الفصل الخامس عشر : اذهب
في بعض الأحيان
تأتي قطعة صغيرة من الذكريات وتقف أمام عينيك, تريد أن تذكرنا بآثار قذيفة من الماضي,
الطفل الذي حفظ الوحدة في حياته, مهما كبر سيظل طفلاً, يعتقد فقط أنه كبر, لكنه في
الواقع يخدع نفسه.
كان ميران يبرد أو يشتعل, لا يعرف, لقد رأى وجه أمه
الذي تذكره بشكل غامض, في عيون ريان, لم يكن لديه فكرة عن مصدر هذا الوهم, ربما كان
ذلك لأن ريان كانت المرأة الثانية التي أحبها بعد والدته, الفراغ العميق الذي فتح في
قلبه عندما فقد والدته, لم يمتلأ أبدًا حتى هذا العمر, قلبه قد استغرب حب المرأة,
لم يتقبله, لأول مرة, لأول مرة جعل دفء قلب المرأة قلبه يرتجف, من يدري, ربما يكبر
ميران مع ريان ويتعلم الحب من يديها الصغيرة.
عندما انسحبت ستارة
المنزل فجأة اختفت معها الذكريات وذهبت, في حين أن وجه ريان مختبئًا في ذكرى هدية صغيرة
له كصغير, كان ينظر إلى ميران فقط, عندما اختفى وجهها من نظره, ذابت جميعها وكأنها
قطعة من الثلج, ريان لم تكن تعرف ماذا تفعل بالدهشة والقلق من رؤية ميران أمامها, وسحبت
الستارة بسرعة, في الواقع كان فيرات سيظل في المنزل اليوم و ينتبه على الفتيات, لكن
عندما تم استدعائه من المستشفى غادر بسرعة, حتى لو كان هنا, هل كان سيستطيع حماية
ريان من ميران؟, ذلك لغز.
"لقد جاء مرة أخرى
أليف", قالت بصوت حزين, "مرة أخرى...", كما لو أنه أقسم على قتلها.
كانت أليف خائفًة
أيضًا من ميران, على الرغم من أنه ليس بنفس درجة خوف ريان, "ماذا
سنفعل؟", سألت بتوثر, "هل نتصل بالشرطة مرة أخرى؟", وجود ميران
هناك مجددا دليل أن الحل لم ينجح.
بقيت ريان
صامتة, كانت خائفة, ميران هناك مجددا, بدلا من ميران كانت خائفة أكثر على مواجهة
صديقة هانم لهذا الوضع, كان من الواضح أن ميران لن يتركها مرتاحة هنا من بعد الأن,
ماذا ستفعل بعد الأن؟, الى أين ستذهب, كيف سوف تتخلص من هذا الرجل؟.
"ريان".
صرخ ميران بأقصى
ما يستطيع, "اذا لم نتحدث لن أذهب من هنا أبدا, لن أستمع الى الشرطة أيضا, هل
تفهمين؟".
أغلقت ريان عينيها
بملل, في الوقت نفسه لسانها جاف, عندما رأت ميران, لم تستطع أن تمنع يديها المتعرقة
والألم في قلبها.
"ما الذي
يريد أن يتحدث به معك؟", بدأت أليف في التفكير في وجود سبب مهم وراء اصرار ميران,
"تحدثي معه, دعيه يقول ما يريد و يذهب, أنظري انه لا يستسلم".
فتحت ريان الستار
الذي أغلقته منذ قليل, كان يمكن أن ترى وجه ميران بقدر ما تضيء مصابيح الشوارع و القمر,
لكن نظرته كانت حادة كما كانت دائما, في اللحظة التي التقت فيها عيونهم, بدا الأمر
وكأن الدم قد تم سحبه من جسد ريان, باعدت النافذة بلطف و مدت رأسها الى الخارج, "أنا
أسمعك, هيا تكلم؟', لقد أبقت لهجتها صعبة قدر الإمكان لكن لم تمنعها من الارتجاف.
