونول بخصوص هذا الموضوع, ألا تتكلم عن ريان, لقد حذرها شخصياً
من طرح سؤال واحد عند انتهاء هذه اللعبة, عندما عكست نظرته العنيفة الغضب كانت المرأة
الشابة تحني رأسها خوفا, "في المكان الذي يجب أن تكون فيه, الم أخبرك أنه لن
يتم الحديث عن هذا الموضوع بعد الأن؟", تابع الحديث دون انتظار الاجابة, قد
أفرغ كل غضبه مجددا على زوجته, "لم تدخل الى حياتي امرأة تدعى ريان تظاهري و
كأنه لم يحدث قط واياك أن تفتحي فمك مرة أخرى".
نهض من الكرسي
بحركة مندفعة نحو الدرج, دون أن يستدير حذر زوجته مرة أخرى, "أنا متعب لذلك أنا
ذاهب إلى النوم, اذا لم تزعجيني سوف أقدر ذلك", وصل إلى غرفة النوم مع خطوات
سريعة, عندما ألقى نفسه على السرير شعر بالألم في كل مكان, في الواقع, معظم الوقت لا
ينام في غرفة النوم, لا يتشارك نفس السرير مع جونول, كانت لحظات الزوج والزوجة نادرة
جدًا, ميران لا يستطيع الاقتراب من جونول ولا تقبلها كزوجته.
كانت نوافذ
الغرفة مفتوحة حتى النهاية, كانت الرياح تتلاعب بشعر الرجل الشاب, أغلق عيونه بيد
واحدة و حاول النوم, كما لو أن كل شيء سوف يمر عندما ينام, و كما لو ان ريان لن
تتبادر في ذهنه مجددا... كان يفترض أنه سوف ينسى مع الوقت, يحاول
تهدئة نفسه.
أن عبء الضمير
لهذا الحدث سوف يكون ثقيلا جدا, لم يكن يعرف هذا.
لم يتضح عدد الساعات
التي مرت, ليلة مهجورة من الظلام الداكن, عندما رن هاتفه نهض من السرير خائفا, عندما
كان في ماردين استعمل هاتفا أخر و ترك هذا الهاتف في اسطنبول, عندما لم يعد يستطيع
تحمل رنينه أجاب على الهاتف وأخذه إلى أذنه, كان نومه قد اختفى تمامًا لأن الاتصال
كان من ماردين.
"أخبرني
مراد, كيف هو الوضع؟", كان رجاله في ماردين سوف يتجولون لعدة أيام حول القصر
بعد الزفاف, و عندما تقوم القيامة سوف يخبرون ميران, طلب ميران من مراد أن يخبره
عندما تعود ريان الى المنزل, لذلك ، كان ميران فضولي للغاية.
"لم تعد
السيدة ريان الى المنزل يا سيدي", عندما قال مراد سقط وجه ميران, عقد حواجبه,
"حتى هذا الوقت لم تأتي؟", "لا, كان هناك شيء لفت نظري لذلك اتصلت
بكم, في الثالثة ليلا خرجت امرأة من القصر, كانت تبكي و أيضا تذهب الى مكان ما
بسرعة", "تعقبها اياك أن تضيعها", قال ميران و أغلق الهاتف, كان من
الواضع ان الذنب الذي وقع في داخله مع ثقل ضميره الذي انهار لن يتركه حتى الصباح,
لم يخطر على باله أن ريان لن تترك المنزل الذي في ديار بكر و تذهب, كان متأكدا أن
ريان سوف تعود الى القصر, هل كان لديها مكان أخر لتذهب اليه؟ لما لم تذهب راكضة
الى والدها و تخبره بما حل بها؟.
كما أن كلمات
مراد علقت في ذهن ميران, من كانت تلك المرأة؟, لماذا كانت تبكي؟, هل يمكن أن يكون
لها علاقة بريان؟, و الأهم...أين ريان الأن؟.
