القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية شقة القمامة مترجمة للعربية : الفصل الخامس




 


رواية شقة القمامة : الفصل الخامس


بعد اخر لقاء مع نيريمان بدأت بالقدوم كل اسبوع، تأخذ ادويتها بانتظام و تبكي باستمرار أيضا, هذا جعلها تخرج من هذه الغرفة مرتاحة كما اصبحت تدخل الى الحمام باستمرار و تتوضأ مرة واحدة دون تكرار و مزاجها يبدأ بالتحسن شيئا فشيئا لكن والدها اصبح مريضا و وفقا لما اخبرتني به فوالدها في وضع حرج و يجب على احد ان يبقى بجانبه في المستشفى و هذا الشخص كالعادة هو نيريمان، وضع اخوتها مزري لدرجة لا يمكنهما الخروج الى الخارج و مقابلة الناس و هما أيضا بحاجة الى العناية، نيريمان المسكينة لا تدري من الذي سوف تعتني به أولا و قد اضطرت على وقف العلاج و لم تأتي منذ ثلاثة اسابيع، و الان ارى منذ فترة طويلة اسمها مجددا في دفتر المواعيد و اتمنى ان وضعها ليس سيء جدا
"تونا انا جاهزة بإمكانك ارسال السيدة نيريمان"
"حسنا سيدتي"
يفتح الباب و تدخل نيريمان الى الداخل لكن هذه ليست نيريمان الشابة صاحبة الخدود الوردية و الابتسامة المشرقة التي تعودت على رؤيتها، تبدو متعبة و لونها شاحب ترتدي تنورة و بلوزة سوداء و واضح انها لم تغسل شعرها منذ أيام نظراتها شاردة و بدون آمل، ام ان كل تعبنا ذهب عبث يا ترى ؟
"خيرا يا نيريمان ما حالتك هذه ؟ ماذا حدث لك ؟"
"لا تسألي يا حضرة الطبيبة انا في حالة سيئة جدا"
"تعالي نيريمان اجلسي"
"ما هذا الذي يحدث معي؟, لو حدث اي شيء لأبي ماذا سوف أفعل؟، صفية و جولبان في حالة يرثى لها من جهة تشعران بالحزن على حالة والدي و من جهة على غيابي عن المنزل، المشاكل بدأت تزداد لو ترين حالة البيت، و بسبب هذه الأحداث لم استطع القدوم اليك"
"ان شاء الله والدك سيشفى في اقرب وقت"
"لا اعتقد ابدا فوالدي مريض بالسكري و كل اعضاءه تضررت و لأسابيع لم يكن هناك اي تحسن في حالته على الأغلب نحن نفقد أبي، ربما لم نهتم به بما فيه الكفاية"
"من أين لك بهذا الكلام يا نيريمان لا تنسي انك ضحيت بنفسك لأجل عائلتك ما الذي ستفعلينه اكثر من ذلك ؟، انظري الى نفسك يبدو واضحا مدى تعبك و كل هذا لأجلهم، لقد شحب وجهك من كثر التعب اذا استمر الوضع هكذا انت أيضا سوف تمرضين"
"لقد سئمت من كل شيء لو اموت انا ايضا و ارتاح من هذا العذاب ليس لدي أي حل اخر، في الأصل ليس والدي هو من يتعبني بل الموجودون في البيت، اخاف ان تموتا بسبب قلة النظافة و الاهتمام و الجوع"
تبأ نيريمان في البكاء و امد لها منديلا، يبدو ان الوضع سيء جدا
"انتظري لنرى ربما هناك حل، هل تبقين في المستشفى في الليل ؟"
