القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية فتاة النافذة : الفصل الأخير

 الموتى يغادون و لكن الحياة تستمر مع البقية ، كان يوم أمس ذكرى وفاة زوجي أيدين ، ذهبت الى قبره مع الأولاد ، أيدين يرقد في حضن والدته التي فقدها عندما كان في العشرينات من عمره ، لقد كنت أنا من أراد ذلك ، لقد كان مِلكًا لوالدته أولا ، لأنه قد فقد والده في سن التاسعة ، لقد معه بعد والدته ، بعد نهاية أربعة و ثلاثين عامًا بالضبط و بعد أن عاملته بقدر من المودة مثل والدته ، أعدته الى بين ذراعي والدته الحبيبة

لقد شعرت بالراحة عندما أفكر أنه ليس هناك لوحده ، كالعادة القبر نظيف و لامع و الزهور تتدلى من جمبع الجهات ، ابنتي ياغمور تهتم بذلك ، إنها مخلصة

عندما أخرج من هناك لا أذهب للعيادة ، أحتاج الى بعض الوقت لإعادة نفسي إلى الحياة ، و ها أنا في العيادة مرة أخرى اليوم ، تونا تستقبلني عند الباب مرة أخرى ، تبدو متحمسة ، من الواضح أنه لديها شيئًا مهمًا على استعداد لتخبرني به ، انها مرتبكة مثل طفل غاضب ، أعرف حالاتها هذه و أحب أن أجعلها تعاني هكذا ، هل أنا سادية يا ترى ؟

من ناحية لا يسعني إلا أن أحسدها ، لقد عاشت تونا دائمًا هذه الحياة بكل سرور و حماس و على أكمل وجه

" تونا ، لدي مكالمة هاتفية ، حضري القهوة على الفور بينما أعتني بذلك في هذه الأثناء "

"كنت سأقول شيئًا لكن...لو أخبرك فورًا و بعدها تفعلين...."

يا إلهي ، لن أذهب إلى أبعد من ذلك لأنني أتساءل ماذا ستقول هذه المرة أيضًا ، إلى جانب ذلك ، إنها تخفي شيئًا خلفها ، خير ان شاء الله

 " حبا بالله ، حسنًا لن أقول أي شيء..."

" هيا أخبريني ، لا تهتمي بي ، في بعض الأحيان لا أرتاح دون أن أغضبك ، هيا اخبريني ماذا حدث "

بقول هذا ، نذهب الى غرفتي معًا ، عندما جلست مكاني كانت تجلس على الكرسي أمامي سعيدة و بين يديها ذلك الصندوق المربوط بالشريط الأحمر الذي كانت تخفيه وراءها ، إنها هديه لكن من أرسلها ؟

" هل تعرفين من أحضر هذا ؟ "

" بالطبع لا أعرف يا تونا ، من أحضره ؟ "

" عندما أكون أقوم برتيب المكان جاءت نالان في الصباح الباكر "

" نالان ؟ هل هي من أحضرت هذه الهدية ؟ "

" أجل هي ، لقد أرسلت لك التحية ، لقد أصبحت امرأة مختلفة تمامًا ، إذا رأيتها على الطريق لن تتعرفي عليها "

" كيف ذلك ؟ "

" لقد خلعت ملابس الكونتيسة تلك ، كانت ترتدي بنطالا أسود من القماش و قميصًا أبيض أبيض لامع ، و كانت ترتدي أيضًا سترة زرقاء صغيرة جميلة جدًا ، و قصة شعر قصيرة مع نظارات ذات ألوان فاتحة ، كانت ترتدي ملابس شبابية مختلفة تمامًا ، أصبحت امرأة عصرية ، جلست معي لمدة نصف ساعة ، و قدمت لها فنجان قهوة و ثم أشعلنا السجارة لأنه لم يكن هناك أحد غيرنا ، تجاذبنا أطراف الحديث لفترة طويلة كما لو كنا أصدقاء منذ أربعين سنة ، هل الانسان يتغير كثيرًا ؟ "

" كيف كان مزاجها ؟ "

" لا أعرف عن مزاجها لكن المرأة عادت الى رشدها ، الآن هي تعمل في مكتب هندسة معمارية و كانت سعيدة جدًا بوظيفتها ، لم أصدق ذلك لأنني دائمًا ما رأيتها تبكي ، إنه أمر رائع ، و كأن وجهها قد تغير ، لقد أحضرت هذا معي لأتمكن أيضًا من رؤية ما جلبته لك "

بقولها هذا تضع صندوق أسطواني طويل مغطى بالمخمل الكستنائي عل طاولتي و تبدأ في فتحه أمامي ، أقف و أنظر إلى الصندوق بفضول ، عندما يتم فتح الغطاء نرى شيئا ملفوفًا في طبقات من ورق الجيلاتين بالداخل ، نخرج أولا فنجان قهوة رائع و صحنه مطرز بالألوان ، لونه أحمر ، أضع الكوب على الطبق و أرفعه للهواء ، إنه جميل جدًا ، بالإضافة إلى أنها صغيرة بالطريقة التي أردتها ، ثم صينية صغيرة و علب قهوة و شوكولاتة ملونة و حلوى اللقمة و حلوى اللوز ، و شموع معطرة و مسبحة سغيرة من المرجان في الأسفل منقاره من الفضة و كُتب عليه الأحرف الأولى من اسمي ، كيف تعرف هذه المرأة أنني أحب هذه الأشياء

