القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية فتاة النافذة الفصل الثاني عشر : " لقد كان والدي"

 

الوقت يمر و كل يوم أستمر في الاستماع إلى قصص الحياة المثيرة للدهشة و الغامضة في هذه الغرفة الحمراء التي أراها كمعبد ، يترك معظم ما أستمع إليه انطباعًا عميقًا لدي ، أنا لا أنساهم أبدا

مثل كنان الوسيم في إذا خسر الملك ، مثل فادي ، مثل السيدة هاندان...

مثل عاليا التي كنت أحكي لها العدد من القصص في عد للحياة ، مثل فاروق ، مثل أسماء سلطان ، ثريا ، مثل غريب...

مثل صالح في الألوان الثلاثة للخطيئة ، مثل شفكت آغا الذي علني كيف أستعمل المسبحة ، مثل مليحة صاحبة العيون الدامعة و الرأس العاري...

مثل الفتيات التعيسات من شقة القمامة بداخل العملة ، التي كل واحدة أجمل من الأخرى...

و أخيرًا ، أبطال هذه القصة نالان و خيري...لقد تقاطعت طرقنا بشكل ما ، أنا أقف في مكان ما في أذهانهم ، و هم أيضًا

لقد مرت شهور منذ وفاة خيري ، لكنني لم أنسى جلوسه على المقعد أمامي ، و مفتاح السيارة في يده و المسبحة و أشياء أخرى التي يلقي بها على طاولة القهوة بجانبه ، و نظراته الحادة ، المعطف الأحمر الذي يحب ارتداءه ، نظراته إلى من الجانب ، لا يزال عالقًا في مكان ما في ذهني ، سيستمرون في العيش معي هناك

لمدة لم أكن أتلقى أي خبر من نالان ، لكنها جاءت اليوم ، هي في الصالة تنتظر ، قبل أن تدخل نالان تدخل تونا راكضة

" إن رؤية السيدة نالان تجعلني أشعر بالسوء ، أفكر دائما في السيد خيري ، في معظم الأوقات كانوا يأتون إلى هنا معًا ، بينما كان السيد خيري ينتظرها كان يتحدث معي في غرفة المعيشة ، مازلت لا أصدق كيف غادر رجل كالجبل فجأة ، كيف جعلتهم يقتلونك يا رجل ، هل كانت يديك تقطفان الكمثري ، ألم تستطع أخذ السكين منها ، كنت سأتفهم الأمر لو كان شخصًا آخر ، شخصًا ضعيف البنية أو شيء من هذا القبيل ، لكنني ما زلت لا أستطيع تصديق الأمر ، لم أحبه منذ البداية أيضًا كان له جو مخيف ، كانت عيناه دائمًا غاضبة ..."

" تونا ، إذا تركتك هل ستتكلمين حتى الصباح ؟ "

" أنت تغضبين أيضًا على الفور ، لا تدعين المرء يتحدث ، حسنًا لقد انتهيت ، يبدو أنك لم تشعري بالأسف على خيري..."

" نالان تنتظر أليس كذلك؟ "

" أجل ، لكنها تبدو غريبة جدًا "

" كيف ذلك ؟ "

" من جهة تقولين أصمتي و من جهة تريدين مني التحدث "

" حسنًا يمكنك التحدث الآن من فضلك "

" أنا أيضًا لم أفهم ، كنت خائفة على حالتها بعد وفاة خيري ، قلت من يعرف الحالة التي ستكون عليها المرأة ، لكن اليوم كانت أفضل مما كنت أتوقع ، الآن هي جالسة في الصالة و تحني رأسها مجددًا، تبدو مشوشة "

" مشوشة ؟ "

" أجل...، ذهبت إليها عدة مرات و حاولت التحدث لكن لم تعطي ردة فعل ، تجلس دون أن ترفع رأسها ، الأمر ليس كالحزن فأنا أعرف كيف تبدو عندما تكون حزينة ، أنا لا أفهم ما الذي يربكها ، هل أتحدث معها أكثر ؟ "

آه تونا ، كيف للإنسان أن يكون بهذا اللطف و الحنان ، أنا أحب أن أغضبها ، كما قلت في البداية ، يخضع المرضى أولاً لفحص من طرف تونا