"اجل، يتوجب ان يبقى احد بجانب والدي باستمرار و في النهار اذهب الى البيت لساعات قليلة لكي أخذ الى والدي احتياجاته و لم اعتني بجولبان و صفية مثل السابق حتى انهما لا تقومان بتحضير الطعام لا تهتمان بأنفسهما، أقول لهما لا يجوز هذا تعاليا لأخذكما الى الطبيب اذا لم تشفقوا على نفسيكما اشفقوا علي أنا الى متى سوف اتحمل كل هذا لكن لا جدوى، تقولان لن نخرج من البيت في هذه الحالة و اذا خرجنا سوف نذهب الى والدي، لم اعد اعرف ماذا أفعل لانهما حقا لا تخرجان من البيت كلتاهما تفكران في والدي، الرجل سوف يموت و لا تأتيان لرؤيته لأخر مرة حتى أي مرض هذا، أعرف انك لا تقومين بزيارة المرضى في البيت لكنني في وضع صعب هل تساعدينني ؟"
"تريدين مني القدوم الى بيتك اليس كذلك ؟"
"اجل اذا كان ممكنا لأنه لم يتبقى اي شيء يمكنني فعله"
"هل تريد اختاك هذا ايضا ؟"
"لم اقل لهما و اذا اخبرتهما لا اعتقد انهما سوف توافقان انهما تخافان من مجيئ أحد الى البيت لكن ماذا يمكنني فعله غير هذا و لا أعتقد انهما سوف تتحملان هذا اكثر، كيف يمكن للشخص ان يبقى حيا بدون طعام؟، تبقيان جائعتان بسبب عدم تحظيرهما الأكل و لا تشربان الماء حتى لكي لا تدخل الحمام"
"ربما انت محقة هذا أفضل ما يمكنه فعله"
"حسنا اذا لنذهب فورا"
"الأن ؟"
"أرجوك سيكون من الأفضل"
"يبدو ان الوضع طارئ"
"عندما ترين الوضع سوف تفهمينني اكثر، لا أعرف كيف سوف أشكرك"
"سوف تشكرينني لاحقا هيا لنذهب فورا"
نخرج من العيادة بسرعة ثم نتقل سيارة أجرى، ليس لدي الكثير من الوقت و يجب ان اعود الى العيادة بأسرع وقت و لكن الوضع سيء اكثر مما توقعت اذا استمرت الفتيات بهذا الوضع سوف تموتان حقا، من جهة خوف فقدان الأب و من جهة بقاء نيريمان بعيدة عن المنزل، أعرف انهما لا تريدان اي طبيب لكنني ذاهبة الى هناك و لا اعرف ما الذي يمكنني فعله فمن الصعب مساعدة شخص يرفض العلاج.
تقف سيارة الأجرة اما عمارة قديمة ذات ثلاث طوابق، فورا دخول الى العمارة اشم رائحة الرطوبة، نصعد الى الطابق الثاني و في كل طابق هناك شقتين، تفتح نيريمان الباب بالمفتاح، اشعر بالفضول حول المنظر الذي سوف اصادفه في الداخل
"أعذريني حضرة الطبيبة لقد أصبحت تعرفين عنا كل شيء"
"لا تهتمي ابدا لكن اخبري أولا اختاك عن قدومي"
"حسنا انهما في الصالة عن اذنك سوف اذهب اليهما اولا"
"هذا سيكون أفضل"
بقيت واقفة وراء الباب، نيريمان تنزع حذاءها أولا تم تلبس الشبشب و بعدها تفتح باب الصالة و تدخل الى الداخل، تأتي أصوات الحديث من الداخل
المنزل قديم و ألوان ابوابه البيضاء باهتة لون أبواب غرفة الجلوس من الحجر البلوري و الأرضية من حجر الفسيفساء، تفوه من البيت رائحة و كأنه لم يتم تهويته منذ زمن، يظهر المطبخ من الباب الذي في الجانب الايسر و البلاط الأبيض يبدو نظيفا, بينما كنت أنظر في الأرجاء فتح باب الصالة و  خرجت نيريمان ثم طلبت مني الدخول
"نيريمان اعطيني شبشب لي ايضا لكي انزع حذائي أنا أيضا"
