القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية فتاة النافذة قصة زينب : الفصل الرابع و الأخير

 



هذا المساء انتهى عملي باكرا في العيادة ، في معظم الأوقات أكون متعبة بعد الانتهاء من العمل و لا يسعني تعديل الملفات و الأن لدي عدد لا بأس من الملفات متراكمة أمامي ، و لم أستطع كتابة المعلومات التي أريدها لبعضهم
من ناحية أكمل كتابة الملفات ، ومن ناحية أخرى أشرب قهوتي ، كان هناك الكثير من الثلج في الخارج ، لهذا السبب لم يتمكن بعض المرضى من القدوم إلى العيادة ، كان من الصعب علينا المجيء إلى هنا في الصباح لأن الثلج يتساقط بلا توقف منذ يوم أمس ، هذا يذكرني بطفولتي
يذكرني بالأيام التي اعتدت فيها أن أمسك يدي أختي يوكسلين ونذهب إلى المدرسة ، ونحن نتمايل داخل الثلج الذي وصل إلى ركبنا، مع قبعاتنا الحمراء المحبوكة من قبل والدتنا أو الأوشحة الصوفية كهدية من مصطفى ، وشاحنا حول أعناقنا وحقائبنا المدرسية على ظهورنا ، كم كانت تكون تلك الحقائب ثقيلة ، و ما الذي لم نضعه فيها ؟، لقد كانت أمي دائما تريد منا أن نقوم بإعداد حقائبنا في المساء ، لكن في كل مرة كنا نتكاسل و نترك الأمر حتى الصباح ، الآن بعد أن فكرت في الأمر ، كانت المدرسة على بعد عشر دقائق فقط سيرًا على الأقدام من منزلنا ، لكننا لم نتمكن من إنهاءها في نصف ساعة ، خاصة في الأيام الثلجية كنا نسير و نتحدث و نراقب ما حولنا و أحيانا نلعب بكرات الثلج ، في ذلك الوقت ، عندما تتساقطت الثلوج كان يتم بناء رجل الثلج في حدائق جميع المنازل ، مع أنف من الجزر و عيون من الفحم و فم من قشور البرتقال، حتى أن بعضهم كانوا يرتدون قبعات  توضع لهم أزرار قديمة مصنوعة من الفحم أو قطع جزر صغيرة أمامهم ، خاصة عندما كان يرتدي وشاحًا قديمًا حول رقبته ، لم نكن نكتفي من مشاهدته
في ذلك الوقت ، كان لكل منزل في أنقرة حديقة وكل حديقة فيها أشجار، و لم تكن تستطع هذه الأشجار تحمل ثقل الثلج الأبيض ، فكانت أغصانها مثنية على الأرض ، و أنا و أختي كنا جعلنا مهمتنا هي إنقاذ تلك الأشجار من ذلك الثلج الذي لم تستطع حمله ، فكنا نقف تحت الشجرة ونهزها كلانا و الثلج يتساقط علينا ، وهذه المرة كنا نحن من يتحول إلى رجل ثلج ، كنا نغطى كليا بالثلج حتى رموشنا ، كنا نضحك كثيرا...، كم كنا نضحك في تلك الأيام
في الطريق إلى العيادة في هذا الصباح ، بحثت عيناي عن رجال الثلج هؤلاء مرة أخرى ، لكني لم أستطع رؤية واحد حتى ، لم تكن تستطيع أشجار الصنوبر الموجودة أمام العيادة أن تحمل كل ذلك الثلج عليها ، فكل واحدة منها منحنية ، لكن لا أحد يهزها ، سيارات البلدية لإزالة الثلوج تستمر في الصعود والنزول في الشارع ، في كل مرة يمرون من هنا ، أسمع همهمات محركات تلك السيارات الضخمة ، و الناس يمشون على رؤوس أصابعهم وبعناية شديدة على الأرصفة ، انخفضت حركة المرور، قلة من الناس تجرأوا على السير في الطريق بسيارتهم في هذا الثلج ، و بعض مرضانا الذين لديهم موعد لا يمكنهم الحضور
الهواتف ترن دون توقف ، وأنا أستمتع بقهوتي بين يدي ، بالنظر إلى الثلج المتساقط بشكل خفيف فوق ضوء مصابيح الشوارع ، وأسطح المنازل البيضاء التي يمكن رؤيتها من بعيد ، والدخان المتصاعد من مداخن تلك الأسطح ، من الجيد دائمًا مشاهدة تساقط الثلوج في الخارج من غرفنا المريحة
صوت تونا يوقظني من شرودي، "لقد وصلت السيدة زينب، هل ادخلها؟"
"زينب ؟"
"السيدة التي جاءت قبل ثلاثة اشهر، أعتقد أنها محامية"
"ااه أجل تذكرتها، دعها تدخل"
دخلت زينب الى مكتبي و كانت تبدو مختلفة بلباسها و كان هناك نظرة جدية على وجهها، عندما نظرت الي لاحظ هناك سعادة في عينيها، في المرة السابقة بسبب اكتئابها رأيت هناك لمعة في عيونها، أعتقد أنه لمعة ذكائها، عندما قلت لها مرحبا و انا أمد يدي لها كانت هناك ابتسامة عريضة على وجهها
"كيف حالك منذ اخر لقاء؟، تبدين بحال أفضل"
"أجل، كنت أستعمل الأدوية بشكل دائم و كان لها تأثير جيد حقا، لكن..."