هي دائمًا ترى الحقيقة ، المعلومات التي تقدمها لي دائمًا مفيدة ، تنظر إليّ و هي مستاءة قليلاً

" تكلمي ، لا تهتمي بي ، بعد كل شي نحن أطباء مجانين ، المعلومات التي تعطينها لي تساعدني دائمًا ، بعد كل شيء ، لقد أصبحت أيضًا صرافًا للمال البشري بمرور الوقت ، أنظري كم تتكلمين بشكل جميل "

" لكنني لم أكن أقول شيئًا جميلا منذ قليل "

" كان جميلا أيضًا ... في بعض الأحيان لا أستطيع تحمل الاستماع إليك لفترة طويلة "

" أنت على حق أيضًا ، هل من السهل الاستماع إلى شخص ما حتى المساء ؟ لو أحضرت لك فنجانًا آخر من القهوة الآن ، إذا هدأ غضبك ، يمكنك الاستماع إلى تلك المرأة المسكينة بشكل مريح ، بالتأكيد أنت متعبة اليوم "

" حسنًا إذن ، حضريها "

" أنظري أنت تضحكين ، من الجيد أنك تغضبين مني و ليس من الآخرين ، يمكنك الغضب حتى لو لم تستمعي إلي سوف أستمع أنا إليك "

تنفض خارج الغرفة مع ابتسامة معاتبة و هي تقوم ببعض الإيماءات بيديها ، من الجيد أنك موجودة يا تونا

بعد ذلك ، دخلت نالان ورأسها منحني ، مرة أخرى ترتدي ملابسها السوداء القديمة ، تونا على حق ، ماذا حدث لهذه المرأة ، بعد أن صافحت يدي ببطء ، تجلس على كرسي أمام النافذة حيث تجلس دائمًا

لا أعرف لماذا لكن أنا كذلك عقلي مشوش اليوم ، أشعر بالضيق و الحزن ، عقلي دائم التفكير في مرضاي القدامى الذين كانوا يأتون و يخرجون من هذه الغرفة لمدة طويلة ، لم أستطع نسيانهم

قبل أن أبدأ بالحديث مع نالان تدخل تونا و هي تحمل القهوة ، تغادر بعد أن تقدمها لنا بعناية ، بينما أشرب رشفة من القهوة أتنفس رائحتها بعمق ، هذه الرائحة تجعلني أشعر دائمًا بالراحة

" نالان ، لماذا رأسك منحني اليوم ؟ ألم نتفق على أنك لن تحني رأسك مجددا ، ماذا حدث لك ؟ "

" لا تسألي أبدًا ، لو تعرفين ماذا حدث معي سوف تتفمين الأمر ، لقد أخبرت سابقًا عدة مرات عن مدرس الفن الذي ورشتنا كان يمر في شارعنا من حين لآخر و كنت اراه من النافذة في المساء ، كان ينظر نحو نافذة منزلي اثناء مروره..."

"هاا ، اجل أتذكره جيدًا ، ماذا حدث له ؟ "

" بعد توبيخك لي في أخر مرة ، في اليوم التالي استجمعت نفسي و ذهبت أولا الى المكتبة ، و اشتريت كتب جميلة لنفسي ، كما قلتي لي ألا أنام قبل أن أقرأ كتابًا ، قلت لأفعل ذلك ، و بعدها بدأت بالذهاب الى الورشة بشكل منتظم ، حتى أنني ذهبت الى التسوق و اشتريت لنفسي ملابس ملونة ، قلت في نفسي لن أستسلم للحياة و أحاول أن أفعل شيئا لأجل نفسي "

" أحسنتِ ، من الجيد ما فعلته "