"لا داعي يمكنك الدخول الى الداخل"
"لا لن أدخل سوف أتبع نظامكم قدر المستطاع"
"حسنا اذا"، تقول نيريمان بينما تمد لي الشبشب أنزع حذائي تم أضعه قرب حذاء نيريمان بعدها ادخل الى الصالة، تقف جولبان و صفية في منتصف الصالة و هناك دهشة في وجههما، كانتا ترتديان ثياب متسخة و شعرهما كأنه لم يمشط منذ أشهر و بالرغم من كل هداك تبدوان جميلتين بالأخص صفية
"مرحبا يا سيدات لقد جئت الى منزلكم بدون دعوة و لكن نيتي ليست ازعاجكم بما انكم لا تستطيعون المجيء الي قلت لأذهب انا لرؤيتهم اذا، الأن اخبروني أين تريدونني أن اجلس ؟ لا تقلقا لن ألمس أي مكان و لن افعل أي شيء لا تريدونه"
تستمر علامات الدهشة في وجوههما، يجب ان أجعلهما تشعران بالراحة لوجودي بأسرع وقت، نيريمان تشير الى الأريكة اجلس بهدوء و حذر بدون ان المس اي مكان لا يجب أن تشعرا بالانزعاج مني، اشير الى نيريمان كي تخرج من الصالة حتى اظل مع جولبان و صفية لوحدنا، ما تزالان واقفتين و لم تتكلما بعد، احاول أن الطف الاجواء
"جولبان اجلسا، اعرف ان والدكما مريض اتمنى له الشفاء العاجل عندما سمعت انكما لم تستطيعا الذهاب اليه حتى خرجت مع نيريمان و جئنا و تساءلت اذا كنت استطيع المساعدة أعرف كل شيء اعرف ان هذا الأمر ليس بيدكما و انا مدركة انكما تعانيان كثيرا بسبب هذا، اعرف انكما لم تدخلا الى الحمام لأن الاستحمام يستغرق ساعات و هذا اذا دخلتما لن تستطيعا الخروج و لا تستطيعان حتى تحضير الطعام لأنفسكما و بسبب هذا تبقيان جائعتان و اعرف ان نيريمان لا تستطيع تدبر امر كل شيء و لأجل ذلك انا هنا، هل ما زلتما غاضبتين مني ؟"
تجلسان على الأريكة و تستمعان الي دون قول كلمة واحدة حتى، اتعامل معهما بنبرة صوت هادئة و كأنني من اقربائهم و اخبرهم انني اعرف كل شيء منذ البداية و لكي لا تشعرا بضرورة اخفاء اي شيء و انني لا اجد اي شيء من هذا مخجلا و أنني على العكس أفهمها، يلفت انتباهي الصالة المغطاة بالغبار و الاثاث قديم و يبدو انه لم يتم شراء اي شيء جديد منذ سنوات و تلك الستائر المتسخة التي اتوقع ان لونها الاصلي هو البني الفاتح، بينما اتكلم تتغير ملامح وجه جولبان من الدهشة الى الحزن و تبدأ بالتكلم اولا
"يعني ان نيريمان اخبرتك بكل شيء في الواقع كنت اريد القدوم اليك مجددا و لكن لم يكن لدي اي آمل، كيف ستقومين بمساعدتنا ؟"
"اذا اردتم التخلص من هذا المرض سوف نجد طريقة ما لكن يتوجب علينا التحرك معا"، و اخيرا الاخت الكبرى تحدثت وتغير وجهها الى اللون الأحمر من شدة الغضب، " هل انت متأكدة أن هذا مرض؟"
"في الواقع انتم ايضا تعلمون انه مرض"
"انه ليس مرض و ما شابه، نحن لا نعرفك و نحن لا نحب التحدث بمواضيع خاصة مع اشخاص لا نعرفهم و ايضا لا نحب أن يصدر احدهم الاوامر، كل هذا بسبب نيريمان"