نظر ميران إلى
موقعهم, كانت ريان على النافذة خارجا, "لا يمكن هنا, تعالي للخارج",
عندما أحس أن ريان سوف تعطي ردة فعل سلبية رفع اصبعه, رمى جملته بسرعة كاعتراض,
"اياك أن تقولي لا, اذا كنت لن تأتي سوف ادخل الى الداخل مرة أخرى, و هذه
المرة, هذه المرة لا يمكن لأي باب مغلق أن يخفيك عني", أدرك أن كلماته كانت قاسية
جدا وغضب من نفسه, "ليس لدي نوايا سئة", قال بهدوء, "هيا تعالي من
فضلك, أنا أنتظرك".
أغلقت ريان النافذة
دون أي اجابة وسحبت الستارة, كانت سوف تتحدث مع ميران, لقد أرادت ذلك أيضا, من هذا
الغضب المجنون الذي سممها, أرادت أن يحصل على حصته, لن تستفيد من الهرب, كانت تدرك
ذلك.
خرجت من
المنزل في ثواني وهي تلف جسدها المهزوز بذراعيها, جاء ميران أيضا إلى مقدمة المنزل,
في اللحظة التي جاءو فيها وجها لوجه قفز قلب ميران و أغضب ريان, تراجعت على الفور ووضعت
عينيها الغاضبة على الرجل المقابل له.
كان غضب ريان
يلف كل مكان, لم يكن الأمر بيدها, عندما تنظر الى ميران تتذكر ذلك اليوم فقط, قبل
ذلك كان كذبة, قبل ذلك كان غير موجود, كان كل شيء عبارة عن حلم, "ماذا تفعل
هنا؟", قالت بصراخ, "كيف وجدتني؟, لماذا جئت مجددا لعنة الله عليك؟,
ماذا تريد مني؟", الكثير من الأسئلة بخطى سريعة و بعبارات عصبية, أرادت أن
يجيب على كل هذا و يرحل, و ألا يظهر أمامها مجددا.
هل بالفعل
كانت تريد هذا؟.
لأنه كان صعبا
هكذا, في كل مرة تنظر فيها إلى عيون الرجل الذي كرست عمرها له كانت روحها تنتهي, أليس
هذا هو السبب الوحيد للكلمات المؤلمة التي كانت على طرف لسانها؟, السواد الذي سرق
عمرها, أليس هو ذلك الرجل؟.
"حسنا, و
أنت ماذا تفعلين هنا؟", سأل ميران, كان هذا بالفعل هو أكثر سؤال الذي كان فضوليًا
عنه, لماذا ريان في اسطنبول وليس ماردين؟, "ماذا تفعلين في مدينتي؟".
أذهلت ريان من
السؤال الغير متوقع لكنها كانت أكثر غضبًا, لم تعد تستطيع التحمل,
"بسببك", قالت بصراخ, بغض النظر عما إذا كان الوقت مساءا, "بسببك,
لعنة الله عليك, هل بقي لدي بيت لأعود اليه؟, هل بقي لدي حياة لأعيشها؟, ماذا تبقى
لدي لم تأخذه؟, هيا تكلم...", عندما توقفت ليتنفس جسدها كان يحترق مثل اللهب,
"هل تريد حياتي هذه المرة".
"لا,
لا", هز ميران رأسه, "ريان أنا فقط...", تم قفل كلماته كما لو كانت
معادية له وختم لسانه, ظالم و مذنب لدرجة, لم تكن هناك كلمة واحدة في مفرداته يمكن
أن تجعله بريئا.
"أنا
نادم", قال ميران فجأة, لهجة صوته مهجورة, يمكن للرجل ان يتحدث بلهجة حارقة,
و يمكن لامرأة أن تنزف بعمق, كانت لهجته تحرق روحها حتى في هذا الليل.
كان وجود ميران
كارثة بالنسبة لريان, كانت ريان تخسر معركتها ضد البكاء, لا, لم يتبقى لديها دمعة
لكي تذرفها على هذا الرجل, كذب...
"لأجل
ماذا؟", فتحت ريان شفاهها في دهشة, كانت الكلمتان اللتان سمعتهما للتو أكثر الجمل
سخافة التي سمعتها على الإطلاق, على ماذا كان نادما؟.
