الوقت يمر و كل يوم أستمر في الاستماع إلى قصص
الحياة المثيرة للدهشة و الغامضة في هذه الغرفة الحمراء التي أراها كمعبد ، يترك
معظم ما أستمع إليه انطباعًا عميقًا لدي ، أنا لا أنساهم أبدا
مثل كنان الوسيم في إذا خسر الملك ، مثل فادي
، مثل السيدة هاندان...
مثل عاليا التي كنت أحكي لها العدد من القصص
في عد للحياة ، مثل فاروق ، مثل أسماء سلطان ، ثريا ، مثل غريب...
مثل صالح في الألوان الثلاثة للخطيئة ، مثل
شفكت آغا الذي علني كيف أستعمل المسبحة ، مثل مليحة صاحبة العيون الدامعة و الرأس
العاري...
مثل الفتيات التعيسات من شقة القمامة بداخل
العملة ، التي كل واحدة أجمل من الأخرى...
و أخيرًا ، أبطال هذه القصة نالان و
خيري...لقد تقاطعت طرقنا بشكل ما ، أنا أقف في مكان ما في أذهانهم ، و هم أيضًا
لقد مرت شهور منذ وفاة خيري ، لكنني لم أنسى
جلوسه على المقعد أمامي ، و مفتاح السيارة في يده و المسبحة و أشياء أخرى التي
يلقي بها على طاولة القهوة بجانبه ، و نظراته الحادة ، المعطف الأحمر الذي يحب
ارتداءه ، نظراته إلى من الجانب ، لا يزال عالقًا في مكان ما في ذهني ، سيستمرون
في العيش معي هناك
لمدة لم أكن أتلقى أي خبر من نالان ، لكنها
جاءت اليوم ، هي في الصالة تنتظر ، قبل أن تدخل نالان تدخل تونا راكضة
" إن رؤية السيدة نالان تجعلني أشعر
بالسوء ، أفكر دائما في السيد خيري ، في معظم الأوقات كانوا يأتون إلى هنا معًا ،
بينما كان السيد خيري ينتظرها كان يتحدث معي في غرفة المعيشة ، مازلت لا أصدق كيف
غادر رجل كالجبل فجأة ، كيف جعلتهم يقتلونك يا رجل ، هل كانت يديك تقطفان الكمثري
، ألم تستطع أخذ السكين منها ، كنت سأتفهم الأمر لو كان شخصًا آخر ، شخصًا ضعيف
البنية أو شيء من هذا القبيل ، لكنني ما زلت لا أستطيع تصديق الأمر ، لم أحبه منذ
البداية أيضًا كان له جو مخيف ، كانت عيناه دائمًا غاضبة ..."
" تونا ، إذا تركتك هل ستتكلمين حتى
الصباح ؟ "
" أنت تغضبين أيضًا على الفور ، لا
تدعين المرء يتحدث ، حسنًا لقد انتهيت ، يبدو أنك لم تشعري بالأسف على
خيري..."