"اجل صحيح انا هنا بسبب نيريمان و ايضا لست معتادة على زيارة المرضى في منازلهم و لكنني أتيت الى هنا ليس لأن نيريمان قامت بدعوتي بل لأنني فهمت انه لم يبقى هناك اي حل اخر سوى التعرف عليكم، الانسان عندما يكون وجها لوجه مع الموت فالطبيب يفعل كل ما بيده لينقذ المريض دون اذن منه حتى و انا طبيبة اقسمت بالقسم الطبي و لا أستطيع أن اترككم تموتون و أيضا أحب نيريمان كثيرا و عندما رأيت وضعها لم أتردد بالقدوم الى هنا فهي تحبكم كثيرا و ترتعب فقط لفكرة ان يحدث لكم شيئا و أعرف أنكما تحبانها أيضا حتى انكما كنتما كأم لها و قد التقيت بجولبان من قبل، أنتم بالفعل عائلة جميلة لقد تحدثت عنكم كثيرا و كانت محقة أنتن سيدات جميلات للغاية و لكن يبدو انكما عنيدتان قليلا"
"هل نيريمان ايضا من قالت هذا ؟"
"ما الداعي لكي تقوله لقد أظهرتما لي مدى عنادكما مهما حدث فأنا ضيف جاء الى هذا المنزل لكن قمتما بما هو اسوء من طردي"
"و أنت أيضا يبدو أنك عنيدة"
"اجل في بعض الاحيان اعتبر عنيدة و ربما لذلك احبتني نيريمان لأنها معتادة على أشخاص مثلي"
وأخيرا تظهر ابتسامة على وجه صفية، تلك الابتسامة جعلت جولبان تشعر بالراحة و بعدها بدأنا جميعا بالضحك و بدأت صفية بالحديث مجددا
"حسنا اذا ماذا ستفعلين، ستعطينا ادوية ؟ نحن لن نأخذ ادوية او ما شابه"
"لماذا ؟"
"هل تغير الادوية الافكار التي بداخل عقلنا ؟، سوف تقوم بتخديرنا فقط"
"أنتما مخدرتان بما فيه الكفاية، تجلسان طوال اليوم على هذه الأريكة لماذا سوف أقوم بتخديركما ؟"
"حسنا اذا بماذا سوف ينفع العلاج ؟"
"صفية لا تفعلي هذا دعيني أساعدك"
"على اساس انك عنيدة؟، أم انك تتعاملين معنا بلطف لكي نغضب ؟"
"هل يجب أن أخاف من إغضابكما ؟"
"من اين لي ان اعرف انت تتعاملين معنا بلطف كبير"
"هل تتعاملون مع بعض بقسوة في بيتكم ؟"
"نعم قليلا، وانا ايضا أعاملهم بقسوة"
"يتصرف الانسان حسب ما تعلمه، اذا عاملوك بقوة في طفولتك أنت أيضا عندما تكبر سوف تتعامل مع محيطك بقسوة، و اعرف انكما لا تريدان العلاج كما انكما غاضبتان مني، هل انا مخطئة ؟"
"لا لست مخطئة، انا لا اريد العلاج أريد البقاء كما أنا و اريد عيش الحياة وفقا لقواعدي و لا احد لديه الحق في التدخل بهذا"
"لكن اختي انظري الطبيبة جاءت الى هنا، و بما انك هناك علاج دعينا نجرب"، تقول جولبان
"انظري يا صفية لم يعد الأمر متعلقا بك فقط، انتم أربعة اشخاص تعيشون في هذا المنزل و وضعك لا يأثر عليك فقط بل على الجميع في هذا الوضع لا يمكنك أن تقولي أنا بل ستقولي نحن"
"لم نعد أربعة أشخاص فوالدي يموت، الا تعرفين هذا"
"اعرف، اذا استمر الوضع هكذا ربما سوف تموتون قبله هل تعرفين هذا"
"انا جاهزة للموت حتى انني عشت بما يكفي، لا تلمسوني فقط و افعلوا ما تريدونه"