توقف ميران
للحظة, يترنح بيديه في الفراغ التي لم يكن يعرف أين يضعها, لم يستطع أن يرفع
عينييه من عيناها التي بسواد الغراب, ضغط على شفاهه الجافة, "أنا أشعر بالأسف
لإشراكك في هذا الانتقام", كان ميران
يتلوى تحت ظلم كلماته, "أعرف, ليس هناك تعويض لأي شيء, ليس هناك تفسير للسوء
الذي الحقته بك", سكت و ألقى بنظره الى الأرض, مزقت عيون ريان الداكنة المصاحبة
لظلام الليل ضلوع الشاب.
في هذا العالم
الأمل يقتل انسان, و أيضا جرح الضمير, أصبحت ريان صوت هذا الضمير.
مثل بائسين
حكم عليهم بالسجن مدى الحياة, كانوا محاصرين في الليل, لم تكن كلماتهم سوى ضربات قاتلة
لبعضهم البعض, انتظار صامت, حساب طويل, اليأس يدمر القلوب بشكل متزايد.
بينما أليف
وصديقة هانم يشاهدون هذه اللوحة المؤلمة عند الباب, كان أردا ينتظر بصبر خلف ميران.
لم تكن ريان على
علم بأنها ستقتل ميران بينما تكسر صمتها, "لا أريد رؤية هذا الرجل",
رفعت اصبعها و استهدفت ميران, لم تنظر إلى وجهه لم ترغب في النظر إليه, ولم تنظر إليه,
في وجهه محفور العديد من الذكريات, "لا أريد...لا أريد...", بينما تكرر نفس
الجمل كما لو كانت مجنونة, كان ميران يشاهد هذه اللحظة بلا وعي, كان يطلق النار أيضا
في الدماغ, لم يكن هذا هو رد الفعل الذي كان يتوقعه, ألم يكن يتوجب أن تحاسبه
ريان؟, أن تتقيئ كراهيتها, اخراج غضبها بطريقة ما...لماذا, لماذا لم تسأل حتى؟.
تصرف ريان
هكذا كان يضرب روح ميران, بتصرفها كأنه غريب دمرت كل ايمانه و قوته, التفتت للخلف وأخذت
بضع خطوات نحو المنزل, "أخبروه أن يذهب من هنا".
ميران على الرغم
من ضعفه, لن يسمح لريان أن ترحل, "لا تذهبي أرجوك, لم أنتهي من كلامي
بعد", أمسكها من ذراعها أوقفها و منعها من الرحيل, يبدو أن بهذه الحركة كانت آخر
قطرة من صبر ريان, كان من المستحيل على هذا الرجل, هو جرح لن يغلق أبدا, علامة سوداء
على جبينه يحملها لبقية حياته.
"اذهب",
صرخت, "حبا بالله أغرب و اذهب من هنا".
كل كلمة خرجت من
فم ريان قادت ميران إلى نهاية الموت الى طريق المعاناة, في كل مرة تقول فيها اذهب
كان ينفد أكثر من عمره, ما حدث كان مثل ديجافو, يعيش نفس الشيء الذي جعل ريان
تعيشه, "لا تقولي لي أن أذهب يا ريان, لا أستطيع الذهاب", قال بيأس, بغض النظر عن ما قاله من الواضح أنه لن يحقق ربحًا,
لكن ميران لم يكن لديه نية بالاستسلام, سحب ذراعها ببطء, لم يكن يريد التحدث معها
أمامهم.
بينما كانت
ريان تحاول إنقاذ ذراعها, مع تدخل أليف وصديقة هانم صاح ميران بقوة, "ابتعدن,
لا تتدخلن", سحب ذراعها الأخرى ولم يسمح لهم بالاقتراب, كانت ريان تدفع ميران
بيدها وتحاول إنقاذ نفسها, هذا الاضطراب داخل نفسه, وأمام الباب, وجدت على بعد خطوات قليلة خلف المنزل, الأن ليس
هناك من يراهم.