"لكن ماذا؟"
" لا تسألي ابدا، في بعض الأحيان الانسان يكون غبيا جدا، الإنسان يفعل بنفسه مالا يفعله به الأخرون، ما حدث معي في السنوات الاخيرة، الله وأنا فقط من يعرفه، ربط لساني و طار عقلي، تحولت الى قطة تذهب الى أي مكان يجرونها اليه، عند التفكير افقد عقلي"
"في هذه الحياة تحدث أشياء كهذه لا داعي لكي تغضبيمن نفسك هكذا"
"لا داعي لكي أغضب ؟؟ بعد أن تحدثنا أخر مرة عدت البيت و بقيت في غرفتي كالعادة، بعدها بدأت بالتفكير ما الذي فعلته، لم أكن و لم أكن جاهلة، انهيت دراستي و قرأت كتب كثيرة لم يقرأها أحد، شكرا للسيدة نارمين كانت تشتري لي كل ما اريده، هم ايضا يحبون القراءة، لكن كل ذلك ذهب عبثا، اذا لم تستطع أن تفيد نفسك فما النتيجة من القراءة"
بقولها هذا الكلام يعني أنها عادت الى وعيها، القرار الذي اتخذته قبل ثلاث سنوات هي الان بنفسها تستغرب، نحن البشر أحيانا نختار أهم القرارات في حياتنا عن طريق مشاعرنا وليس عقولنا، و زينب فعلت نفس الشيء، علاوة على ذلك كان هناك رجل تحبه
"أخبريني قليلا عن تلك الأيام"
"لا أريد تذكرها حتى، و كأنني عشت تلك الأيام و أنا عبارة عن آلة فقط ، اقوم بما يطلبونه فقط، شعرت أنني بلا حول ولا قوة، كانوا عائلتي و كنت مديونة لهم و فعل العكس كان يعتبر نكران جميلهم، خصوصا والدتي، عدم قيامي بما تريد لم يكن سيجلب لي الراحة بعد موتي"
"ما الذي شعرت به تجاه مهدي؟"
"لا شيء، كنت أفعل فقط ما يجب علي القيام به، عندما رأيته قلت أن عائلتي محقة إنه رجل طيب و لديه عمل جيد، فقط "
"ماذا عن فاروق؟"
"هل تصدقين، لم أفكر به حتى لمرة واحدة، لقد حرمت على نفسي التفكير فيه، بالنسبة لي التفكير فيه كان ذنب، حتى انني قد أهنت عائلتي عندما أصبحت صديقة له، الأن تراجعت عن الاهانة و اقوم بالشيء الصحيح، قما قلت قمت بكل شيء و كأنني مجرد آلة"
"ما الذي تشعرين به تجاه زوجك؟"
"أنت أكثر شخص سيفهمني، اذا أخبرت أحدا ما فلن يصدقني، لم أحبه و لم أكرهه يوما، لقد كان الرجل الذي يجب أن أتزوج به فقط، معه لم أكن لا سعيدة و لا حزينة، لم تكن هناك أي مشاعر تجاهه.قبل الزواج كان فاروق يتصل به كثيرا، لم أجب عليه حتى كتبت له رسالة فقط، 'أنا سوف أتزوج، و أنت اذهب في طريقك، يبدو أنه لم يكن مقدرا'، بعدها لم يصلني أي خبر عنه، من يدري كم شعر بالحزن، بعدها تكلم مع السيدة نارمين و بكى كثيرا، علاوة على ذلك قمت بكل هذا بينما فاروق كان بالعسكرية، الإهانة الحقيقة كانت تجاهه هو، في ذلك الوقت لم أكن أفكر بهذه الطريقة أبدا. كان والدي و أمي و اختي سعداء جدا، زواجي من مهدي كان يشعرهم بالفخر، أبي لم يكن يقول أي شيء أخر سوى صهري الطبيب، بعدها عرفت أن مهدي قد أعطى لعائلتي بعض الحقول، يعني أنهم قاموا ببيعي، بعد زواجي من مهدي، قاموا بتجديد بيننا القديم في القرية و