" نالان تنتظر أليس كذلك؟ "
" أجل ، لكنها تبدو غريبة جدًا "
" كيف ذلك ؟ "
" من جهة تقولين أصمتي و من جهة تريدين
مني التحدث "
" حسنًا يمكنك التحدث الآن من فضلك "
" أنا أيضًا لم أفهم ، كنت خائفة على
حالتها بعد وفاة خيري ، قلت من يعرف الحالة التي ستكون عليها المرأة ، لكن اليوم
كانت أفضل مما كنت أتوقع ، الآن هي جالسة في الصالة و تحني رأسها مجددًا، تبدو
مشوشة "
" مشوشة ؟ "
" أجل...، ذهبت إليها عدة مرات و حاولت
التحدث لكن لم تعطي ردة فعل ، تجلس دون أن ترفع رأسها ، الأمر ليس كالحزن فأنا
أعرف كيف تبدو عندما تكون حزينة ، أنا لا أفهم ما الذي يربكها ، هل أتحدث معها
أكثر ؟ "
آه تونا ، كيف للإنسان أن يكون بهذا اللطف و
الحنان ، أنا أحب أن أغضبها ، كما قلت في البداية ، يخضع المرضى أولاً لفحص من طرف
تونا
هي دائمًا ترى الحقيقة ، المعلومات التي تقدمها
لي دائمًا مفيدة ، تنظر إليّ و هي مستاءة قليلاً
" تكلمي ، لا تهتمي بي ، بعد كل شي نحن
أطباء مجانين ، المعلومات التي تعطينها لي تساعدني دائمًا ، بعد كل شيء ، لقد
أصبحت أيضًا صرافًا للمال البشري بمرور الوقت ، أنظري كم تتكلمين بشكل جميل "
" لكنني لم أكن أقول شيئًا جميلا منذ
قليل "
" كان جميلا أيضًا
... في بعض الأحيان لا أستطيع تحمل الاستماع إليك لفترة طويلة "
" أنت على حق أيضًا ، هل من السهل
الاستماع إلى شخص ما حتى المساء ؟ لو أحضرت لك فنجانًا آخر من القهوة الآن ، إذا
هدأ غضبك ، يمكنك الاستماع إلى تلك المرأة المسكينة بشكل مريح ، بالتأكيد أنت
متعبة اليوم "
" حسنًا إذن ، حضريها "
" أنظري أنت تضحكين ، من الجيد أنك
تغضبين مني و ليس من الآخرين ، يمكنك الغضب حتى لو لم تستمعي إلي سوف أستمع أنا
إليك "
تنفض خارج الغرفة مع ابتسامة معاتبة و هي
تقوم ببعض الإيماءات بيديها ، من الجيد أنك موجودة يا تونا
بعد ذلك ، دخلت
نالان ورأسها منحني ، مرة أخرى ترتدي ملابسها السوداء القديمة ، تونا على حق ، ماذا
حدث لهذه المرأة ، بعد أن صافحت يدي ببطء ، تجلس على كرسي أمام النافذة حيث تجلس دائمًا
لا أعرف لماذا لكن أنا كذلك عقلي مشوش اليوم
، أشعر بالضيق و الحزن ، عقلي دائم التفكير في مرضاي القدامى الذين كانوا يأتون و
يخرجون من هذه الغرفة لمدة طويلة ، لم أستطع نسيانهم
قبل أن أبدأ بالحديث مع نالان تدخل تونا و هي
تحمل القهوة ، تغادر بعد أن تقدمها لنا بعناية ، بينما أشرب رشفة من القهوة أتنفس
رائحتها بعمق ، هذه الرائحة تجعلني أشعر دائمًا بالراحة
" نالان ، لماذا رأسك منحني اليوم ؟ ألم
نتفق على أنك لن تحني رأسك مجددا ، ماذا حدث لك ؟ "
" لا تسألي أبدًا ، لو تعرفين ماذا حدث
معي سوف تتفمين الأمر ، لقد أخبرت سابقًا عدة مرات عن مدرس الفن الذي ورشتنا كان
يمر في شارعنا من حين لآخر و كنت اراه من النافذة في المساء ، كان ينظر نحو نافذة
منزلي اثناء مروره..."