"في
حياتي أنت أكثر شخص...", مهما كان ما ستقوله لا يريد سماعه, وضع يديه على شفاه
ريان, "كل كلمة تخرج من فمك تقتلني, أصمتي", بمجرد أن سحبت ريان يده من
على فمها حتى صفعت ميران بشدة, كان هناك شعور لكنه ليس ندما أيضا, هل سيكون لدى
ميران كلام بجانب الصفعة التي تلقاها؟.
"اياك أن
تلمسني, اياك, لا تلمسني بتلك الأيدي التي لمست بها زوجتك, أنت لا تستحق لعنتي
حتى, لو علمت أن كلامي سوف يقتلك بجدية, كنت سوف أهز هذه المدينة بقدر استطاعتي, لكن
كم هو مؤسف...", عندما لاحظت ضوء المصابيح الأمامية للسيارة سكتت, جمعت
كلماتها, "أمثالك لا يحدث لهم شيء".
كان ميران سوف
يخبرها أن زواجه من جونول سوف ينتهي قريبا لكن ضوء المصابيح الأمامية للسيارة
القادمة قد جذبت انتباهه و التفت الى الوراء, كان هذا الرجل الذي رآه بالأمس,
يعتقد أنه سيعرف اسمه اليوم, كانت عيون الرجل تحدق اليه و كأنه يحاسبه و هو يقترب
منه, نظر اليه ميران بنفس الطريقة.
"ماذا
تفعل هنا؟", سأل فيرات وهو ينظر الى ميران, لم يكن يتوقع رؤية هذا الرجل مرة أخرى
اليوم عندما أخذته الشرطة أمس, حدق بميران صعودا و هبوطا, بالأمس لم يكن قادرًا على
النظر جيدا, عند نظره الى الثياب الغالية التي يرتديها أصبح واضحا من أين له كل
ذلك الغرور.
"قلت لك أن
تحفظ وجهي", قال ميران بوقاحة, بينما كان ينظر الى فيرات بنظرات تهديد كان
يحاول عدم اظهار شعور الغيرة التي بداخله, من كان هذا الرجل؟, من من يأخذ حق حماية
ريان؟.
"سوف
يغادر الأن", قالت ريان بتدخل, "و لن يأتي الى هنا مجددا", قالت
وهي تضغط على كلماتها و تحدق الى عيون ميران بفظاعة.
"ليس
هناك شيء من هذا القبيل", قال ميران رافضا, "لن أذهب, أنا هنا".
"اذا الأمر
متروك لي لاستدعاء الشرطة مرة أخرى, من الواضح أنهم لم يرحبوا بك جيدا بالأمس, هذه
المرة ستذهب إلى الحفرة و لن يمكنك الخروج مرة أخرى".
بعد الاستماع إلى
فيرات بعناية فائقة, أخذ ميران بكل جدية وأخرج ضحكة عالية على الشفاه حيث كان يكمن
الخطر, "جرب اذا أردت, أنت لا تريد حتى التفكير في الأشياء التي ستحدث لك في المقابل",
كان تهديدا مفتوحا, عبس فيرات, لم تكن ريان تريد أن يحدث أي شيء سيء لأي أحد بسبب
ميران.
"من يخاف
منك, ليصبح مثلك", عندما وضع فيرات يده في جيبه و أخذ هاتفه قامت ريان بأخذ
الهاتف منه, "لا تفعل فيرات, لا داعي للشرطة, سوف يذهب قريبا".
"لن أذهب
الى أي مكان", كرر ميران كلامه مرة أخرى, كان يجب أن يفعل شيئا, كان عليه أن يقنع
ريان بطريقة ما ويخرجها من هنا, لم يكن يريد أن يفعل ذلك بالقوة لكن ريان لم تترك
له أي حل أخر.
" ليس عليك
أن تخافي من هذا الرجل يا ريان, أعطني الهاتف", عندما أخذ فيرات الهاتف من
ريان بدأ بالاتصال بالشرطة, كان ميران مرتاحا كما لم يكن من قبل, وضع يديه في
جيوبه و يبتسم بسخرية, عندما سحبت يد الهاتف من اذنه التفت فيرات باستغراب.