عندما أقول أنه انتهى ، أر مغلف وري صغير في أسفل الصندوق ، هذا الظرف يثير اهتمامي بالأكثر ، لأنني أعرف أن ذلك الظرف يحتوي لى تالان ، بحماس أفتح ذلك الظرف المختار بعناية فائقة ، كُتبت الرسالة بقلم حبر أزرق ، كتابة نالان جميلة مثل الرسم

 

عزيزتي السيدة جولسيران

من بعدك بقيت في المنزل لعدة أيام و فكرت في المسار الذي رسمه لي قدري ، كنت أفكر في تلك الفتاة التي كانت لسنوات تجلس في غرفتها و تنظر من النافذة الى الحياة

كانت كلماتك ترن في أذني و عيني على تلك اللوحات التي رسمها والدي لي ، كانت تلك هي اللحظة التي خرجت من النافذة ، أمي ، جدي ، جدتي ، المربية حفيظة ، ثم سيدات و عائلته ، ثم خيري ، بعدها أنت و والدي

جاء خيري ليحعلني أتذوق طعم الحب و العشق اللذين لم أعرفهما من قبل ، و أنت لأجل تنوير حياتي التي كانت سوداء مثل القار (القطران) ، و أبي جاء ليقول لمعاناتي " توقفي" ، أكياس الذنب و النقص و الخطايا التي حملتها بداخلي لسنوات بدأت تتساقط ببطء ، شعرت بالارتياح

لقد قلت لي أن الحياة تعطي فترات راحة لمن تحب ، لقد اندهشت عندما رأيت أنها قدمت لي هذه الهدية أيضًا ، فقلت أن الحياة سامحتني و أنا سامحتها

كم هو جميل أن تعيش براحة

أنا الآن مهندسة معمارية ناجحة ، إذا سأتني ما الذي أرسمه عندما أصبحت مهندسة معمارية ، فأنا أرسم مثل والدي ، هو يرسم على اللوحات و أنا على الجدران ، عندما بدأت الرسم لم أكن أعرف ماذا رسمت كما لو أن الفرشاة لم تكن في يدي ، لا أصدق ما فعلته عندما نظرت أمامي ، لم تعد رسوماتي مظلمة بل اصبحت عبارة عن نور

أحاول أن أكون مدمنة على الحياة و السعادة و السلام و ليس الألم

بنيت جدارًا أمام الطريق الذي أخدني إليه القدر ، طرق مختلفة مضيئة في انتظاري ، و أنت من أشعلت هذا النور في حياتي ، أتمنى أن يكون هناك نور في عينيك و في قلبك يا أستاذتي العزيزة

نالان

 

تقف تونا أمامي و تنظر إلى بفضول و أنا أقرأ الرسالة ، أعلم أنها تحاول معرفة ما إذا كان ما هو مكتوب في الرسالة يزعجني ، أرفع رأسي ضاحكة

" عزيزتي تونا ، لو تحضرين لنا قهوة حلوة بما أنه لدينا وقت ، دون أن تظري الى الاتصالات لفترة من الوقت فلنتحدث معًا ، ما رأيك ؟ "

" دعيني أحضرها لك في الفجان الجديد ، إنه جميل جدًا ، تبدو الشكولاتة جميلة جدًا أيضًا ، هل يمكننا تناولها أيضًا ؟ "

أنظر إليها بإيماءة موافقة و ابتسامة في نفس الوقت ، تفرح مثل طفلة صغيرة ، هل هي فقط ، و أنا كذلك أبتهج معها كالطفل ، هناك الكثير من الأشياء في هذه الحياة لنسعد لأجلها

إذن فقد فهمت نالان أخيرًا ما كنت أحاول قوله لها منذ شهور ، توقفت عن السير في الطرق المظلمة و أصبحت قادره على وضع حد لمصيرها ، لذا فإن الجهود لم تذهب سدى

هذا يجعلني سعيدة أيضًا ، و هل الأمر سهل ، لقد أمضيت معظم حياتي في الاستماع إلى بعض الناس و محاولة علاج مشاكلهم ، كان لدي خيبات أمل كبيرة تجاه بعضهم ، و من البعض الآخر مثل هذه الأخبار السارة...

أعتقد أنني اسمتعت إلى قصص حياة أكثر من مائة ألف شخص على مر السنين ، نتيجة لذلك ، أنا إنسان أيضًا ، حتى بصفتي طبيبة و في مغامرة حياتي الخاصة  لقد أصبت بجروح بالغة بطريقة أو بأخرى ، هل من الممكن أن تعيش في هذا العالم دون أن تتأذى على أي حال؟ لكني أعلم أن الناس يكبرون ويتعايشون مع هذه الجروح

التوقيع الموجود في الاختفاء و الوجود ينتمي دائمًا إلى هذه الجروح ، النجاحات و الهزائم هي نتيجة هذه الجراح

بصفتي طبيبة عندما كنت أستمع إلى الناس ، رأيت نفسي في بعض القصص التي رواها المرضى ، عندما كان يسحقهم الألم ، ليس هم فقط و لكنني أيضًا خضعت للعلاج معهم

الآن أنا أفهمهم و أفهم نفسي بشكل أفضل ، طريق القدر لا يقودنا دائمًا إلى النجاح و السعادة ، و مع ذلك ، فإن الأمر متروك لنا لمعرفة إلى أين يقودنا هذا الطريق

و في النهاية أعرف جيدًا أن المرض يأتي من قلة الحب ، و الشفاء دائمًا يأتي من الحب و الرحمة

أيام سعيدة للعيش مع الحب...

 

النهاية
 

رواية فتاة النافذة مترجمة للعربية




Reactions:

تعليقات