" شكرًا لك ، عمتي قد قامت بدعمي كذلك ، بعد ذلك مباشرة جاءت إلي صديقة لديها مكتب هندسة معمارية ، و قالت لي : ' إذا أردت يمكنك البدء في العمل معنا على الفور' ، كنت سعيدة جدًا و خائفة في نفس الوقت ، و كنت سأبدأ بالعمل في الأسبوع التالي و ذهب للورشة لأجل توديع أصدقائي و أخبرتهم أنني سوف أبدأ بالعمل و لن أستطيع المجيء الى الورشة ، و قمت بتوديع المدرسين و خرجت من هناك بالمساء و كنت عائدة للمنزل حينما أمسكني أحدهم من ذراعي ، عندما استدرت رأيت مدرسنا ، قال لي : ' هل يمكننا الجلوس في المقهى المقابل و شرب كوب قهوة ؟' ، شعرت بالغرابة ، كان رجلا لطيفًا و نبيل ، قالت في داخلي أي قهوة و لماذا ؟ ، لكن الرجل كان مصرًا ، و قالي لي أنه هناك موضوع مهم يجب أن نتحدث عنه ، في داخلي لم اكن أريد الذهاب لكن عندما قال أنه شيء مهم ذهبت معه للمقى الذي أشار إليه ، جلس أمامي و كان يريد التحدث لكن لم يستطع بسبب توتره ، جاءت القهوة ، ما يزال مرتبك ، ثم تحدث أخيرًا ، هل تعرفين من كان ذلك الرجل ؟ "

من يكون يا ترى ؟ لا يخطر في بالي أي أحد لكنها تستمر في النظر إلي بدهشة

" لقد كان والدي "

والدها ؟ يا الله ، من أين ظهر والدها الآن ؟ هل هذا جيد أو شيء ، لا أعرف ، أنظروا للحياة مفاجئة وراء مفاجئة

 " تبين أن ذلك الشاب الذي كنت أتساءل عنه لسنوات ، صاحب العيون الحزينة الذي رأيته في تلك الصورة المصغرة هو والدي ، و قد جاء ال تركيا منذ خمس سنوات ، وجدني و كان يراقبني منذ ذلك الحين ، لقد كنت أجلس أمامه مثل الحَمل "

تبكي مجددًا ، أضع نفسي مكانها و أتساءل ما الذي قد يشعر به المرء عندما يخرج أمامه أب مثله بعد سنوات عديدة ؟ كما أنه ليس أب طبيعي ، إنه الذي اعتدى على ابنته أخته و تركها حاملا ، أفكر بكل هذا لكن لم أستطع أن أجد اجابة ، هل تحزن أم تبكي أو تغضب أو تفرح ، أم كل هذه المشاعر دفعة واحدة ؟

" كم هذا غريب ، لم أتوقع شيء كهذا أبدًا ، إذن فهو والدك هاا؟"

" لقد جلسنا في ذلك المقهى لمدة ساعتين يا سيدة جولسيران ، لقد أخبرني بكل شيء ، كيف أن يده ترتجف ، و كم كان حزين و محرج ، لو ترينه "

" بماذا أخبرك يا نالان ؟ "

" لو ترينه أنه رجل محترم و نبيل ، حزين لدرجة كبيرة...، جميع النساء اللواتي تعمل في الورشة كن معجبات به ، يشعر بالخجل حتى عند النظر إلى وجوه الناس و يمشي دائما و هو يحني رأسه ، ترتدي ملابس نظيفة و مرتبة ، لا يوجد كتاب في العالم لم يقرأه ، إنه مثل الفيلسوف "

" هل كنت تحبينه أنت أيضًا ؟ "

" لقد كنت أنظر أنظر إليه بإعجاب دائمًا ، تعرفين أن النساء تحبن الثرثرة و كن يتحدثن عنه بإستمرار ، حتى السيدة سيفيم التي كانت تعمل في الورشة كانت تحبه ، كانوا يقولون لها ' لا ترفعي آمالك يا سيفيم ، حتى لو كانت أجمل امرأة في العالم فقد أقسم ألا ينظر إلى أي امرأة '، كانوا يقولون و يسخرون من المرأة ، هكذا هو "

" مثل الرجل الذي في الصورة تمامًا "

" لا أعرف إذا ما كان يجب أن أفتخر لكوني ابنة لمثل هذا الرجل أم أغضب منه لأنه كان السبب في موت والدتي و جعل عائلتي تعاني من كل تلك المصائب "