"اختي لا تفعلي هذا"، تقول جولبان بصوت مرتجف يبدو انها تمسك نفسها بصعوبة لكي لا تبكي
"انت لا تتدخلي بي ايتها القذرة ذات الرائحة الكريهة"
صوت صراخ صفية يختلط مع صوت بكاء جولبان، الوضع يزداد سوءا و بينما افكر كيف سوف أحل هذا الوضع تدخل نيريمان راكضة الى الصالة و وجهها ايضا محمر تقف امام الباب لا تعرف ماذا تقول
"نيريمان و جولبان هل يمكنكما الخروج قليلا اريد البقاء لوحدي مع صفية"
تمسك نيريمان بذراع جولبان التي لا تزال و تخرجان من الصالة، صفية تعقد ذراعيها جيدا و تحاول ان تظهر لي مدى اصرارها على قرارها، الا يوجد طريقة لجعل هذه الفتاة تلين قليلا ؟، ربما هذه اخر فرصة لها لكي تعيش هي تعرف هذا و بالرغم من ذلك ترفض العلاج، في داخلي اشبهها بشخص يقف شامخا وهو في طريقة الى الاعدام، جلسنا لفترة دون التحدث و بعدها بدأت بالتحدث بنبرة هادئة و لطيفة
"لماذا تستعجلين لهذه الدرجة لأجل الموت يا صفية ؟"
"لقد عشت كثيرا لو كانت لدي القليل من الجرأة لكنت قمت بذلك منذ وقت طويل لست فقط عنيدة بل جبانة ايضا لا استحق ان يبدل احد اي جهد لأجلي يقولون عني دودو المجنونة"
"اعرف"
"تعرفين هذا أيضا ؟"
"اجل اعرف انه يقال لجولبان القذرة ذات الرائحة الكريهة و نيريمان الفتاة السمينة و انت دودو المجنونة"
"حسنا اذا ماذا تريدين من شخص مجنون مثلي؟"
"لماذا قلتي أمامي لجولبان قذرة؟، هل تحاولين ان تظهري لي انك شخص سيء و بدون رحمة ؟"
"لا احاول ان أتبث اي شيء و ما شابه انا اصلا كذلك لا تعبثي معي"
"كما قلت قبل قليل سوف اساعدك حتى اذا لم تريدي ذلك و اعرف انك لست شخصا سيء و أيضا لقد كنت أما لناريمان و انت بعمر عشر سنوات و ما عانيت منه من طرف والدتك و الضرب الذي تلقيته، أعرف كل هذا و لا احد سيريد الموت في هذا العمر الصغير بدون سبب و اظن ان هناك اشياء كثيرة لا اعرفها و لكي أعرفها سواء اردت ذلك أم لا سوف أساعدك و انا ارى مدى وحدتك، جميلة لهذه الدرجة و وحيدة كذلك، هل تعرفين ما هو اهم نقص لديك، ليس لديك الجرأة أنت جبانة، انت بحاجة للشجاعة لأجل العيش ليس لأجل الموت، سوف تموتين كساحرة شريرة, ساحرة قذرة و غاضبة، سوف تختفين بين أكياس القمامة، ماهو ذنبك؟ اي ذنب تدفعين ثمنه ؟ بينما الحياة جميلة، كما انني متعبة جدا و انت لم تقدمي لي القهوة حتى، انت بالفعل ساحرة شريرة"
"القهوة ؟"
"أجل القهوة، اذا حضرتي قهوة حلوة على نار هادئة منه نشربها و منها استمر بالكلام"
"يعني انك ستستمرين بمناداتي بالساحرة الشريرة ؟"
"اجل لكن قد اتراجع اذا اعجبتني القهوة"
"في بيتنا نيريمان هي من تحضر القهوة"
"لكنني اريد منك انت تحضيرها"
"لكنني لا اجيد تحضيرة قهوة جيدة"
"حينها اذا سوف استمر بمناداتك بالساحرة الشريرة"
"كم انت امراة غريبة"
"انت محقة انا غريبة قليلا و لكن الست كذلك ايضا ؟"