سارع بالهاتف مرة
أخرى إلى أذنه, مهما حسب رجاله الخطوات تهرب منهم بعض التفاصيل, عندما فتح الهاتف
قال كلماته بانقضاض, "اذهبوا الى منزل ديار بكر حالا, أنظروا اذا كانت ريان
موجودة في المنزل ام لا, ان لم تكن اعثروا عليها, هل فهمت؟ اعثروا عليها".
بعد يومين...
مثل طائر يسقط
في يد الصياد, تتذكر الأن قلبها الذي كان يخفق بجنون, كانت تجلس على عتبة النافذة,
تضع يديها على ركبتيها, بعيون عثيقة, كانت تشاهد الهلال ينتشر في حضن الظلام, سقطت
أشعة القمر على نصف وجهها, تدفقت الدموع المستنزفة بشدة أسفل ذقنها, كان وجهها منقوعًا
مرة أخرى, كانت ريان في راحة يد كابوس يضغط بدون رحمة, كانت أكثر شخصية سيئة حظ في
هذا الفيلم, أو مهجورة في الصحراء...لأنها لم تكن عاجزة هكذا من قبل.
ذهب عقلها الى
ما قبل يومين... رغم أنها لم تغادر ذلك اليوم أبدا, روحها ما
تزال في ذلك المنزل, كانت محاصرة بين الجدران التي صرخت بها, تذكرت تلك اللحظة التي
حملت فيها الهاتف بشجاعة كبيرة, قالت لها أمها وهي تبكي أن لا تذهب لمكان تبقى فيه
لوحدها.
أعربت عن كل
ما حدث بين الفواق, عندما نقلت الى أمها ما قاله ميران حرفيا لم تفكر كيف سوف يؤثر
هذا في زهرة هانم, في الطرف الأخر لم تدرك زهرة الحقائق لفترة طويلة, من كان يقبل بسهولة
مثل هذا الموقف؟, علاوة على ذلك لم تصدق أن زوجها كان قاتلًا, لم تعتقد أن هذا الزواج
كان مجرد لعبة و خطة للانتقام, ألم يعذبه ضميره عندما كان يكذب؟, ألم يخافوا من
الله أيضا عندما لعبوا تلك اللعبة دون أن يرف لهم جفن؟, توسلت المرأة ريان للعودة
الى القصر مع دموعها اليائسة, لكن ريان رفضت قطعا بشدة, حتى الخادمة لن تعانقها في
ذلك القصر لا يمكنها العودة في اليوم التاني من زواجها كأنها ام تتزوج أبدا, نتيجة
لذلك, أقنعت ريان والدتها بأنها لن تعود إلى القصر وطلبت المساعدة منها,
"أنتي أمي", قالت, "من لدي غيرك؟, من سيفكر بي غيرك؟", بعد عدة
ساعات من تحدثها مع والدتها بقيت ريان في تلك المنزل, خلال تلك الساعات جاءت جدران
ذلك المنزل فوقها لتقطع انفاسها التي تأخذها, لتعطي البؤس لروحها, عندما كانت على
وشك أن تفقذ عقلها أصبح ذلك الهاتف الذي يرن منقذها.
بعد التحدث مع
والدتها أخدت حقيبتها و هربت من المنزل, هي الأن في المكان الذي يجب أن تكون فيه,
في اسطنبول, يا له من تناقض غريب ميران ليس معها, كانت بمفردها بينما كان من المفترض
أن تكون بين أحضان الرجل الذي تحبه, لا تستطيع أن تصدق حقيقة الكذبة التي عاشتها, بينما
كانت تشاهد الحلم يتحول إلى كابوس, كانت تتذوق الموت القريب.
في الأصل كانت
ريان تشك, بينما حياتها ازدهرت كثيرا فجأة, عيون زرقاء, أن يحبها رجل صاحب وجه
جميل بكل هذا القدر, بينما كل شي يمشي على ما يرام...كان لديها الكثير من الشكوك,
لكنها لم تمسح الغبار عن ميران, لقد أحبها, وقد تبناه في جوهرها, لدرجة أن هبوط
القلوب أظلم الحب, كل ما عاشته...جميلا كالحلم, لقد كان رائع لدرجة أنه لا يمكنه
أن يكون حلما على الاطلاق, يا للأسف, حتى أجمل الأحلام تستمر حتى تستيقظ, عندما
صرخ ميران بالحقيقة المريرة استيقظت ريان من حلمها الجميل, الى كابوس حياتها.