"هاا ، اجل أتذكره جيدًا ، ماذا حدث له
؟ "
" بعد توبيخك لي في أخر مرة ، في اليوم
التالي استجمعت نفسي و ذهبت أولا الى المكتبة ، و اشتريت كتب جميلة لنفسي ، كما
قلتي لي ألا أنام قبل أن أقرأ كتابًا ، قلت لأفعل ذلك ، و بعدها بدأت بالذهاب الى
الورشة بشكل منتظم ، حتى أنني ذهبت الى التسوق و اشتريت لنفسي ملابس ملونة ، قلت
في نفسي لن أستسلم للحياة و أحاول أن أفعل شيئا لأجل نفسي "
" أحسنتِ ، من الجيد ما فعلته "
" شكرًا لك ، عمتي قد قامت بدعمي كذلك ،
بعد ذلك مباشرة جاءت إلي صديقة لديها مكتب هندسة معمارية ، و قالت لي : ' إذا أردت
يمكنك البدء في العمل معنا على الفور' ، كنت سعيدة جدًا و خائفة في نفس الوقت ، و
كنت سأبدأ بالعمل في الأسبوع التالي و ذهب للورشة لأجل توديع أصدقائي و أخبرتهم
أنني سوف أبدأ بالعمل و لن أستطيع المجيء الى الورشة ، و قمت بتوديع المدرسين و
خرجت من هناك بالمساء و كنت عائدة للمنزل حينما أمسكني أحدهم من ذراعي ، عندما
استدرت رأيت مدرسنا ، قال لي : ' هل يمكننا الجلوس في المقهى المقابل و شرب كوب
قهوة ؟' ، شعرت بالغرابة ، كان رجلا لطيفًا و نبيل ، قالت في داخلي أي قهوة و
لماذا ؟ ، لكن الرجل كان مصرًا ، و قالي لي أنه هناك موضوع مهم يجب أن نتحدث عنه ،
في داخلي لم اكن أريد الذهاب لكن عندما قال أنه شيء مهم ذهبت معه للمقى الذي أشار
إليه ، جلس أمامي و كان يريد التحدث لكن لم يستطع بسبب توتره ، جاءت القهوة ، ما
يزال مرتبك ، ثم تحدث أخيرًا ، هل تعرفين من كان ذلك الرجل ؟ "
من يكون يا ترى ؟ لا يخطر في بالي أي أحد
لكنها تستمر في النظر إلي بدهشة
" لقد كان والدي "
والدها ؟ يا الله ، من أين ظهر والدها الآن ؟
هل هذا جيد أو شيء ، لا أعرف ، أنظروا للحياة مفاجئة وراء مفاجئة
"
تبين أن ذلك الشاب الذي كنت أتساءل عنه لسنوات ، صاحب العيون الحزينة الذي رأيته
في تلك الصورة المصغرة هو والدي ، و قد جاء ال تركيا منذ خمس سنوات ، وجدني و كان
يراقبني منذ ذلك الحين ، لقد كنت أجلس أمامه مثل الحَمل "
تبكي مجددًا ، أضع نفسي مكانها و أتساءل ما
الذي قد يشعر به المرء عندما يخرج أمامه أب مثله بعد سنوات عديدة ؟ كما أنه ليس أب
طبيعي ، إنه الذي اعتدى على ابنته أخته و تركها حاملا ، أفكر بكل هذا لكن لم أستطع
أن أجد اجابة ، هل تحزن أم تبكي أو تغضب أو تفرح ، أم كل هذه المشاعر دفعة واحدة ؟
" كم هذا غريب ، لم أتوقع شيء كهذا
أبدًا ، إذن فهو والدك هاا؟"
" لقد جلسنا في ذلك المقهى لمدة ساعتين
يا سيدة جولسيران ، لقد أخبرني بكل شيء ، كيف أن يده ترتجف ، و كم كان حزين و محرج
، لو ترينه "
" بماذا أخبرك يا نالان ؟ "
" لو ترينه أنه رجل محترم و نبيل ، حزين
لدرجة كبيرة...، جميع النساء اللواتي تعمل في الورشة كن معجبات به ، يشعر بالخجل
حتى عند النظر إلى وجوه الناس و يمشي دائما و هو يحني رأسه ، ترتدي ملابس نظيفة و
مرتبة ، لا يوجد كتاب في العالم لم يقرأه ، إنه مثل الفيلسوف "
" هل كنت تحبينه أنت أيضًا ؟ "
" لقد كنت أنظر أنظر إليه بإعجاب دائمًا
، تعرفين أن النساء تحبن الثرثرة و كن يتحدثن عنه بإستمرار ، حتى السيدة سيفيم
التي كانت تعمل في الورشة كانت تحبه ، كانوا يقولون لها ' لا ترفعي آمالك يا سيفيم
، حتى لو كانت أجمل امرأة في العالم فقد أقسم ألا ينظر إلى أي امرأة '، كانوا
يقولون و يسخرون من المرأة ، هكذا هو "