"انا ساحرة شريرة"
"انت محقة و تلك الساحرة سوف تحضر لنا القهوة الان و سوف نشربها معا"
"هل سوف احضرها لنفسي ايضا ؟"
"طبعا فلا يمكن للشخص شرب القهوة وحيدا"
تقف صفية من مكانها بخطواب ثقيلة و تتجه نحو المطبخ، أخذ نفسا عميقا و افكر كم انني متعبة فعلا من يدري كم شخصا استمعت الى مشاكلهم منذ الصباح و حتى اقناع صفية بالعلاج لن اخرج من هذا البيت و سوف اظل هنا لساعات اذا تطلب الأمر لكن هناك الكثير من المرضى في انتظاري، انظر الى الساعة و الاحظ انني هنا منذ نصف ساعة، افكر بصفية من يدري كم من الصعب على شخص مثلها تحضير القهوة لي، اعرف هذا لكن لم اجد وسيلة اخرى للاقتراب منها، انهض من مكاني و الحق بصفية، باب الحمام مفتوح و صفية تقوم بغسل يديها اظن انها تحاول ان تغسل يديها قبل الدخول الى المطبخ، اقف بالقرب منها، بعد وضع الصابون و فرك يديها جيدا تمدهما تحت الصنبور و انا ابدا بالعد بصوت عال، "واحد"، تلتفت بشكل خفيف و تنظر الي و بعدها تعود للقيام بنفس الشيء و انا استمر بالعد و بعد غسل يديها عشر مرات، " حسنا لقد اصبحت يدك نظيفة و الان انتظري قليلا لكي اغسل يدي ايضا لأنني اريد ان اساعدك في المطبخ"، قمت بنفس ما قامت به و في كل مرة انتهي من غسل يدي اقوم بالعد بصوت عال و انتظر ان تقوم بالعد أيضا و في الاخير عند الانتهاء من غسل يدي اسأل صفية، "هل تم الأمر؟، هل اصبحت نظيفة الان ؟"
"اجل لقد اصبحت يداك نظيفة لكن لماذا تقومين بهذا؟"
"أريد ان تري انني لا اعارض قواعدكم بل أطبقها، بما انني سوف اتي الى هذا المنزل كل أسبوع يجب ان احترم القواعد و لكي لا أزعج اي احد بوجودي بل على العكس"
"حسنا اذا"
ندخل الى المطبخ معا لكن اولا نغير احذيتنا أمام باب المطبخ و نرتدي احذية بلون مختلف و بعدها ترتدي صفية ثوب أبيض و غطاء رأس ابيض كذلك بعدها تدخل الى المطبخ تم تلتفت و تنظر الي و هناك ابتسامة استخفاف على وجهها و كأنها تقول لي هيا لنرى اذا كنت ستستطبعين فعل هذا ايضا، "صفية انت ترتدين و كانك سوف تدخلين الى غرفة العمليات، هل تعلمين أن الاطباء يفعلون مثلما تقومين به قبل الدخول الى غرفة العمليات لكي لا ينقلوا العدوى الى المرضى، على اي حال اعتقد انه يتوجب علي أن البس مثلك لكي أستطيع الدخول الى الداخل لذلك من الافضل ان انتظر أمام الباب و أشاهدك و لا تنسي القهوة توضع على نار هادئة، سوف تحضرينها لنفسك أيضا اليس كذلك؟"
"لا"
"لماذا؟، الا تحبين القهوة ؟"
"في الماضي كنت أشربها من يدري كم سنة مرة على اخر مرة شربت فيها القهوة"
"انت حقا لا تشربينها منذ سنوات ؟"
"لا أشربها، فشرب القهوة يحتاج الى مزاج جيد، يتوجب الا يكون لديك أي مشاكل لتجلس و تضع رجل فوق رجل و تشربها بكل هدوء، و نحن لم نكن كذلك يوما"