"هووب,
لقد ذهب الهاتف", لم يقتصر الأمر على
إنهاء المكالمة فحسب بل لقد أقفل أردا الهاتف تماما.
"من أنت
أيضا؟", سأل فيرات وهو ينظر بغضب الى أردا, هذا العمل كان يخرج عن السيطرة ويذهب
إلى بعد خطير.
"من قد
يكون", قال ريان من بين أسنانها, "الشاهد الساحر", بالرغم من أنها
شاهدت أردا مرة واحدة فقط لكنها حفظت وجهه و لم تنساه, في اللحظة عندما نظرت الى
أردا احنى رأسه الى الأمام, كان أردا يخجل
من ريان حتى الموت, كان أيضًا مذنباً لكونه شريكًا في اللعبة التي لعبها ميران, رغم
أنه لم يكن مثل هذا الرجل, إلا أنه كان يدفع ثمن الصمت.
"أنظر",
قالت ريان لفيرات و هي تشير الى أردا و ميران, "هذان الرجلان اللذان تراهما كاذبان,
مخادعين وغير أمينين, كلاهما شياطين...".
"أخرسي
ريان", نظر ميران إلى ريان بعيون غاضبة, من يكون هذا الرجل, حتى تهينهم
أمامه؟.
"ماذا؟, لم
تستطع تحمل ما قلته؟, أم أن قلبكم غير الموجود يؤلمكم الأن؟".
ألقى ميران
نظراته على فيرات بدل أن يتحدث مع ريان, "اذا لم تقف أمامي سوف يكون جيدا
بالنسبة لك, و الا سيكون مؤسفا جدا لك أنت
أيضا, و لعالمك الصغير".
"ماذا
تستطيع أن تفعل؟", سأل فيرات بفضول, في الواقع لم يكن فضول, كان يسخر من ميران
فقط, ابتسم ميران, تلك الابتسامة أسقطت ريان على الفور, أليست تلك الابتسامة هي
التي كانت تجعل قلب ريان يرفرف كالطائر؟.
"ما الذي
قد لا أفعله؟, قبل القاء نظرة, في صباح أحد الأيام لن يتبقى لك أي شيء, المشفى
الذي تعمل فيه سيضعونك أمام الباب", ضغط شفتيه معا, بينما يحزن على النهاية
التي رسمها في عقله, "لا سمح الله".
فقدت ريان كل هدوئها
على هذه الكلمات, رفعت يدها اليمنى و دفعت على صدر ميران بعيدا, "أنت وغد مثير
للاشمئزاز", بينما كانت ريان تهاجم ميران كالمجنونة أمسك فيرات ذراعيها و
سحبها للوراء, مع ذلك أرادت ريان أن تفرغ كل شيء على ميران مثل المجنونة, كان أردا
يراقب بيأس, "أتركني, دعني, أنا أكرهه", في نفس الوقت بدأت بالبكاء من
غير قصد, بينما ترتجف و تبكي أرادت أن تفرغ كل غضبها على ذلك الرجل.
من ناحية أخرى,
أرادت أن تصرخ قدر استطاعتها في وجهه, لماذا قمت بخداعي؟, لماذا تركتني و ذهبت؟,
لماذا أوصلتني الى هذه الحالة؟, أو الأسوء...لماذا دخلت الى حياتي؟.
بينما وقف ميران
كما لو كان في حالة صدمة, دخلت ريان الى المنزل بمساعدة فيرات و أليف, هذه المرة
ميران لم يفعل شيئا, لم يتحرك من مكانه, حتى أنه لم يذهب وراءها.
بعد رحيلهم, اقتربت
أردا من ميران, "لقد تماديت كثيرا", قال أردا, "كم كان صحيحا
القيام بمثل هذا التهديد أمام ريان, في عيون الفتاة أنت بالفعل لا تختلف عن الوحش,
ضربت القاع جيدا".
"انها تكرهني",
تمتم وهو يجلس على الرصيف, أخذ رأسه بين يديه و أمسك شعره بعصبية, "انها
تكرهني".