هم يعيشون هناك الأن، وهم سعداء جدا من وضعهم، والدي لم يعد يشرب كما السابق و اختي تطلقت من زوجها تم اخذت طفلها و استقرت عندهم، عندما قررت أختي الطلاق قلت أن عائلتي سوف تغضب كثيرا لكنني كنت مخطئة، في الأصل هم من أراد طلاقها، و الأن أختي أصبحت خادمة في ذلك البيت، و أمي تجلس في زاوية في البيت و أبي يظل في المقهى حتى المساء، بالنسبة للمال فقد كانوا يكسبون من الحقول و أيضا كنت أرسل لهم" 
الإنسان لا يستطيع تصديق هذا، لقد كانت عائلة زينب عدو لها
"لقد رأيت كيف قاموا بالتخلي عني مقابل فائدتهم، هل أنا التي كنت ساذجة للغاية أم هم من كانوا على حق. لم أعرف، أغضب أيضا على سذاجتي، صدقيني في صغري عند تناول الطعام مع السيدة نارمينكانالطعام يعلق في حلقي، كانت عيناي تمتلئ عندما اتساءل ما الذي يتناوله اهلي الأن، لقد كنت أجمع المال الذي كانت تعطيه لي السيدة نارمين عند ذهابي الى المدرسة و كنت أعطيه لأمي و كانت تسأل  تقول لي، 'هل هذا فقط؟، أليس هناك المزيد؟'، و عند خروج السيدة نارمين من المنزل كانت أمي تجمع كل الأكل الموجود و تقول لي اذا سألتك السيدة نارمين اخبرينا أنك اكلته كله، حتى انها كانت تأخذ القليل من مساحيق الغسيل و تأخذه الى البيت، و أنا كنت أكون شريكة لها في الجريمة، حتى لو فهمت السيدة نارمين لم تقل لي أي شيء أبدا، حتى عندما كانت أمي توبخني أمام السيدة نارمين كانت تغضب و تقول لها أنها ابنتنا الأن تحدثي بانتباه أكثر، عندما بدأت بالعيش في ذلك المنزل أصبحت عائلتي عدوا لي، و في النهاية وصلوا الى مبتغاهم"
"ما الذي تقوله عائلتك بخصوص الطلاق؟"
"كانت أمي تضحك و تقول الى أين سوف تذهب و معها طفلة، الأمر ليس بتلك السهولة، أختي كان لديها طفل أيضا لكن لم يقولوا لها أي شيء، يعني يتحدثون حسب ما يناسبهم"
"ماذا عن مهدي؟"
"لو كان الأمر بيده سوف يخلق مشاكل كثيرة، لكن بينما هو مع تلك المرأة لدي الكثير من صورهم في هاتفي، في البداية حاول أن يخيفني و يقول سوف هذا سوف ذاك سوف أخذ الطفلة، لكن عندما أرسلت له تلك الصور أنقطع صوته، حتى لم يسكت فأنا محامية و اذا فكر بفعل شيء ما سوف يرى ما الذي سوف أفعله به، ليحاول الاعتراض او فعل شيء ما، اذا لم أضيق الدنيا عليه فأنا لست زينب، لقد استيقظت الأن، يكفي ما فعلوه بي حتى الأن"
أجل في النهاية استيقظت، و بقوة أيضا، هذا يعني أن الاكتئاب قد خف وعادت ثقتها الى نفسها، في النهاية الاكتئاب عبارة عن مرض يلوي ذراع الانسان، لنرى الأن ما الذي سوف تفعله
"ما الذي تفكرين بفعله يا زينب؟"
