هل من السهل أن تخبر أحدا التقيته لأول مرة
عن أكثر الأشياء خصوصية في حياتك؟، يأتون الى هنا ليس لأجل التكلم بل للصمت ، قد
يخجل أو قد لا يثق بالطبيب ، أو ربما لا
يعرف كيف يتحدث لأنه لم يتكلم مع أي أحد من قبل
مكتبي خاص و دافئ دائما، أريد أن أجعلهم
ينسون أن هذه عيادة و أنني طبيبة، لأنه لديهم فكرة واحدة عن الطبيب أن تخبره
بمشكلتك و يجد الحل و يعطيك الدواء، لكن الطبيب النفسي مختلف ، يجد ان يكون قريب
منك و يفهمك حتى يخبرك ماهي المشكلة، فقط بإخبارك للطبيب عن مشاكلك لن يجد الحل و
لا الأدوية التي تعطى قد تكون الحل، انها فقط تجعل الشخص يحس أنه أقوى أو أفضل، المريض
يجد حل مشكلته بنفسه بمساعدة طبيبه النفسي فقط
الأن لاول مرة سوف تأتي السيدة زينب الى
العيادة، و يجب أن نجعلها تنسى أنها قادمة الى عيادة و انها سوف تقابل طبيب نفسي
لكي تتحدث عن نفسها بدون توثر أو تردد
قبل أن يدخل المريض القي نظرة على الأرجاء،
تلك الزهور بجانب النوافذ الكبيرة بعضها مغلق و بعضها لا، تلك الأرائك الحمراء يتم
ترتيبها، و تلك الشموع التي تحترق منذ الصباح يتم تجديدها، اضغط على الزر و أخبر
تونا أنني جاهزة، تونا تفتح الباب و تتنحى جانبا لكي تدخل السيدة زينب و أنا
بالأساس أقف أمام الباب فأرحب بها و أشير لها لكي تجلس على أحد الأرائك
زينب فتاة شابة مع عيون تلمع لكن ذلك اللمعان
ليس من السعادة، عندما صافحت يدي كانت هناك ابتسامة خجل على وجهها، نظرت الى ارجاء
الغرفة الى اللوحات المعلقة على الجدار تم الى المصابيح، "لقد تخيلت غرفتك
هكذا بالضبط كما في كتبك"، هذا يعني انها قرأت كتبي، اذا جاء أحدهم الي وهو
قد قرأ كتبي من قبل فهذا يجعل عملي سهلا أكثر، من خلال تلك الكتب يتعرفون على أكثر
و يشعرون بأنفسهم قريبين مني أكثر، هكذا يستطيعون اخباري عن مشاكلهم بدون أي خجل
أو توثر، الغريب في الامر أنني أشعر بنفسي قريبة منهم ايضا و كأننا قد التقينا
سابقا في مكان ما، سألتها ماذا تشربين في البداية قالت لا شيء لكن بعدها طلبت
الشاي، بعدا أن احضر تونا الشاي و قبل أن اسألها عن أي شيء حتى تبدأ بإخباري
مباشرة
"سيدة جولسيرين، ان مشاكلي كثيرة، حتى
الأن لم أخبر أي احد عن هذا، كما أنها ليست اشياء يمكن اخبارها، لكن في الآونة
الاخيرة أشعر بنفسي سيئة للغاية، لم اعرف كيف سوف اتجاوزهذا الأمر، في النهاية جئت اليك ربما سوف تريني
طريقا ما"
" من الجيد ما فعلت سيدة زينب"
" ألن يكون من الجيد اذا لم تناديني بالسيدة زينب؟"
"بالطبع زينب، هيا اخبريني أنا اسمعك"
"سوف اخبرك بإختصارعن طفولتي أولا، انا لم اعش حياتي مثل
الاخرين، بل كانت لدي حياة مثل التي نراها في التلفاز، لا أستطيع التصديق كيف وصلت
الى هنا"
تأخذ نفس عميق، و عيونها تمتلئ و كأنها سوف تبكي فورا، عندما نظرت
اليها بتمعن لاحظت ان هناك شيء مختلف فيها لكن لم استطع أن احدد ما هو بالضبط، مظهرها
و ثيابها توحي انها ربة بيت لكن نظراتها مختلفة و كأن من يجلس أمامي شخص تلقى
تعليما عاليا و لديه مهنة مهمة
"أنا ابنة عائلة فقيرة، والدي يعمل في الإنشاءات و أمي تذهب الى
تنظيف المنازل، نحن ثلاثة إخوة، فتاتين و ولد واحد، أنا أصغر واحدة في العائلة، اخي
رمزي كان طفلا ناجحا في دراسته لكن والدي لم يكن يريده أن يدرس كان يقول له جد لك
عملا و أحضر الخبز الى المنزل انا لن استطيع ان أدرسك"
"اي نوع من الاشخاص كان والدك؟"
" لا تسألي أبدا، المال الذي يربحه من عمله بالإنشاءات في النهار
كان يصرفه على الخمر و الحانات في الليل، لقد كانت أمي من تصرف على البيت و اذا
قالت شيئا كانت تقوم القيامة كان يضربها تم يضربنا نحن أيضا، كانت تريد كثيرا أن
يدرس ابنها حتى انها كانت تتشاجر معه لهذا السبب و كانت تقول انا من أصرف على
دراسته على كل حال لا داعي لكي نخرجه من الدراسة، حينها كان يغضب والدي أكثر ولا