"أجل انت محقة لكن تعالي لنجلس اليوم بهدوء و نشرب القهوة، اذا لم يجدنا الهدوء لنبحث نحن عنه ربما سوف نصادفه في مكان ما"
"هل انت دائما هكذا؟، مرتاحة و صاحبة وجه مبتسم ؟"
"لا اخبرتك انني لست كذلك، هل أبدوا كذلك ؟"
"لا أعرف، لكنك مرحة و هذا أعجبني، نحن كالموتى لا نتكلم ابدا و نتشاجر دائما"
" و انا اغضب بسرعة"
"و لكنك لم تعضبي اليوم"
"على من ؟"
"لم تغضبي مني"
" ومن قال انني لست غاضبة؟"
"هل انت غاضبة ؟"
"بالطبع أنا غاضبة، لماذا برأيك طلبت شرب القهوة؟"
"هذا يعني انك غضبتي و لكنك لا تظهرين ذلك أبدا"
"لأنني أفهمك، من قد يريد العيش هكذا و انا متأكدة انه لديك أسبابك"
"اجل هناك فالحياة صعبة و اذا قلت انني لم اضحك ابدا ربما لن يكون كذبة"
"كم عمرك يا صفية ؟"
"سبعة و تلاثون لقد اقتربت الى الاربعين سنة"
"يعني انك وصلت الى النصف و لكن يزال امامك النصف الأخر"
"لقد أصبحت القهوة جاهزة، اتمنى انها أصبحت مثلما تريدين فأنا اقوم بتحضير القهوة لأول مرة منذ سنوات"
"من الواضح انها جيدة، لانها وضعت على نار هادئة"
"هذا يعني انك تقومين بتحضيرها أيضا"
"جولبان هلا تحضرين لي كرسي"
" ماذا سوف تفعلين بالكرسي؟"
"انا سوف أجلس أمام الباب و انت يا صفية اجلسي على الكرسي الذي بجانب الطاولة و بهذه الطريقة لن يخرج الفنجان من المطبخ و عندها لن يتوسخ اليس كذلك"، بعجلة تحضر لي جولبان كرسي و نيريمان تأتي الى جانبنا، " ماذا تفعلين هنا حضرة الطبيبة لماذا لا تجلسون في الصالة؟، هل قامت أختي صفية بتحضير القهوة و تشربها أيضا؟"
"ليلتفت الجميع الى عمله انا سعيدة جدا من وضعي، و اتركونا لنشرب انا و صفية هذه القهوة"
كان من الواضح ان جولبان و نيريمان سعيدتين من الوضع كانت عيونهما تلمع و من جديد تتركاننا لوحدنا، اخدت قهوتي و وضعت رجلي فوق رجع و صفية تجلس بجانب الطاولة في المطبخ و هي ايضا تضع رجل فوق رجل، نستمر في احتساء قهوتنا دون التحدث و بعدها ابدأ بالضحك و صفية تنظر الى وجهي باستغراب تحاول ان تفهم لماذا اضحك، " هل تعرفين لماذا اضحك؟، انظري الى حالتنا انا في الخارج و انتي في الداخل و كلتانا نشرب القهوة، برأيي ليس هناك ما يفسد راحتنا"، في نفس اللحظة تبدأ صفية بالضحك و كم كان يليق بها، كم تبدو جميلة بالرغم من كل شيء، "اجل اين بقينا ؟"
"اخر مرة قلتي لي انه ما زال لدي نصف الحياة"
"أجل قلت ذلك، اذا استمريت هكذا سوف تعيشين النصف المتبقي من حياتك بنفس الحالة"
"و هل لدي اي فرصة اخرى"
"لا أعرف، هذا مرتبط بك انت اذا ارتدت العيش هكذا يعني كساحرة شريرة قذرة فلا أحد سوف يمنعك حتى أنا"
"هذا يعني ان القهوة لم تعجبك، لقد قلت لي ساحرة مجددا"
"القهوة جيدة للغاية سلمت يداك و ايضا انا لا اقول لك ساحرة و ما شابه بل اريدك ان تعيشي الاشياء الجميلة التي تستحقينها"