" مثل الرجل الذي في الصورة تمامًا
"
" لا أعرف إذا ما كان يجب أن أفتخر
لكوني ابنة لمثل هذا الرجل أم أغضب منه لأنه كان السبب في موت والدتي و جعل عائلتي
تعاني من كل تلك المصائب "
كانت تونا محقة ، المرأة المسكينة في حيرة ،
و هي محقة تمامًا ، ماذا يجب أن أقول يا ترى ، أنا كذلك في حيرة
" ما الذي أخبرك به يا نالان ؟ "
" لم يخبرني بما حدث ، سألته مرتين لكنه
كان يكتفي بحني رأسه بخجل ، و بعدها قال لي : ' إذا اخبرتك هل سوف تصدقين ؟ "
" إذن هذا ما قاله "
" توفيت والدته قبل
سنوات قليلة من قدومه إلى منزلنا للدراسة ، يقول : ' كنت حينها في السادسة عشرة' ، لقد
تأثر بالفعل بشدة بوفاة والدته ، يقول : ' أظلم عالمي في ذلك العمر' ، لو تعرفت
عليه فهو شخص مختلف لدرجة أنه ليس رجلاً يمكنه يقوم بإيذاء والدتي ، حزين جدًا ، محطم...، ' لقد نلت كل العقوبات
التي يمكن أن أتعرض لها في هذا العالم ، و أنا مستعد للمعاناة من الآن فصاعدًا ، يكفي
أن تسامحيني فقط ' ، هذا ما قاله ، كما أن سبب لقائه و تكلمه معي كان فقط لكي يطلب
مني السماح "
" ااه يا الله ، كم هذا محزن ، لقد فقدتي
خيري للتو ، لابد أنه كان صعبًا عليك ، على كل حال ، ماذا حدث بعد ذلك ؟ "
" ثم عندما اتضح أن والدتي كانت حاملاً
، كان الأستاذ مِتين مرتكب و لا يعرف ماذا يفعل "
تناديه بالأستاذ مِتين ، من الصعب عليها أن
تناديه بأبي ... و أيضًا كيف ستقول ذلك...
" في الصباح خرج من المنزل و لم يستطع
العودة و ألقى بنفسه إلى ألمانيا ، لم يكن لديه معارف هناك و لا مال في جيبه ،
يقول : ' عندما نزلت من الطائرة لم أعرف ماذا أفعل و بقيت هناك' ، بعدها جلس في
مقهى هناك وقع شجار و جاء رجال الشرطة على الفور وأخذوه ثم الى السجن
، تعرض للضرب والإهانة ، كان لديه صديق مقرب هنا و كان يتحدث معه مرة واحدة كل فترة
ويعرف منه ما يجري ، و قد بدأ الرسم في السجن و قاموا أيضًا بإدراجه في برنامج إعادة
التأهيل الخاص بهم ، بعد عدة سنوات خرج من السجن و بدأ العمل في عدة ورشات
و كان يعيش وحيدًا دائمًا ، عندما علم بموت أبي و أمي عاد الى تركيا و قرر أن
يلتقي بي ، ادخر المال لبضع سنوات وجاء إلى اسطنبول قبل خمس سنوات ، وجدني أولا و عرف كل شيء عني ، عندما سمع
أنني أذهب الى تلك الورشة تقدم الى هناك و بدأ العمل كمدرس ، سيدة جولسيران لقد
كنت أذهب الى هناك منذ سنوات و لم يظهر لي ذلك أبدًا ، لم يرفع رأسه مرة واحدة حتى
و ينظر الى وجهي بتمعن "
هذا صادم حقًا ، أي نوع من القصص هذه
" بماذا شعرت و أنت تستمعين اليه ؟
"
" كنت حزينة جدًا ، لم أعرف بماذا أشعر
لكنني ظننت أنني سوف أغضب منه لكن لم أفعل ، كان يبدو أنه مريض ، النساء في الورشة
يتحدثن عنه دائمًا ، انت تعرفين النساء تحبن النميمة ، كانت هناك العديد من
الشائعات عنه مثل أنه أعزب و يعيش بمفرده و غريب نوعًا ما ، كل لوحة من لوحاته
كانت عملاً فنيًا جادًا ، كان أثرياء اسطنبول يصطفون لأجل الحصول على واحدة على
الأقل من هذه اللوحات ، وقع في حب امرأة ما و لم ينساها حتى الآن ، و وقع مريضًا
بسبب ذلك ، في تلك الأيام لم أكن لأظن أبدًا أن هذا الرجل هو والدي ، لكن مؤخرًا
اتضح أنه مريض ، كان وجهه شاحبًا و كان نحيف جدًا ، حتى أنني سألته كثيرًا في ذلك
اليوم عما إذا كان مريضًا حقًا ، و إذا كان يحتاج الى المساعدة "
" كنت مستعدة لتقدمي له المساعدة "
" أظن ذلك..."