جلس أردا بجانب
ميران, ماذا يمكن أن يقال في مثل هذه الحالة, لم يكن يعرف أبدا, "كان واضحا
منذ البداية أن هذا سوف يحدث", أراد أن يتحدث أكثر ويقول له أنت المسؤول عن كل
شيء, أنت تدفع ثمن ما فعلته..., لكن بعض الأشياء لا تقال, أردا لا يتحمل رؤية
ميران هكذا, "انهض لنذهب, لقد دمرت نفسك, ربما في وقت أخر...".
"لا",
قال ميران و هو يقف, "لا يوجد استسلام, لا يوجد تراجع, لا يوجد انهيار",
عندما ساروا بسرعة إلى باب المنزل, كانوا
غير مدركين أن الجيران قد اصطفوا في النوافذ وأنهم كانوا يشاهدونهم, وصل ميران الى
الباب و وقف, مع نوع من الكلمات غير ذات صلة عندما كان يدفع بقبضته المشدودة إلى الباب
واحدة تلو الآخرى, و لكن لا الباب قد فتح و لا ريان جاءت.
و في الأخير
حدث ما حدث, من نافذة الصالة فوق أفرغت صديقة هانم دلوا من الماء على كليهما, لم يكن
بإمكان الشابين اللذين غارقا في الماء البارد في المساء أن يعطوا ردة فعل, دون أن
تظهر ذلك كانت اليف تضحك على كليهما, ليست اليف فقط بل جميع من كان يصطف عنذ
النوافذ بدأ يضحك.
"اللعنة
يا رجل, أنا أتجمد", رفع أردا يديه الى الهواء, تم دمج البرد تقريبًا في جسمه.
كان ميران
مندهشا و أيضا مبللا و عاشقا, نظر الى النافذة وهو يمسح وجهه المبلل بيده, أغلقت الستائر
على الفور, "حسنا, ليكن هكذا", قال بينما ترتجف شفاهه, "على الأقل لست
عاشق فقط, بل غارق في الحب".
رفع اردا علم التمرد,
"دعك من الثرثرة لنذهب من هنا, أنا أتجمد".
صاح ميران للمرة
الأخيرة قبل مغادرته, كان يعرف أن صوته سوف يسمع في الداخل, "لا تعتقدي أنني
استسلمت, سوف أعود مجددا, سوف أعود مرة أخرى".
بعد أسبوع...
عندما يتعب الانسان,
بدل أن يحل الوضع الذي يؤلم روحه, يقطع الحبل عن الجذر.
حاول ميران التحدث
مع ريان عدة مرات منذ ذلك الحين, لكنه لم يتلق استجابة معتدلة, في الواقع أصبح ميران
أسوأ وأسوأ يومًا بعد يوم, لقد وضع العناد جانبا, كان يتألم بيأس, لعدة ايام لم
يضع لقمة واحدة في فمه, بلا نوم ليلا.
حتى أردا لم يعد
يلقي اللوم على ميران, و لا يقول له أن يتراجع, الى أي حالة أوصل الحب ميران, أين
سينتهي, لم يكن يدري.
اليوم تلقوا بعض
الأخبار غير السارة من ماردين, أزاد قادم مجددا الى اسطنبول, هذه المرة سيكون من الغباء
عدم ادراك أن ريان هي سبب مجيئه, ربما أنه يعرف ان هي ريان و قد يأخذها الى
ماردين, لا ينبغي أن يكون هناك نهاية مثل هذه, ينبغي على ميران فعل ما يتوجب و
اخراج ريان من ذلك البيت اليوم, لم يكن لديه خيار أخر.
كان يقود بأقصى
سرعة, اضطر أن يقوموا بتأجيل اجتماع مهم, حتى أنه ترك التحدث إلى محاميه لمناقشة قضية
الطلاق لاحقا, الأن حتى لو توقفت الحياة لن يهتم ميران, كان سباقه ضد الوقت و ضد
أزاد, لا يمكن أن يخسر أبدا.