كانت تونا محقة ، المرأة المسكينة في حيرة ، و هي محقة تمامًا ، ماذا يجب أن أقول يا ترى ، أنا كذلك في حيرة

" ما الذي أخبرك به يا نالان ؟ "

" لم يخبرني بما حدث ، سألته مرتين لكنه كان يكتفي بحني رأسه بخجل ، و بعدها قال لي : ' إذا اخبرتك هل سوف تصدقين ؟ "

" إذن هذا ما قاله "

" توفيت والدته قبل سنوات قليلة من قدومه إلى منزلنا للدراسة ، يقول : ' كنت حينها في السادسة عشرة' ، لقد تأثر بالفعل بشدة بوفاة والدته ، يقول : ' أظلم عالمي في ذلك العمر' ، لو تعرفت عليه فهو شخص مختلف لدرجة أنه ليس رجلاً يمكنه يقوم بإيذاء والدتي ،  حزين جدًا ، محطم...، ' لقد نلت كل العقوبات التي يمكن أن أتعرض لها في هذا العالم ، و أنا مستعد للمعاناة من الآن فصاعدًا ، يكفي أن تسامحيني فقط ' ، هذا ما قاله ، كما أن سبب لقائه و تكلمه معي كان فقط لكي يطلب مني السماح "

" ااه يا الله ، كم هذا محزن ، لقد فقدتي خيري للتو ، لابد أنه كان صعبًا عليك ، على كل حال ، ماذا حدث بعد ذلك ؟ "

" ثم عندما اتضح أن والدتي كانت حاملاً ، كان الأستاذ مِتين مرتكب و لا يعرف ماذا يفعل "

تناديه بالأستاذ مِتين ، من الصعب عليها أن تناديه بأبي ... و أيضًا كيف ستقول ذلك...

" في الصباح خرج من المنزل و لم يستطع العودة و ألقى بنفسه إلى ألمانيا ، لم يكن لديه معارف هناك و لا مال في جيبه ، يقول : ' عندما نزلت من الطائرة لم أعرف ماذا أفعل و بقيت هناك' ، بعدها جلس في مقهى هناك وقع شجار و جاء رجال الشرطة على الفور وأخذوه ثم الى السجن ، تعرض للضرب والإهانة ، كان لديه صديق مقرب هنا و كان يتحدث معه مرة واحدة كل فترة ويعرف منه ما يجري ، و قد بدأ الرسم في السجن و قاموا أيضًا بإدراجه في برنامج إعادة التأهيل الخاص بهم ، بعد عدة سنوات خرج من السجن و بدأ العمل في عدة ورشات و كان يعيش وحيدًا دائمًا ، عندما علم بموت أبي و أمي عاد الى تركيا و قرر أن يلتقي بي ، ادخر المال لبضع سنوات وجاء إلى اسطنبول قبل خمس سنوات ، وجدني أولا و عرف كل شيء عني ، عندما سمع أنني أذهب الى تلك الورشة تقدم الى هناك و بدأ العمل كمدرس ، سيدة جولسيران لقد كنت أذهب الى هناك منذ سنوات و لم يظهر لي ذلك أبدًا ، لم يرفع رأسه مرة واحدة حتى و ينظر الى وجهي بتمعن "

هذا صادم حقًا ، أي نوع من القصص هذه

" بماذا شعرت و أنت تستمعين اليه ؟ "

" كنت حزينة جدًا ، لم أعرف بماذا أشعر لكنني ظننت أنني سوف أغضب منه لكن لم أفعل ، كان يبدو أنه مريض ، النساء في الورشة يتحدثن عنه دائمًا ، انت تعرفين النساء تحبن النميمة ، كانت هناك العديد من الشائعات عنه مثل أنه أعزب و يعيش بمفرده و غريب نوعًا ما ، كل لوحة من لوحاته كانت عملاً فنيًا جادًا ، كان أثرياء اسطنبول يصطفون لأجل الحصول على واحدة على الأقل من هذه اللوحات ، وقع في حب امرأة ما و لم ينساها حتى الآن ، و وقع مريضًا بسبب ذلك ، في تلك الأيام لم أكن لأظن أبدًا أن هذا الرجل هو والدي ، لكن مؤخرًا اتضح أنه مريض ، كان وجهه شاحبًا و كان نحيف جدًا ، حتى أنني سألته كثيرًا في ذلك اليوم عما إذا كان مريضًا حقًا ، و إذا كان يحتاج الى المساعدة "

" كنت مستعدة لتقدمي له المساعدة "

" أظن ذلك..."