الأن ريان في
منزل امرأة عجوز, هنا اسطنبول في اسكودار, سيديكا هانم, كانت والدة أم ريان وخالتها بالرضاعة, اتصلت
زهرة قبل يومين بهذه المرأة التي تعيش لوحدها في اسطنبول, اخبرتها أن ريان في وضع
صعب و تحتاج الى مكان تبقى فيه, قبلت سيديكا هانم بريان دون أن تسأل عن السبب حتى,
اتصلت زهرة هانم بريان و أخبرتها أن تذهب بشكل عاجل الى اسطنبول و أنه هناك من
سيستقبلها في المطار.
في البداية تردد
كلاهما, بعد كل شيء انها اسطنبول, ذهاب ريان الى المدينة التي يعيش فيها ميران سوف
يعطيها الألم, كان هناك خوف داخل والدتها, كانت تفكر ماذا لو التقيا و فعل ميران
شيئا سيئا بابنتها, تم مسحت تلك الفكرة من عقلها و قالت لا يمكن, هل كان من الممكن
اللقاء في مدينة كبيرة؟, لكن العالم ... كان العالم صغيرًا جدًا, حسنا ماذا عن
ريان؟, اذا أرادت ريان ايجاد ميران, ماذا سيحدث حينها؟, كل هذه الأفكار, على الرغم
من الاحتمالات المرعبة أرسلت ابنتها إلى مدينة كبيرة مليئة بالمخاطر.
نتيجة لذلك,
لم يكن هناك مكان خطر على ريان أكثر من هذا القصر, بعد رحلة طائرة مملة عندما وضعت
ريان رجليها في مدينة لا تعرفها ارتجف جسمها, علاوة على ذلك كان الجو مظلما, كان المطار
مزدحماً بشكل مروع, وكان الناس أجانب تمامًا, لقد جاءت إلى اسطنبول عدة مرات عندما
كانت صغيرة للغاية, لكنها لا تتذكر أي شيء, عندما شعرت أن رأسها يدور, أمسك رجل
شاب ذراعها, عندما نظرت الى الرجل بشكل معاكس لاحظت المرأة اللطيفة التي بجانبه و
ارتاحت.
"خالتي
سيديكا", سألت بتردد, عندما هزت المرأة العجوز رأسها و هي تبتسم أخذت ريان نفسها
عميقا, مع هذا الرجل, لم تكن لديها أي فكرة كيف عثرت عليها بسرعة, في الواقع لم
يكن لديها طاقة لكي تسأل, لا شيء أقل من حطام في تلك اللحظة, لاحظت أن الرجل المجاور
لها كان ينظر إليها كما لو أنه رأى شيئًا مثيرًا للاهتمام, ريان لا تتذكر ما بعد
تلك الرحلة بالطائرة, الشيء الوحيد الذي تتذكره هو هبوط الطائرة التي أخذتها في
اسطنبول و الأن هي مع سيديكا هانم و الشاب الذي معها, وكان الباقي غيوم غبار, كانت
في هذا المنزل عندما استيقظت, كان ذلك الرجل الشاب فوق رأسها مجددا, كانت تحدق فقط
في الرجل الذي لم تعرف اسمه, لم تكن تعرف سبب اهتمامه بها كثيرا.
"هل انت
بخير ريان؟", عندما سأل هزت رأسها فقط, "لا تخافي", قال الرجل
الشاب و هو يمد يده, "اسمي فرات و أنا طبيب", بعد أن مدت ريان يديها
بخجل أشار فرات الى سيديكا هانم التي تقف الى جانبه بقلق, "انها جدتي",
بدون سبب أحست أنه يجب أن تعرف عن نفسها, يجب أن تكون ريان مترددة من نظراتهم.