يترك أي شيء في المنزل دون أن يكسره، و كان يضرب رمزي كثيرا و يقول له أنت السبب،
من جهة بدأ رمزي بالعمل بجانب و الدي و في المساء يدرس، لقد كان ذكيا جدا و لا
يريد أن يكون مثل والده، عندما يخرج من عمله في الانشاءات و يمشي كيلومترات في
البرد القارص حتى يصل الى المدرسة، في ذلك الوقت كنت لا أزال صغيرة، أختي هي من
كانت تهتم بالبيت، كانت تبلغ عشر سنوات فقط، تذهب الى المدرسة و عند عودتها تهتم
بالبيت"
"هل كنت تبقين في البيت لوحدك ؟؟"
" بالطبع كنت أبقى لوحدي، من كان سيهتم بي، أمي كانت تذهب الى
تنظيف المنازل منذ طلوع الشمس، و رمزي كان يخرج مع والدي الى العمل و اختي كانت
تذهب الى المدرسة، كنت أخاف كثيرا لذلك كنت انتظر أمام النافذة حتى عودة
أختي"
"كم كان عمرك وقتها ؟"
" لا أعرف، منذ كان عمري سنتان أو ثلاثة سنوات كانوا يضعون لي ما
سوف أكله على طبق ثم يقفلون الباب و يذهبوا، عندما تعود اختي كنت أتحول الى مجنونة
من كثر السعادة و لم أكن ابتعد من جانبها أبدا، وهي أيضا كانت لا تزال صغيرة و
تذهب الى المدرسة الابتدائية، كنا نعتني بأنفسنا بشكل ما، بعدها بفترة مرض رمزي، في
البداية قال الطبيب انه التهاب رئوي و بعدها قال انه فايروس، لأشهر بقي في
المستشفى ولم يكن هناك أحد ليذهب اليه، أمي فقط من كانت تذهب عنده في المساء عندما
تعود من العمل و كانت تأخذ معها الأكل الذي قامت بتحضيره له ، عندما وصلت الى خمس
سنوات كان رمزي قد توفي، كانت أمي تعانقنا و تبكي لساعات طويلة، و عندها ساءت
العلاقة التي بينها و بين أبي أكثر، كانت تقول له إبني مات بسببك و كان يغضب و
تقوم القيامة في المنزل، عندها قررت أمي الانفصال عن والدي و قالت له لم يعد لنا
حاجة بك فأنا من أصرف على هذا المنزل على كل حال"
" هل كان لدى والدتك أي أقارب ؟؟"
"أجل لكنهم جميعا في القرية، لم يكن لنا أي أحد في إسطنبول، لو
ذهبنا الى القرية كنا سوف نموت من الجوع، و والدي يعرف ذلك جيدا، كما انه رجل غيور
للغاية، ذهب أبي الى المطبخ و أحضر سكينا و كان يصرخ و يقول سوف أقتلكم جميعا، كنا
عاجزين"
الأب الذي من المفترض ان يقوم بحمايتهم، انظروا الى ما يقوم به، يعني
أن زينب ولدت في دنيا كهذه، العالم الذي تعرفه دائما مظلم و مليء بالمخاطر غير
عادل و غير رحيم، عندما تتذكر تلك الأيام تمتلئ عيناها
"تلك الأيام لم تكن صعبة بل كانت مخيفة ، لم نكن نستطيع النوم
لأننا لا نعرف ما الذي قد يفعله أبي بنا، و أمي لم تكن تريد الاستمرار في هذا
الزواج لأنها كانت تحمل والدي مسؤولية وفاة أخي، و كانت تقول قد يفعل لكم نفس
الشيء"
"هل كانت أختك تدرس وقتها ؟"
"من الخوف كانت أمي ترسل أختي الى المدرسة و في ذلك الوقت اذهب
أيضا، لكن أختي انفصلت عن الدراسة لاحقا، كان والدي يغضب و يقول لماذا كل هذا
المصروف من اجل دراستها، و أمسكها من شعرها ثم ضرب رأسها بالأرض، بعدها تزوجت قبل
أن تبلغ الثمانية عشر و رحلت"
"كيف هي الأن ؟"
"كيف ستكون، تزوجت بأول شخص رأته فقط لكي تخرج من المنزل، بعدها
اخرجني والدي من الدراسة انا ايضا و كان يقول لا نستفيد منك ابدا و طلب من امي ان
تأخذني معها الى عملها لكي اتعلم، و أمي لم تستطع أن تعترض، لأن والدي كان دائما
يتهم والدتي و يقول لها انها السبب في هروب أختي من المنزل لو كانت تبقى في المنزل
و لم تذهب الى المدرسة لم يكن ليحدث هذا ولم نكن لنكون حديث الجميع في الحي و قال
انها قامت بتوسيخ شرفنا..."
عند
حديثها كانت تغلق عيناها باستمرار، و كأنها ترى تلك الأيام، مع ذلك حركاتها و
طريقة جلوسها و طريقة كلامها لا يوحي انها شخص خرج من ذلك البيت، الأسوأ من ذلك
أنني لم اسألها بعد عن عملها و حياتها الحالية، رغم انها لم تخبرني أي شيء بعد
لكنني اعرف انها شخص تلقى تعليما جيدا، لنرى الى أين ستصل نهاية هذه القصة.
تعليقات
إرسال تعليق