بعد
قولها ذلك ، تخفض رأسها و تفكر كما لو كانت تفعل شيئًا غريبًا ، تضع يدها على فمها
، لقد انصدمت أيضًا عندما فكرت في مساعدة شخص لم تكن قادرة علة وضع مكانة له في
رأسها لسنوات ، و الذي كرهته الأسرة بأكلمها و اعتبرته عدواً
انها محقة ، في الواقع سلوكها هذا يذهلني
أيضًا ، عندما تلتقي برجل كرهته لسنوات ، تظهر نهجًا لم تتوقعه أبدًا
هكذا هم مرضانا... في هذه الغرفة يسمعون و
يتعلمون أشياء كثيرة لا يعرفونها عن أنفسهم عندما تخرج من أفواههم
" سألته كثيرًا لكنه قال أنه بخير ، لم
أصدق ذلك ، كان يبدو أنه مريض جدًا و نحيف جدًا، وجهه شاحب ، كان يعيش في مكان ما
في حينا لوحده ، لم يكن يريد أن يضايقني مرة أخرى و كان لديه بعض الأشياء التي
يريد أن يتركها لي ، قال لي أن أخذهم في أسرع وقت ممكن "
" ما هي تلك الأشياء ؟ "
" بصراحة كنت أتساءل كثيرًا ما إذا كان
سرًا جديدًا أم ذكرى ، في اليوم التالي ذهبت الى منزله و أخذهم "
" حقًا ؟ "
" حتى في ذلك اليوم
، كان بالكاد يستطيع الوقوف ، أثناء مغادرة المقهى ضغط على يدي ، وانحنى ، انه يخجل
مني "
" يخجل
منك ؟ "
" كثيرًا ، عندما كان يشعر بالحرج و
ينحني أمامي كنت أشعر بالسوء ، كنت في حالة سيئة للغاية و عندما عدت للمنزل بكيت
كثيرًا حتى أنني لم أخبر عمتي بأي شيء ، بكيت طوال الليل دون أن أعرف السبب ،
بمجرد أن استيقظت في الصباح توجهت مباشرة الى العنوان الذي أعطاني إياه ، كنت عند
باب منزله في وقت مبكر من الصباح لأنني فكرت في أنني لو تأخرت سوف يكون قد غادر
المنزل ، كان يعيش في قبو مظلم لمبنى سكني قديم ، لقد شعرت بالسوء كثيرًا ،
الأرضية كانت حجرية ، كان يحتوي على غرفتين ، في أحدهما يوجد سرير مستشفى و وحدة
تحكم في الوسط ، و في الغرفة الأخرى توجد اللوحات التي كان يرسمها لسنوات ، أراني
اللوحات واحدة تلو الأخرى ، كل واحدة كانت عمل فني جميل جدًا ، لو قام ببيعها من
يدري كم ستكلف لكنه لم يبع معظمها ، قال : ' هذه لك ، اعتبريها الذكريات المتبقية
من والدك ، من فضلك خذيها بأسرع وقت ممكن "
" إذن فهم يعطيكي أغلى شي لديه "
" لا أستطيع أن أخبرك كيف تأثرت ، أرى
حالة الرجل أنه يائس ، لقد كان يزحف هنا و هناك منذ سنوات ، عاش في سجون و
مستنقعات و هو نصف جائع و ممتلئ ، لقد عانى كثيرًا يا سيدة جولسيران ، لقد فهمت
هذا...، عندما دفنت أمي تحت الأرض في سن مبكرة ، كان هو كذلك يزحف فوق الأرض من
هنا و هناك ، عانى الكثير من الألم جسديا و نفسيا ، و دفع كلاهما ثمنًا باهضًا
للخطأ الذي ارتكباه "
" لقد سامحتيه ، كم هذا جميل "
" هذا ما قاله هو أيضًا ، ' سامحيني يا
إبنتي' ، قال لي ذلك و هو يودعني ، كان يبدو و كأنه يريد معانقتي ، تجمدت مكاني ،
حتى لو كان الألم عميقًا جدًا فلا يمكن للمرء أن يبكي ، لو ترين كيف أن عيونه