"سيدة جوليسيران، أشعر بنفسي و كأنني استيقظت للتو، الأن يجب أن أبدأ حياة جديدة، بدأت بإجراءات الطلاق و كما تعرفين أنا و أبنتي الأن في بيت السيدة نارمين و أنا سعيدة جدا بعودتي اليهم، يعاملون ابنتي و كأنها حفيدتهم الحقيقة، و سوف أستمر بالعيش معهم لفترة معينة، كيفما كان فأنا محامية جيدة و سوف أجد عملا لنفسي و أكمل حياتي من حيث توقفت، أريد أن أمسح من ذاكرتي تلك الثلاث سنوات و كأنني لم أعشها أبدا، لكن تفكيري مشوش قليلا، التي الاشياء التي حدثت كنت المسؤولة عنها و أخاف أن أرتكب نفس الأخطاء مجددا، علاوة على ذلك فإن السيدة نارمين كانت قد حذرتني كثيرا وقتها، كانت تقول لي لا تفعلي يا ابنتي كوني عاقلة قليلا"
سؤال مناسب، الجواب الصحيح لهذا السؤال هو نعم قد تقوم بارتكاب نفس الخطأ لكن سيكون من الأفضل الا أفسد مزاجها، زينب في الواقع امرأة ذكية، ربما قد تفهم ما أقوله
" هذا سؤال منطقي يا زينب ، لست أنت فقط بل جميعنا نرتكب الأخطاء، و كأننا نعجل انفسها تعيش مجددا تلك الألآم التي عشنا في طفولتنا، أنت لم تكبري في منزل يحتوي على مشاعر جيدة، هناك دائما شجار صراخ خوف و قلق حزن و فقدان الآمل"
"كم قلت ذلك بشكل جميل، لقد كان كذلك بالضبط، أن تكوني ابنة رجل مدمن كحول و فوق ذلك من عائلة فقيرة، لم يكن بالأمر السهل، أمي كانت تذهب منذ الصباح الباكر الى عملها، كنا نحن الصغاركالمصيبة على رؤوسهم، كنا دون جدوى و حمل ثقيل عليهم، بينما كانوا يعبئون بطونهم بصعوبة كانوا ينشغلون بنا أيضا، لكن بما أنك لن تستطيع الاهتمام لما تنجبهم ؟، بما انك أنجبتهم لماذا لا تهتم بهم؟، كانت أمي تقف أمام والدي و تقوم بحمايتنا مع ذلك لم أتذكر يوما أنه أحبنا، بينما نذهب معا الى مكان ما كنت أريد أن أمسك يده لكنه كان يدفعها بعيدا، يعني أنه لم يكن يريد أن ألمسه حتى، عندما كان يريد شيئا من السيدة نارمين عندها فقط يتذكر أنني ابنته و بعدها ينسى مجددا، و هو أيضا كان ينظر الى و كأنني عدوهاللدود، عندما كان يأتي الينا كان يأخذني على جنب و يقول لي 'هل تعرفين ما الذي حدث البارحة ؟' و يحاول أن يزعجني بكلامه، كنت أحزن كثيرا لكلامه، لاحظت السيدة نارمين ذلك و لم تعد تتركني لوحدي معه "
الطفل الذي كبر في منزل لا يخلوا من الشجاع، و بالخصوص الفتاة تكونفي العادة شريكة أمها في الحزن  أكثر من كونهاأبنة لها، الأطفال الذين يكونون شاهدين على ظلم ازواجهن لهن، و لرؤيتهم كشريك لهم، فهم ينتظرون منهم دائما التفهم و الدعم، و يبدو أن والدة زينب التي تعيش وضع مماثل حتى لو كانت ممتنة منه كانت تشعر بأنها وحيدة و بدون دعم في ذلك المنزل، مع الوقت تحول هذا الشعور الى عدم الانتباه و القسوة و حتى العداوة