"أغمي
عليك من التعب, يجب أن تنتبهي لأكلك و شربك لكي تستجمعي نفسك", لم يقل كلمة
أخرى, لم يسأل ريان سؤالا واحدا لماذا كانت مجبورة على المجيء الى اسطنبول, بعد
تحدثه مع سيديكا هانم لفترة خارج الغرفة ذهب فرات, لم يأتي منذ ذلك الحين, من
ناحية أخرى لمدة يومين كانت ريان صامتة فقط, ولم تتحدث كثيرا مع سيديكا هانم, عندما
كانت المرأة العاجزة تنظر الى حالة ريان تعتقد أن هناك شيء سيء حدث لكنها لم تسأل,
لن تسأل حتى تخبرها ريان بنفسها.
الأن تستجمع
نفسها من جديد, تتحدث مع أمها باستمرار, من في القصر لم يعرفوا شيئًا بعد, كانوا
يفترضون أن ريان سعيدة و كانوا يعطون السلام لجنونهم, خصوصا والدها...من يعلم كم
هو سعيد لأنه تخلص من ريان, أو كيف كان يمد صدره لأنه أقام حفل زفاف يستحق المجد.
لمدة ليلتين
كانت ريان بدون نوم, كل ما تفعله هو الجلوس على حافة هذه النافذة ومشاهدة السماء, كانت
تدير وجهها عن الأكل الذي تحضره سيديكا هانم, لم تكن حتى تشرب الماء بشكل صحيح, لم
تكن حتى تشعر بالألم الذي يصدره جسدها, بجانب الألم الذي في قلبها هل يجوز حتى
التحدث عنه؟.
اليوم كان
الثالث في زواجها, شعرت كما لو كانت ثلاث سنوات وليس ثلاثة أيام منذ رحيل ميران, الرياح
تهب من الخارج, انفتحت النافذة قليلا, كانت الرياح القوية تهب على شعر ريان, و ريان,
وقفت فقط في تلك اللحظة, لأنها لم تستطع ازالة الشعر التي يغطي وجهها, في كل خطوة
تخطوها تتذكر تلك اللحظة, لمسته لشعرها, قبلته, شمه...جميعا أصبحت جروحا في قلبها,
أصبح ألما في قلبها, أصبح نارا في داخلها, كانت تحترق, بشراسة.
لم تتمكن من وصف
الألم الذي تشعر به بأي شكل, كما تعلمون, فإن الإنسان عندما يريد أن يبكي يكون هناك
ألم شديد في حلقه, هذا الألم لم يترك ريان منذ أن تركها ميران و ذهب, حتى لو بكت
لن يمر, استمرت في الموت من التفكير في كل هذا, واصلت حياتها في الانخفاض, فكرة
لفترة من الوقت...لو لم تحب ذلك الرجل هل كانت روحها ستؤلمها هكذا؟, ربما
لا...سيكون الموضوع مجرد غضب في داخلها, لكنها فعلت أحبت, لذلك تحول قلبها الى
حطام...
لم تكن تعرف
حقيقة ما تحس به تجاه ميران الذي دخل حياتها بسرعة لدرجة أنها لم تدرك و خرج بنفس
السرعة دون ان تدرك ما حدث حتى, فكرت في حياتها السابقة, كيف كانت فارغة وبلا معنى,
على الرغم من وجود ميران في هذه الفترة القصيرة من الزمن, إلا أنه كان كما لو كان دائمًا
في حياة ريان, و كأنه لم يذهب ابدا لكنه لم يكن, في الحقيقة لم يكن موجودا, في
حياة ريان لم يكن هناك وجود لرجل يدعى ميران.
بقيت الأنفاس
التي أخدتها عالقة في حلقها, تحدق بعيونها
في ضوء القمر, كم كان غريبا, في المدينة التي يجب ان تكون فيها, لكن في المكان
الذي لا يجب أن تكون فيه, شاعر تحبه كثيرا, كانت تعلق كلماته ذات مغزى إلى اللسان.
في نفس
المدينة أنت موجود, انا موجود لكن نحن لسنا كذلك.
"لكن نحن
لم نكن نحن أبدا"
تعليقات
إرسال تعليق