حزينة و هو ينظر إلي لكنه لا يستطيع البكاء أيضًا ، كان هناك صوت في داخلي يقول
إذا لم تعانقيه الآن لن تجدي هذه الفرصة أبدًا مرة أخرى...، و عانقنا بعضنا البعض
، كم بكينا معًا...، لا أعرف غذا كانت دموع فرح أم دموع الألم الذي عانيناه لسنوات
طويلة لكننا لم نترك بعضنا البعض و بقينا نبكي ، حسنًا لنقل انني امرأة لكن ماذا
عنه هو ، إنه رجل ، هل يمكن يبكي هكذا ، لو كان الأمر بيدي لكنت أمسكته من ذراعه و
أخذته الى البيت بالقوة ، حتى لو لم يقل أي شيء بلسانه لكن بتعامله قال الكثير يا
سيدة جولسيران ، من الواضح أن الأستاذ ميتين كان يحلم بتلك اللحظة في ذهنه منذ
سنوات ، لقد كان يعرف جيدًا ما يفعله ، في النهاية خرجت من هناك و أنا أبكي ، ثم
أخذت اللوحات و علقتها في جميع أنحاء المنزل ، لم أكن أستطيع أن أرفع عيني عنها ،
سيدة جولسيران هل يمكن للمرء أن يصف الحب و العقاب بشكل جميل للغاية فقط مع القليل
من ضربات الفرشاة ، و كأن اللوحات تتحدث مع الإنسان و كلما نظرت إليها أبكي "
" أخبريني قليلا عن تلك اللوحات ، أشعر
بالفضول ، ما هي الألوان التي استعملها بكثرة ؟ "
" لقد استخدم جميع الألوان تقريبًا ، و
لكن في الغالب كان يستخدم الأحمر و الأسود ، فمن ناحية تتدفق ألسنة اللهب مثل
الجمر و لكن خلفها تتدفق خطوات سوداء ، في اللوحات وصف عشقه و شغفه و ألمه و
جريمته و عقابه ، أثناء حديثه معي جعلني أفهم اشياء بعيونه بدلا من لسانه ، كان
الأستاذ ميتين شخصًا مخلفًا تمامًا ، لم يكن ذلك النوع الذي قد تقابله دائمًا في
الحياة ، لهذا السبب أردت رؤيته مرة أخر منذ اللحظة التي تركته فيها ، و في اليوم
التالي ركضت إلى ورشة الرسم مبكرًا ، اندهش أصدقائي كثيرًا عندما رأوني ، ' نالان
، ما الذي حدث لك ، هل تضخم وريك الفني . أنت لا تأتين مبكرًا ' ، لكن عقلي كان
يفكر بالأستاذ ميتين ، و سألتهم فورًا ، ' ألم يأت الأستاذ متين ؟ ' ، قالو لي : '
لقد كنا نتساءل عنه أيضًا فهو لا يتأخر أبدًا '، بينما كنا ننتظره جميعًا ، دخلت
صاحبة الورشة السيدة نيفريا ، ' اضطر الأستاذ متين الى السفر للخارج للقيام بأعمال
مهمة ، لقد أخبرنا بذلك منذ قليل ، سوف نجد أستاذ جديد يحل مكانه في أقرب وقت' ،
لقد صدمنا جميعًا ، خصوصًا أنا ، لا أستطيع أن أشرح لك مد خيبة أملي ، إن فقدان
والدي الذي وجدته بالأمس صعب جدًا علي ، كان رد فعل النساء
أيضًا كبيرًا لدرجة أننا نرغب في الأستاذ متين مرة أخرى ، لكن الرجل غادر"
" لقد
خطط لكل شيء بعناية "
" نعم يا
سيدة جولسيران ، كما أخبرتك لقد قرر بالفعل متى و ماذا سيفعل ، قمت برمي نفسي
خارجًا دون أن ألفت انتباه أي أحد ، كنت أركض ، حتى أتمكن من الإمساك به إذا كان
لا يزال في المنزل...، عندما وصلت الى بيته وجدت البواب يجمع أشياءه ، عندما سألته