 بعد قولها ذلك ، تخفض رأسها و تفكر كما لو كانت تفعل شيئًا غريبًا ، تضع يدها على فمها ، لقد انصدمت أيضًا عندما فكرت في مساعدة شخص لم تكن قادرة علة وضع مكانة له في رأسها لسنوات ، و الذي كرهته الأسرة بأكلمها و اعتبرته عدواً

انها محقة ، في الواقع سلوكها هذا يذهلني أيضًا ، عندما تلتقي برجل كرهته لسنوات ، تظهر نهجًا لم تتوقعه أبدًا

هكذا هم مرضانا... في هذه الغرفة يسمعون و يتعلمون أشياء كثيرة لا يعرفونها عن أنفسهم عندما تخرج من أفواههم

" سألته كثيرًا لكنه قال أنه بخير ، لم أصدق ذلك ، كان يبدو أنه مريض جدًا و نحيف جدًا، وجهه شاحب ، كان يعيش في مكان ما في حينا لوحده ، لم يكن يريد أن يضايقني مرة أخرى و كان لديه بعض الأشياء التي يريد أن يتركها لي ، قال لي أن أخذهم في أسرع وقت ممكن "

" ما هي تلك الأشياء ؟ "

" بصراحة كنت أتساءل كثيرًا ما إذا كان سرًا جديدًا أم ذكرى ، في اليوم التالي ذهبت الى منزله و أخذهم "

" حقًا ؟ "

" حتى في ذلك اليوم ، كان بالكاد يستطيع الوقوف ، أثناء مغادرة المقهى ضغط على يدي ، وانحنى ، انه يخجل مني "

" يخجل منك ؟ "

" كثيرًا ، عندما كان يشعر بالحرج و ينحني أمامي كنت أشعر بالسوء ، كنت في حالة سيئة للغاية و عندما عدت للمنزل بكيت كثيرًا حتى أنني لم أخبر عمتي بأي شيء ، بكيت طوال الليل دون أن أعرف السبب ، بمجرد أن استيقظت في الصباح توجهت مباشرة الى العنوان الذي أعطاني إياه ، كنت عند باب منزله في وقت مبكر من الصباح لأنني فكرت في أنني لو تأخرت سوف يكون قد غادر المنزل ، كان يعيش في قبو مظلم لمبنى سكني قديم ، لقد شعرت بالسوء كثيرًا ، الأرضية كانت حجرية ، كان يحتوي على غرفتين ، في أحدهما يوجد سرير مستشفى و وحدة تحكم في الوسط ، و في الغرفة الأخرى توجد اللوحات التي كان يرسمها لسنوات ، أراني اللوحات واحدة تلو الأخرى ، كل واحدة كانت عمل فني جميل جدًا ، لو قام ببيعها من يدري كم ستكلف لكنه لم يبع معظمها ، قال : ' هذه لك ، اعتبريها الذكريات المتبقية من والدك ، من فضلك خذيها بأسرع وقت ممكن "

" إذن فهم يعطيكي أغلى شي لديه "

" لا أستطيع أن أخبرك كيف تأثرت ، أرى حالة الرجل أنه يائس ، لقد كان يزحف هنا و هناك منذ سنوات ، عاش في سجون و مستنقعات و هو نصف جائع و ممتلئ ، لقد عانى كثيرًا يا سيدة جولسيران ، لقد فهمت هذا...، عندما دفنت أمي تحت الأرض في سن مبكرة ، كان هو كذلك يزحف فوق الأرض من هنا و هناك ، عانى الكثير من الألم جسديا و نفسيا ، و دفع كلاهما ثمنًا باهضًا للخطأ الذي ارتكباه "

" لقد سامحتيه ، كم هذا جميل "