ترك سيارته على
بعد أمتار قليلة من المنزل حيث كان يهرع الى بابه منذ عدة أيام, الأن لم يكن يعرف
ماذا سيفعل, لم يكن بامكانه الدخول الى الداخل بالقوة و سحب ريان واخراجها مثل
الحيوان, كان هذا أخر شيء يريد فعله, قضى دقائق في السيارة مع موقف مدروس, و أخيرا
خرجت.
الحظ الذي لم
يكن معهم أبدا يبدوا أنه بجانبهم اليوم, عندما خرج ميران من السيارة, فتح باب المنزل
وخرج ريان, كان لديها مظلة في يدها ومعطف رقيق عليها مناسب لظروف الطقس الصعبة على
نحو متزايد, كان شعرها الطويل المتموج قليلاً مفتوحًا مرة أخرى ويسقط على ظهرها, وعقدت
محفظتها على ذراعها و خرجت إلى الباب الخارجي للمنزل وتوقفت على الرصيف, كانت و
كأنها تنتظر أحدهم, لم يتساءل ميران إلى أين ستذهب, لأنه اينما كان المكان الذي
ستذهب اليه لن يكون كذلك, سيكون الى جانب ميران, التفت ريان الى الوراء و لوحت
بيدها الى النافذة ثم ابتسمت, ابتسم ميران معها وهو يشاهدها من بعيد, لم تكن ريان
تراه, لو رأته لمسحت الابتسامة التي على شفاهها و حل مكانها العبوس.
ركب ميران
سيارته دون أن تراه ريان و انتظر, تساءل من الذي كانت تنتظره, انزلت قلنسوة معطفها
الاسود و غطت بها رأسها وصولا الى حواجبها, لم يمر وقت طويل حتى توقفت سيارة فيرات
أمام الباب, ضغط ميران على قبضته قسرا, استقلت ريان سيارته وهي تبتسم.
كانت تلك القشة
الأخيرة على أرضية ميران.
بمجرد أن تحرك
فيرات قام بالحاق به, سوف يلحق بهم فقط لفترة و بعدها سيأخذ ريان الى جانبه في
اللحظة المناسبة, ضبط المسافة التي بينما و ذهب خلف سيارة فيرات, لم تأتي رائحة
طيبة الى أنفه, السبب وراء اهتمام هذا الرجل بريان لهذه الدرجة لم يكن لطيفا وفقا
لميران.
زادوا من سرعتهم
عندما عبروا الشوارع الرئيسية وعبروا الطريق الرئيسي, يبدو أنها نهاية حتمية,
الوقت المناسب, دعس ميران على السرعة و تجاوز فيرات و جاء أمامه, تزمير عدة مرات وأشار
إلى التوقف, عندما تباطأ ووقف أمامه, أجبر فيرات على التوقف, بعد أن فتح باب سيارته
وخرج مشى بسرعة إلى جانبهم, وجهان مشوشان وغاضبان, ابتسم قسرا, فتحت ريان الباب
قليلا و مدت رأسها, وجدت عيناه عيون ريان مباشرة, "أخرجي الى الخارج".
انحنت ريان برأسها
لتجنب ميران, "لن أخرج, ارحل من هنا", كان صوتها غاضب.
لسوء الحظ, لن
يستطع أن يكون مهذباً هذه المرة, عندما أمسك ذراع ريان نزل فيرات من السيارة بسرعة
لكي يمنعه, "هل أنت قاطع طريق؟, الفتاة لا تريدك".
سحب ميران ريان
من السيارة, و من جهة كانت عيونه على فيرات, "أنت تدخل أنفك كثيرا في هذا
الموضوع, أغلق فمك و اركب سيارتك", كان يسحب ريان الى سيارته, انسد أذنيه
بسبب صراخها, كان من المفترض أن يفعل ذلك, إذا تصرف كالمعتاد ستفوز ريان, بينما كان
يمشي دون تردد وبسرعة, أصدر جملة عاصفة تعني أنهم قد وصلوا إلى نهايتهم.
"كل
المقاومة الى هذا الحد, سوف تأتين معي"
تعليقات
إرسال تعليق