ماذا حدث للأستاذ ميتين قال لي أنه ترك له أغراضه و غادر في الصباح الباكر مع
حقيبة صغيرة "
كم هذا مؤلم ،
لقد شعرت بالحزن و أنا أستمع اليها ، من يدري كيف تأثرت نالان بهذه الأشياء
" ذهب
للموت يا سيدة جولسيران ، للموت ، قبل أن أعرفه كنت أعتقد أنه ربما انتحر أو شيء
من هذا القبيل لكن هذه المرة ليس مجرد تخمين كما أنه كان بالفعل مريضًا جدًا ، لقد
كان عازمًا جدًا على تنفيذ خطته لدرجة أنه وعد بألا يموت دون أن يجدني و يعطيني
تلك اللوحات و يطلب مني العفو ، قام بواجبه و ذهب ليموت بسلام "
" أعتقد
ذلك أيضًا ، أعتقد حتى أنه جعل الموت ينتظر "
" آه يا
سيدة جولسيران ، يا له من قدر ، عندما مات خيري قلت أنه لم يتبقى للحياة شيء
لتأخذه مني سوى حياتي ، لكن يبدو أنه كان هناك شيء آخر لتأخذه "
لقد سلبت
الحياة منها كل ما تقدره ، و كل ما تبقى الآن هو روحها ، أتمكن أن أتمكن من
المساهمة في حياة هذه المرأة لتعيش حياة هادئة حتى تعطي روحها
" عدت
للمنزل لكن الدموع التي في عيوني و الأسئلة التي في رأسي لم تتوقف ، لقد اتصلت بكل
المستشفيات في اسطنبول ، ربما سوف أجده هناك ، لكن دون جدوى "
" لن
تجديه يا نالان فربما لا يريد ذلك "
" أنت
محقة يا سيدة جولسيران ، لقد قام بحساب كل شي لدرجة..."
" لم يكن
يريد أن يكون ثقلا عليك و هو مريض "
" لم يرد
ذلك لكنني لست مرتاحة ، لا أريده أن يموت الأستاذ متين وحيدًا في زواية إحدى
المستشفيات "
" لا
تستطيعين التفريط في الأستاذ متين يعني والدك الذي وجدته للتو ، أنت صاحبة قلب طيب
جدًا يا سيدة نالان ، لم تترك لديك الحياة أي أثر لشرورها ، هذا شيء مميز جدًا
نجحت في تحقيقة ، أنت لا تدينين لأحد بعد الآن ، إذا كان الجزاء فقد عانيت منه ،
حان الوقت للتسامح ، و التحرر ، و تكوني أخف "
" حان
الوقت لأكون أخف ؟ "
" نعم ،
حان الوقت للتخفيف ، لقد بدأت بمسامحة والدك ، أعلم أنك قد سامحت خيري من قبل ،
التسامح يحرر الناس و يكسر قيودهم ، تمنح الحياة بالتأكيد هذه اللحظة الخاصة جدًا من
الاسترخاء لعبادها المحبوبين في مرحلة ما من حياتهم ، انظري لقد حدث نفس الشيء معك
، اذا كنت تعرفين كيف تنظرين للموضوع فسوف ترين ما الذي أتحدث عنه ، ألم تقولي
للتو أنه لم يتبقى لك شيء لتأخذه الحياة سوى روحك... مع ذلك ، بينما كانت تأخذ كل
شيء منك واحدة تلوى الآخرى ، أخذت كذلك الأحجار السوداء التي كنت تحملينها بداخلك
و التي كانت تسمم حياتك منذ سنوات ، لقد جعلتك أخف ، أصبحت حرة ، تقول لك الآن
يمكنك العيش كما تريدين ، و في النهاية لكي تفهمي هذا جيدًا أرسلت لك والدك الذي
كنت تعتقدين أنه مات ، و طلب منك السماح ، إذا فكرت في الأمر يمكنك تفسير وضع خيري
في هذا الإطار كذلك ، أنا لا أقول أنه من الجيد أنه مات أو شيء من هذا القبيل لا
تسيئي فهمي ، لقد حزنت كثيرًا على وفاته ، لكن الموت دائمًا خارج سيطرتنا ، قرار