"اخي المسكين، لقد مات بسببهم، أمي حاولت حمايته، لكن الأمر لا يتم بالكلام فقط، لقد كانت تعرف ما الذي كان يعانيه ذلك الطفل، أما عن والدي فهو كانت يخسر كل ما يكسبه من عمله في الكحول، لم أنسى أبدا، كنت وقتها أدرس في المدرسة الابتدائية في الصف الثاني، و المعلمة طلبت منها احضار دفتر رسم، عندما اطلب المال من امي تقول لي اطلبي من والدك و عندما اطلب منه يقول لي لا ترسمي، في المدرسة ضغطت علي المعلمة و في يوم أخدت القليل من المال الذي سندفع به الماء من البيت، لكنني كنت خائفة مما سوف يفعلونه بي عندما أعود الى المنزل، كنت أرتجف، اشتريت بعض العلكة بالمال المتبقيو أنا امضغها عائدة الى المنزل، على كل سوف اتلقى الضرب لأقم بتحلية فمي قليلا، في تلك الليلة ضربني أبي و أمي بالتناوب، العلكة التي كانت في فمي علقت في حلقي و كدت أن أموت، حتى لو مات سوف يحدث؟، سوف يقولون ماتت بسبب الاختناق و يتابعون حياتهم"
كل هذا لأجل شيء غير مهم، الشخص الذي لا يعطي أهمية لنفسه لماذا سيعطيها لغيره ؟ شيء مؤسف جدا
"أما عن اختي فقد أخبرتك في المرة السابقة أن ما عانته كان أسوأ، لقد كانت الابنة الأكبر في البيت، على كل حال فالفتاة تأتي الى هذا العالم لتكون خادمة،لقد كانت هي الأم الحقيقة بالنسبة لي، عند عودتها الى المدرسة كانت تهتم بي و كأنها شخص راشد، تدخل الى المطبخ و تحاول أن تحضر الطعام بعدها تنظف البيت، لم أراها ولو لمرة واحدة تخرج الى الخارج و تلعب و تضحك مثل الأخرين، لم يشكرها أي أحد، كان الجميع ينتظر منها أن تكون خادمة، الفتاة ذهبت مع ذلك النذل لكي تنقذ نفسها، لكن ماذا حدث؟، هذه المرة أيضا أصبحت خادمة في ذلك البيت، من جهة زوجها و من جهة والديه، الجميع ينتظر منها أن تخدمهم، بينما كانت تقول أنها سوف ترتاح فرقوها عن زوجها، هذا يعني أنها أيضا مثلي مرتبطة بماضيها"
"أي نوع من الأشخاص كان زوجها ؟"
"كان رجلا بدون عمل, و الأن لديه دكان صغير، و قبل سنتين توفيت والدته و تزوج والده مرة أخرى، في الواقع بينما كان الوضع يتحسن جاء موضوع الطلاق"
"لماذا؟"
"في ذلك الوقت كانت تعاني الكثير من زوجها لكن لم يكن لديها مكان تذهب اليه لذلك تحملت كل شيء، الأن هي تنتقم منه، لكن ليس واضح من الذي ينتقم من الأخر، قالوا لها ان تعود الى البيت، لو فقط قالوا ذلك منذ البداية قبل أن تعاني كل ذلك، و أيضا زوجها قد تغير كثيرالم يعد عنيفا و أصبح لديه عمل، لقد قلت لها الا تفعل ذلك لكنها لم تستمع الي، و أمي و أبي كان مبتغاهم شيء أخر، الأن أخدوها الى جانبهم، الأن أن أفهمها جيدا، عندما يتخذ شخص ما قراره فإن النصيحة لن تنفع وقتها، ألم أفعل نفس الشيء؟"
أجل فعلت، هي و اختها ضحايا لماضيهم، و زينب تعرف هذا جيدا، و الأن يجب عليها أن تتخذ قرارا بخصوص زواجها، يا ترى هل سوف تستطيع هذه المرة أن تتخذ القرار الصحيح لأجل نفسها ؟
"زينب، هل أنت مصرة على انهاء زواجك؟"
" وهل مازال هناك مجال للتفكير في هذا سيدة جولسيرين، اذا استمريت في زواج كهذا سوف يكون الأمر مؤسفا كثيرا علي"
" هذا قرار مهم و أيضا لديك ابنة، هل فكرت بهذا جيدا ؟، مثل هذه القرارات لا يجب أن يتم اتخادها بسرعة"