"حبا بالله اين تجيدين كل هذا الآمل؟"
"انظري يا صفية يقال ان الانسان يعيش على الآمل، لاجل العيش نحن مضطرون على الشعور بالآمل، نحن مجبورون، و انت يجب عليك ان تخرجي ذلك الآمل اين ما كان مخبأ، لا نستطيع أن ندير ظهرنا للحياة التي رزقها الله لنا، قد ننكسر و نحزن لكن ليس لدينا الحق في الغضب لفترة طويلة، كما انني لم اتحدث معك بما يكفي ولا اعرف ما الذي يوجد بداخلك، من يدري مقدار حزنك الذي جعلك تغلقين بنفسك داخل هذا المنزل كقبرا لك، لكن يكفي حان الوقت لتوقفي كل هذا اولا فكري بنفسك تم بإخوتك، اذا لم تدعميني لن استطيع لا مساعدك و لا مساعدتهما كذلك، أرجوك جربي أن تكوني شجاعة لمرة واحدة"
"هل يمكنني فعلها يا ترى ؟"
"لنجرب معا، ما رأيك ؟"
"هل تعرفين ما معنى العيش دون أن تكوني محبوبة؟"
"لا أعرف، انا دائما كنت محبوبة و احببت، لكن يمكنني ان اتخيل كم هو شيء صعب، و انت على الاغلب تفعلين ما بوسعك لكي لا يحبك اي أحد كما انه فعلت كل شيء لكي لا احبك و اذهب فورا"
"لكنك لم تذهبي لماذا؟"
"لأنني فهمت فورا كم انت ساحرة شريرة لطيفة، انت تنتقمين من الاشخاص الذين لا يحبونك اليس كذلك"
"لم اعد اعرف اذا كنت انتقم من العالم أم من نفسي"
"انت محقة في الواقع انت تعاقبين نفسك لكن لكل عقاب نهاية هذا يكفي لقد مرت نصف حياتك بالفعل"
"اجل لقد مرت و بدون ان اعيش اي شيء جميل حتى"
"اتمنى ان يكون مختلفا هذه المرة، شكرا لك على القهوة الحديث معك كان جميلا و لكن يجب علي الذهاب الأن فهناك مرضى ينتظرونني في العيادة، خذي هذا الفنجان و اغسليه فورا، المطبخ نظيف و يدي نظيفة و الفنجان لم يلمس اي مكان اخر و لم يخرج من المطبخ و الان افتحي الصنبور و اغسليه عشر مرات سوف ابدأ بالعد"، صفية تفعل كل ما قلته و تغسل الفنجان عشر مرات و انا ابدا بالعد، " حسنا الفنجان أصبح نظيفا و الان انا ذاهبة و اظن ان نيريمان سوف تأتي معي هي سوف تذهب الى والدها و انا الى العيادة، سوف أكتب بعض الادوية اللازمة و اعطيها اياها، حسنا ؟"
"حسنا حضرة الطبيبة، هل سوف تأتين في الاسبوع القادم مجددا ؟"
"بالتأكيد سوف آتي فلن تتخلصي مني بهذه السهولة، لكن أريد قهوتي كذلك"
"لا تقلقي سوف نشرب القهوة معا مجددا ان شاء الله"
أودع جولبان و نخرج انا و نيريمان من المنزل و فورا نركب التاكسي، كانت نيريمان متحمسة جدا و لم تسكت طوال الطريق، "يا الهي ما الذي حدث اليوم في بيتنا؟، لقد كنت اظن انه سوف تقوم القيامة لكنها قد حضرت لك القهوة...، ما الذي فعلته لصفية؟، لو تعلمين كم هي شريرة....، من الجيد انك اتيت اليوم...، سوف اخبر والدي بما حدث ليفرح قليلا"، قد كانت نيريمان متحمسة للغاية وهي تتكلم 
أكتب الادوية و اعطيها لنيريمان و عقلي ما يزال عند صفية، هل سوف تتناول الأدوية يا ترى؟
Reactions:

تعليقات