تتخذه الحياة ، المسألة برمتها هي ما إذا كنا نفسر الأحداث التي تحدث خارجنا في حياتنا
بشكل صحيح ، الحياة تفعل ما تفعله و لا تتدخل بالباقي ، الآن أريدك أن تفسري كل ما
حدث لك بشكل صحيح ، ليس من السهل القيام بذلك عندما يكون الألم جديدًا ، أعطي نفسك
الوقت و لكن إقرئي الحياة بشكل صحيح "
في ذلك اليوم
، تحدثنا كثيرًا أنا و نالان عن هذا الموضوع ، خيري ، توركان ، سيدات و أولاده ،
والدها الذي يتشابه مجيئه و ذهابه ، تحدثنا عنه بالأكثر ، لقد أخبرتها مرة أخر
بفكرة القدر و إلى أين ستأخذها الحياة التي تركتها ، استمعت نالان الى كل هذا
جيدًا حاولت سماع صوت الحياة ، أتمنى أن تكون قد سمعت ذلك الصوت و فهمت ما كنت
أحاول أن أقوله لها ،
عندما تغادر
نالان الغرفة أسمع صوت هدير من السماء ، ركضت على الفور الى النافذة ، أنا أحب
عروض الطبيعة غير المؤذية ، مرة أخر يضرب البرق و يتساقط المطر و كأنه ينسكب من
الكوب ، احتمى عدد قليل من الحمام أمام نوافذنا و هم يجتمعون معًا ، حركة المرور
مزدحمة بالفعل حيث يندفع الناس هنا و هناك ، و توجد بالفعل برك مياة في الشوارع
أستمع الى صوت
المطر ، أحيانا تمطر بلطف ، صوته مختلف إنه يعطي السلام للإنسان ، لكنه قوي جدًا
اليوم ، إنه يضرب النوافذ و كأنه غاضب من شيء ما ، لم يعجب الحمام بمكانه فطار
بعيدًا ، تفسح الأمطار الغريزة الطريق للبرد ، ضربت أحجار البرد مثل البندق الأبيض
النوافذ مثل طبل كمين
أشاهد هذا
المشهد بفضول و حماس ، كما قلت من قبل ، أشعر بالفضول حيال عروض الطبيعة ، إذا
استيقظت على هذا الصوت في الليل فسوف أنهض من السرير لأرى و أستمع إلى أصوت
الطبيعة ، تمامًا مثل الاستماع الى حفلة موسيقية
من ناحية أخر
فإن عقلي يفكر فيما قلته لنالان ، لقد أخبرتها عن فترة التخفيف في الحياة ، ربما
أنا أمر بفترة التخفيف في حياتي أيضًا
الآن أستطيع
أن أقول "لا" بسهولة أكبر من ذي قبل ، و العالم لا يتوقف عن الدوران
عندما أقول "لا" ، أستطيع أن أقول "توقف" لما لا أريده ، لذلك
عندما أقول "توقف" يمكن للناس التوقف ، أضحك الآن أكثر مما كنت أفعل
عندما كنت فتاة صغيرة ، أنا حرة ، لا أحد يقول لي أن لا أفعل ذاك و أفعل ذاك ،
أفعل ما أريده أنا ، لكن لسبب ما أريد العمل أكثر من أي شيء أخر
أنا وحيدة في
بيتي ، لكنني لست وحيدة في هذه الحياة
أحب الحياة و
ذلك البريق في عيون الناس و كلمات المحبة التي تتدفق من شفاههم و أحب هذا الكائن الرائع
الذي يسمى الإنسان ، هناك الكثير من الأشياء التي تربطني بالحياة ، أحب الاستماع
الى مرضاي و كتابة كتبي و مشاهدة المسلسلات التلفزيونية
أحب أطفالي و
أحفادي ، أخوتي و أولادهم ، اصدقائي ، زملائي ، و كل فريق عيادة داخل العملة
أحب الكثير من الأشياء ، عندها يكون العيش
ممتعًا أكثر .
تعليقات
إرسال تعليق