"لقد فكرت كثيرا، قلت لنفسي ما الذي تفعلينه هذه المرة كوني عاقلة فلديك طفلة سوف تتركينها بدون أب، سألت نفسي كثيرا، مهدي ليس أب جيد ولا زوج جيد، نظام عائلي مستقر ليس مناسب لمهدي، هو يريد أشياء أخرى من الحياة، قبل كل شيء هو لديه مشاكل فهو مدمن كحول مثل والدي، لم يكن يصرف على المنزل و يقول أن لديه ديون، أي ديون ؟، هل سوف تنتهي ديونه اذا استمر بالشرب و التجول مع تلك الفتاة؟، هل خسر كل ما لديك على زوجته و ابنته فقط؟، كما أنه لا يعرف كيف يكون علاقة، نحن متزوجان منذ ثلاثة سنوات و لم يتكلم معي بشكل جيد لمرة واحدة فقط، يعيش لأجل نفسه فقط، الزواج هو مشاركة لشخصين حياتهم، أحيانا يقول أنه لديه عمل و لا يأتي الى البيت و عندما يأتي يتكلم معي بضع كلمات فقط، ليس واضحكا اذا كان سعيدا أو حزينا، ليس هناك أي فرق بينه و بين والدي، لقد شعرت بالوحدة كثيرا، عندما سمعت أنه ثام بخيانتي و كأن سكينا اخترق قلبي، اذا سألتني هل تحبين زوجك كثيرا، لا أحبه، منذ البداية لم أحبه، لقد كان يخبرني أنه يحبني و أنني كنت في خياله دائما، في ذلك الوقت كنت أصدق تلك القصص بكل سذاجة"
"ربما هو يحبك فعلا؟"
"ربما كان يحبني وقتها، لكن بعد الزواج بأشهر قليلة تغير كل شيء، مهدي عاد مهدي القديم، جعلني اجلس في البيت و عاش هو حياته كما يريد، حتى أنه وضع قوانين منذ اليوم الأول، سوف تغطين شعرك، سوف تلبسين هذا و ذاك...، و بدأ يتدخل في ثيابي، و لم أصدر أي صوت بخصوص ذلك ولم يكن لدي أي مشكلة حول تغطية شعري لأن أمي كانت تفعل ذلك، لكن لم يحترمني أبدا، كيف سوف يحترمني وهو لا يعرف معنى احترام المرأة، و أنا أيضا لم أراه"
"لسنوات طويلة عشت في منزل السيدة نارمين، لماذا تقولين أنك لم تري الاحترام؟"
"حتى لو كنت في ذلك البيت كنت دائما ضيفة، المكان الذي جئت منه مختلف، لقد كنت دائما أعرف ذلك، في الحقيقة لو طبقت ما تعلمته في ذلك البيت على زواجي لم يكن ليحدث كل هذا، لم يكن مهدي ليستطيع أن يفعل بي كل هذا، أنا تصرفت كابنة أمي"
"عندما تصرفت كأمك مهدي تصرف معك مثل والدك، أليس كذلك ؟"
"كل شيء تعلمته ضاع،لقد ضيعت نفسي، لقد كنت شخصا يحب التحدث و تبادل اطراف الحديث و كنت أعامل مهدي بنفس الطريقة، مهما حدث كنت أتحدث لكن لم احصل أبدا على أي جواب، عندما اسأله لماذا لا تتحدث كان يقول انه هكذا لا يتحدث كثيرا و يغلق الموضوع، لكنه لم يكن كذلك بل كان يعاملني أنا فقط بتلك الطريقة. عندما تزوجنا أنتهى الحب و جاء دور حبه الجديد، و أنا كنت أقول في داخلي أن شخصيته هكذا لكنه يحبني، بينما هناك زوج لا يهتم زرقت بطفلة و كنت اركض ما بين العمل و الاعتناء بالبيت، و فوق ذلك كنت أفكر كيف سوف أقوم بإرضائه عندما يعود الى البيت، أجلس و أنا راضية بقدري، يا غبائي"