" هذا ما قاله هو أيضًا ، ' سامحيني يا إبنتي' ، قال لي ذلك و هو يودعني ، كان يبدو و كأنه يريد معانقتي ، تجمدت مكاني ، حتى لو كان الألم عميقًا جدًا فلا يمكن للمرء أن يبكي ، لو ترين كيف أن عيونه حزينة و هو ينظر إلي لكنه لا يستطيع البكاء أيضًا ، كان هناك صوت في داخلي يقول إذا لم تعانقيه الآن لن تجدي هذه الفرصة أبدًا مرة أخرى...، و عانقنا بعضنا البعض ، كم بكينا معًا...، لا أعرف غذا كانت دموع فرح أم دموع الألم الذي عانيناه لسنوات طويلة لكننا لم نترك بعضنا البعض و بقينا نبكي ، حسنًا لنقل انني امرأة لكن ماذا عنه هو ، إنه رجل ، هل يمكن يبكي هكذا ، لو كان الأمر بيدي لكنت أمسكته من ذراعه و أخذته الى البيت بالقوة ، حتى لو لم يقل أي شيء بلسانه لكن بتعامله قال الكثير يا سيدة جولسيران ، من الواضح أن الأستاذ ميتين كان يحلم بتلك اللحظة في ذهنه منذ سنوات ، لقد كان يعرف جيدًا ما يفعله ، في النهاية خرجت من هناك و أنا أبكي ، ثم أخذت اللوحات و علقتها في جميع أنحاء المنزل ، لم أكن أستطيع أن أرفع عيني عنها ، سيدة جولسيران هل يمكن للمرء أن يصف الحب و العقاب بشكل جميل للغاية فقط مع القليل من ضربات الفرشاة ، و كأن اللوحات تتحدث مع الإنسان و كلما نظرت إليها أبكي "

" أخبريني قليلا عن تلك اللوحات ، أشعر بالفضول ، ما هي الألوان التي استعملها بكثرة ؟ "

" لقد استخدم جميع الألوان تقريبًا ، و لكن في الغالب كان يستخدم الأحمر و الأسود ، فمن ناحية تتدفق ألسنة اللهب مثل الجمر و لكن خلفها تتدفق خطوات سوداء ، في اللوحات وصف عشقه و شغفه و ألمه و جريمته و عقابه ، أثناء حديثه معي جعلني أفهم اشياء بعيونه بدلا من لسانه ، كان الأستاذ ميتين شخصًا مخلفًا تمامًا ، لم يكن ذلك النوع الذي قد تقابله دائمًا في الحياة ، لهذا السبب أردت رؤيته مرة أخر منذ اللحظة التي تركته فيها ، و في اليوم التالي ركضت إلى ورشة الرسم مبكرًا ، اندهش أصدقائي كثيرًا عندما رأوني ، ' نالان ، ما الذي حدث لك ، هل تضخم وريك الفني . أنت لا تأتين مبكرًا ' ، لكن عقلي كان يفكر بالأستاذ ميتين ، و سألتهم فورًا ، ' ألم يأت الأستاذ متين ؟ ' ، قالو لي : ' لقد كنا نتساءل عنه أيضًا فهو لا يتأخر أبدًا '، بينما كنا ننتظره جميعًا ، دخلت صاحبة الورشة السيدة نيفريا ، ' اضطر الأستاذ متين الى السفر للخارج للقيام بأعمال مهمة ، لقد أخبرنا بذلك منذ قليل ، سوف نجد أستاذ جديد يحل مكانه في أقرب وقت' ، لقد صدمنا جميعًا ، خصوصًا أنا ، لا أستطيع أن أشرح لك مد خيبة أملي ، إن فقدان والدي الذي وجدته بالأمس صعب جدًا علي ، كان رد فعل النساء أيضًا كبيرًا لدرجة أننا نرغب في الأستاذ متين مرة أخرى ، لكن الرجل غادر"

" لقد خطط لكل شيء بعناية "