"لا تلومي نفسك الى هذه الدرجة يا زينب، فالإنسان هكذا، يعيش حياته من اللغة الأم التي تعلمها في منزله، نعيش حياتنا من تلك المشاعر التي تعلمناها من والدينا و تلك اللغة التي تعلمناها من البيت"
"حسنا لنقل أن أمي و أختي لم يعيشوا نفس الحياة التي عشتها لم يدرسوا و لم تكن لديهن مهنة، حسنا ماذا عني؟، لماذا لم أقل لمهدي أن هذا البيت بقدر ما هو بيتي هو بيتك أيضا و أن هذه الطفلة ابنتك أيضا اذا أين أنت؟ لماذا ترمي بكل هذه المشاكل فوق رأسي أنا فقط تم تذهب ؟، أليس هناك شيء يجب عليك أن تفعله أنت أيضا. لماذا لم أفكر بذلك؟ لماذا وافقت على النظام الذي وضعه هو و جلست صامتة، أين كان عقلي؟"
"أنت تغضبين كثيرا على نفسك"
"ان هذا قليل حتى، الرجل يقوم بخيانتي و ينكر الأمر و عندما أريه الصور و أثبت ذلك يقوم بضربي و أصبح المذنبة مجددا، ثم يسألني 'هل ارتحت الأن؟'، أجل لقد ارتحت كثيرا و بفضلك يا سيد مهدي، بعد الأن الرجل الذي سيضربني لم يخرج من بطن أمه بعد، اذهب و افعل ما شئت و عند اعترض تعال وقم بضربي!!، من الجيد ما فعلته، بفضلك عرفت الكثير من الأشياء. لكن المذنبة أكون و جعلت من نفسي خادمة، أنا ايضا سيدة ذلك المنزل، لم أستطع أن أقول له اذا كانت هذه هي قوانينك فهذه هي القوانين الخاصة بي أيضا، يضرب و يشتم و يخون أيضا"
من جهة هي غاضبة و جهة تقول الصواب، لو فعلت هذا في ذلك الوقت سيكون كل شيء مختلف
"أنت فتاة صاحبة ضمير يا زينب، لكنك استخدمت ضميرك لأجل الأخرين دائما، ليوم واحد فقط لم تفكري بنفسك، هذا ثمن الجروح في صغرك، عندما كانت امك تنظر اليك بشكل سيء كنت تغضبين من نفسك كأنك ارتكبت خطيئة أو ذنب ما و تشعرين بالحزن عليها، لكن نحن مسؤولون عن أنفسنا قبل أي أحد، حتى لو كان الانسان يتعلم هذا في وقت لاحق لكن قد يكون متأخرا أحيانا، بالنسبة لك لم يفت الأوان بعد، اذا توقفت عن اتهام نفسك و الشعور بأنك مديونة لعائلة عندها سوف يكون أسهل بالنسبة لك اتخاذ قرارات لأجل العيش، لكنني أرى الأن انك غاضبة منهم كثيرا اكثر من غضبك من زوجك"
"الا يمكن أن أكون؟، لقد تدمرت حياتي"
"هذا الشعور سوف يحطمك، ما حدث قد حدث، اذا فعلوا هذا فأنت فعلت ذلك"
"في الأصل أنا غاضبة من نفسي"
"ذا فرغت طاقتك بالغضب على هذا و ذاكلن يبقى لك شيء، هكذا سوف تصابين بالاكتئاب، الأن يجب عليك أولا أن تسامحي الحياة فجميعنا نرتكب الأخطاء، أتركي الماضي يمر، الحياة لن تعطيك أشياء جميلة اذا كان هناك كره و غضب بداخلك، افتحي ذراعيك و عانقي الحياة، انظري حينها ماذا سوف تعطيك الحياة"
تنهض من مكانها و تعانقني بشدة، في هذا العناق يوجد الآمل و السعادة و الحماس، الأن أنا أثق بها، ليكن طريقها مفتوحا ان شاء الله. بينما تخرج زينب من المكتب أنظر اليها، تمشي بكل ثقة، تستدير وراءها و تبتسم لي، هذه الابتسامة بالذات كانت شعور جيد لروحي.

Reactions:

تعليقات