" نعم يا سيدة جولسيران ، كما أخبرتك لقد قرر بالفعل متى و ماذا سيفعل ، قمت برمي نفسي خارجًا دون أن ألفت انتباه أي أحد ، كنت أركض ، حتى أتمكن من الإمساك به إذا كان لا يزال في المنزل...، عندما وصلت الى بيته وجدت البواب يجمع أشياءه ، عندما سألته ماذا حدث للأستاذ ميتين قال لي أنه ترك له أغراضه و غادر في الصباح الباكر مع حقيبة صغيرة "

كم هذا مؤلم ، لقد شعرت بالحزن و أنا أستمع اليها ، من يدري كيف تأثرت نالان بهذه الأشياء

" ذهب للموت يا سيدة جولسيران ، للموت ، قبل أن أعرفه كنت أعتقد أنه ربما انتحر أو شيء من هذا القبيل لكن هذه المرة ليس مجرد تخمين كما أنه كان بالفعل مريضًا جدًا ، لقد كان عازمًا جدًا على تنفيذ خطته لدرجة أنه وعد بألا يموت دون أن يجدني و يعطيني تلك اللوحات و يطلب مني العفو ، قام بواجبه و ذهب ليموت بسلام "

" أعتقد ذلك أيضًا ، أعتقد حتى أنه جعل الموت ينتظر "

" آه يا سيدة جولسيران ، يا له من قدر ، عندما مات خيري قلت أنه لم يتبقى للحياة شيء لتأخذه مني سوى حياتي ، لكن يبدو أنه كان هناك شيء آخر لتأخذه "

لقد سلبت الحياة منها كل ما تقدره ، و كل ما تبقى الآن هو روحها ، أتمكن أن أتمكن من المساهمة في حياة هذه المرأة لتعيش حياة هادئة حتى تعطي روحها

" عدت للمنزل لكن الدموع التي في عيوني و الأسئلة التي في رأسي لم تتوقف ، لقد اتصلت بكل المستشفيات في اسطنبول ، ربما سوف أجده هناك ، لكن دون جدوى "

" لن تجديه يا نالان فربما لا يريد ذلك "

" أنت محقة يا سيدة جولسيران ، لقد قام بحساب كل شي لدرجة..."

" لم يكن يريد أن يكون ثقلا عليك و هو مريض "

" لم يرد ذلك لكنني لست مرتاحة ، لا أريده أن يموت الأستاذ متين وحيدًا في زواية إحدى المستشفيات "

" لا تستطيعين التفريط في الأستاذ متين يعني والدك الذي وجدته للتو ، أنت صاحبة قلب طيب جدًا يا سيدة نالان ، لم تترك لديك الحياة أي أثر لشرورها ، هذا شيء مميز جدًا نجحت في تحقيقة ، أنت لا تدينين لأحد بعد الآن ، إذا كان الجزاء فقد عانيت منه ، حان الوقت للتسامح ، و التحرر ، و تكوني أخف "

" حان الوقت لأكون أخف ؟ "

" نعم ، حان الوقت للتخفيف ، لقد بدأت بمسامحة والدك ، أعلم أنك قد سامحت خيري من قبل ، التسامح يحرر الناس و يكسر قيودهم ، تمنح الحياة بالتأكيد هذه اللحظة الخاصة جدًا من الاسترخاء لعبادها المحبوبين في مرحلة ما من حياتهم ، انظري لقد حدث نفس الشيء معك ، اذا كنت تعرفين كيف تنظرين للموضوع فسوف ترين ما الذي أتحدث عنه ، ألم تقولي للتو أنه لم يتبقى لك شيء لتأخذه الحياة سوى روحك... مع ذلك ، بينما كانت تأخذ كل شيء منك واحدة تلوى الآخرى ، أخذت كذلك الأحجار السوداء التي كنت تحملينها بداخلك و التي كانت تسمم حياتك منذ سنوات ، لقد جعلتك أخف ، أصبحت حرة ، تقول لك الآن يمكنك العيش كما تريدين ، و في النهاية لكي تفهمي هذا جيدًا أرسلت لك والدك الذي كنت تعتقدين أنه مات ، و طلب منك السماح ، إذا فكرت في الأمر يمكنك تفسير وضع خيري في هذا الإطار كذلك ، أنا لا أقول أنه من الجيد أنه مات أو شيء من هذا القبيل لا تسيئي فهمي ، لقد حزنت كثيرًا على وفاته ، لكن الموت دائمًا خارج سيطرتنا ، قرار تتخذه الحياة ، المسألة برمتها هي ما إذا كنا نفسر الأحداث التي تحدث خارجنا في حياتنا بشكل صحيح ، الحياة تفعل ما تفعله و لا تتدخل بالباقي ، الآن أريدك أن تفسري كل ما حدث لك بشكل صحيح ، ليس من السهل القيام بذلك عندما يكون الألم جديدًا ، أعطي نفسك الوقت و لكن إقرئي الحياة بشكل صحيح "

في ذلك اليوم ، تحدثنا كثيرًا أنا و نالان عن هذا الموضوع ، خيري ، توركان ، سيدات و أولاده ، والدها الذي يتشابه مجيئه و ذهابه ، تحدثنا عنه بالأكثر ، لقد أخبرتها مرة أخر بفكرة القدر و إلى أين ستأخذها الحياة التي تركتها ، استمعت نالان الى كل هذا جيدًا حاولت سماع صوت الحياة ، أتمنى أن تكون قد سمعت ذلك الصوت و فهمت ما كنت أحاول أن أقوله لها ،

عندما تغادر نالان الغرفة أسمع صوت هدير من السماء ، ركضت على الفور الى النافذة ، أنا أحب عروض الطبيعة غير المؤذية ، مرة أخر يضرب البرق و يتساقط المطر و كأنه ينسكب من الكوب ، احتمى عدد قليل من الحمام أمام نوافذنا و هم يجتمعون معًا ، حركة المرور مزدحمة بالفعل حيث يندفع الناس هنا و هناك ، و توجد بالفعل برك مياة في الشوارع

أستمع الى صوت المطر ، أحيانا تمطر بلطف ، صوته مختلف إنه يعطي السلام للإنسان ، لكنه قوي جدًا اليوم ، إنه يضرب النوافذ و كأنه غاضب من شيء ما ، لم يعجب الحمام بمكانه فطار بعيدًا ، تفسح الأمطار الغريزة الطريق للبرد ، ضربت أحجار البرد مثل البندق الأبيض النوافذ مثل طبل كمين

أشاهد هذا المشهد بفضول و حماس ، كما قلت من قبل ، أشعر بالفضول حيال عروض الطبيعة ، إذا استيقظت على هذا الصوت في الليل فسوف أنهض من السرير لأرى و أستمع إلى أصوت الطبيعة ، تمامًا مثل الاستماع الى حفلة موسيقية

من ناحية أخر فإن عقلي يفكر فيما قلته لنالان ، لقد أخبرتها عن فترة التخفيف في الحياة ، ربما أنا أمر بفترة التخفيف في حياتي أيضًا

الآن أستطيع أن أقول "لا" بسهولة أكبر من ذي قبل ، و العالم لا يتوقف عن الدوران عندما أقول "لا" ، أستطيع أن أقول "توقف" لما لا أريده ، لذلك عندما أقول "توقف" يمكن للناس التوقف ، أضحك الآن أكثر مما كنت أفعل عندما كنت فتاة صغيرة ، أنا حرة ، لا أحد يقول لي أن لا أفعل ذاك و أفعل ذاك ، أفعل ما أريده أنا ، لكن لسبب ما أريد العمل أكثر من أي شيء أخر

أنا وحيدة في بيتي ، لكنني لست وحيدة في هذه الحياة

أحب الحياة و ذلك البريق في عيون الناس و كلمات المحبة التي تتدفق من شفاههم و أحب هذا الكائن الرائع الذي يسمى الإنسان ، هناك الكثير من الأشياء التي تربطني بالحياة ، أحب الاستماع الى مرضاي و كتابة كتبي و مشاهدة المسلسلات التلفزيونية

أحب أطفالي و أحفادي ، أخوتي و أولادهم ، اصدقائي ، زملائي ، و كل فريق عيادة داخل العملة

 أحب الكثير من الأشياء ، عندها يكون العيش ممتعًا أكثر .


رواية فتاة النافذة التركية pdf


Reactions:

تعليقات