القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية زهرة الثالوث الجزء الثاني : الفصل الرابع

 

الفصل الرابع : تشوش


كانت صاحبة جروح أدارت وجهها عن الشفاء

من غير المعروف ما اذا كان ذلك بسبب روحها المصابة، لكن جروحها تميل دائما الى النزيف أكثر، عندما كانت طفلة صغيرة استقر الحزن على كل سطر من صورتها، تماما مثل الوحمة، لذلك السبب لم تتمكن من إلقاء تنبع من قلبها في ظل هذه الحياة المحطمة، لقد سرق مصيرها الكثير من ماضيها و ما يزال يسرق من مستقبلها

وبينما كانت تهب الرياح العاتية في الليل ، التقطت عيناها جزيئات الثلج المنبعثة من السماء، لم يكن هناك قوة أخرى غير نور المصباح الذي أضاء الأرض، عندما نظرت إلى السماء رأت الهلال يتوهج بضعف، لو كانت الأن بماردين اذا مدت يدها للسماء سوف تشعر كما لو أنه بإمكانها أن تلمس القمر، كما لو أن السماء سوف تنشر كل نجومها لأجل ريان، هذا الشوق يحطمها

ريان تشتاق الى مارين كثيرا

و كأنها انقسمت الى نصفين، بينما جزء منها يربطها بهذه المدينة الجزء الاخر يسحبها الى تلك الشوارع الساحرة التي عاشت ماضيها فيها، لقد كانت مشوشة لدرجة أنها تشعر أنها لا تنتمي لأي مكان، و كأنها ليست في المكان الذي يجب أن تكون فيه، و كأنها لن تكون فيه ابدا، الرياح تعصف بها من مكان لأخر مثل غزال الخريف الذي لا يجد طريقه دائما

زاد الثلج من حدته، نظرت تلك العيون الحزينة الى الساعة التي تجاوزت الساعة منتصف الليل بقليل و ريان تجلس لوحدها أمام النافذة، كانت تراقب الناس التي تعبر في الشارع ، صمت المدينة، الثلج المتساقط، تعتقد أنها تشاهد و تواسي نفسها، بالرغم من بعض الذكريات الحزينة التي تدور في عقلها الا أنها لم ترد أن تفكر في بعض الأشياء، لأنه اذا استمرت في التفكير سوف تفقد عقلها

كانوا بمفردهم مجددا تحت سقف هذا المنزل، ريان و ميران و طفلهم الذي لم يولد بعد ، مثل العائلة تماما، ابتسمت ريان، في الواقع هذا التفكير لوحده كافي لجعل ريان سعيدة لكنها أصيبت بصدمة ، في الأمس كانت تلك الكلمة تجرها نحو الظلام، كانت تسحق تحت ثقل تلك الكلمات المهينة التي قالها السيد فاهيد، بينما كانت تستمع عاجزة الى كلمات ذلك الرجل كانت تتلوى في صمت ساحق من كل كلمة لا تستطيع التفوه بها، الأن كل كلمة لم تقلها تحرق لسانها، كانت الأغلال تضرب افكارها

حتى لو كان ميران قد طرد عمه أمام عيونها فهذا لا يكفي ريان، الألم الذي بداخلها لا يتوقف بأي شكل كان

خرجت من الغرفة لكي لا توقظ ميران ، لكن الجلوس لوحدها في غرفة مظلمة يشعرها بالملل ، في تلك اللحظة خطر في بالها المكتب و تلك الكتب الموجودة فيه ، ربما قراءة كتاب ما سوف يفيد وحدتها ، يمنع أفكارها من أن تؤلمها ، أو من يدري...، ربما خط عميق يلفت انتباهها، كلمة أساسية، سيطلق النار عليها بصمت من معبد الوحدة، في النهاية أليست الكلمات أقوى سلاح ؟

عندما نهضت من الأريكة و شقت طريقها نحوالمكتب تساءلت لماذا لم يخطر في بالها هذه الفكرة من قبل ، على أطراف أصابعها سارت بهدوء في الممر نحو المكتب بعد أن نزلت الدرج

فتحت الباب و نظرت حولها لفترة ، لقد تم تنظيف المنزل اليوم و تنبعت رائحة الورد من كل مكان ، لم تستطع عيناها التي اعتادت على الظلام رؤية المكان ، و بينما كانت تبحث عن مفتاح لتشغيل الضوء تفاجئت بيدين تلتف حول خصرها ، بينما كان صاحب الأيدي التي تعرفها يسجنها بين ذراعيه ، كانت مذهولًا بالفعل من الرائحة التي ملأت أنفها ، لم تعرف متى استيقظ ميران و جاء لكنها لم تنزعج ، عندما أدرات رأسها و نظرت إلى وجهه ، حدقت في عينيه الزرقاء التي كانت واضحة حتى في الظلام

"ماذا تفعلين هنا ؟ " سأل ميران بصوت نائم ، تسللت ابتسامة مذهولة عبر شفتيه اللاذعة

"لا شيء " ، قالت ريان ، في الواقع لقد كانت سعيدة أنه إستيقظ ، لأنها لم تستطع النوم أبدًا و كانت تشعر بالملل لوحدها ، "أعتقد أن نعاسك قد هرب ؟ "، أحاططت ذراعيها حول رقبة ميران الذي ابتسم تجاه حركتها هذه ، لم يكن يستطيع أن يرى وجهها بسبب الظلام سحبها نحوه و اقترب منها قليلاً ، "أليس أنا من يجب أن أسأل هذا السؤال "

" لا أشعر بالنعاس "، قالت ريان ، لم تستطع النوم و كيف يمكنها ذلك ؟ بينما النار التي بداخلها لم تخمد بعد كيف سوف تلجأ الى أحضان هذا الرجل ذو العيون الزرقاء ؟ لقد كان هذا الرد كافيا بالنسبة لميبران و يصر على الأمر

ربما لا تزال تفكر بتلك الكلمات السخيفة التي تفوه بها عمه ، لم يستطع ميران أن يفعل أي شيء ، مهما يقول سيكون بدون جدوى ، أفسدت ريان الصمت الذي بينهما ، " لقد قال لك الطبيب ألا تنهض من السرير لبضعة أيام ، لكنك تتجول في البيت و كأنك غير مصاب " ، طبع ميران قبلة على شعر ريان و هو يقول ، " أنا بخير يا جميلتي ،و أيضًا ألا تعرفين أن الأطباء يبالغون ؟ "

" أنت تعرف الكثير" تمتمت ريان ، " تتحدث و كأنك أصبت من قبل "

"ليس من الضروري أن تجرب الشيء ليكون لديك معلومات عنه " ، مد يده و أشعل الضوء ثم نظر الى عيون ريان ، " ماذا كنت تفعلين هنا ؟ " ، نظرت ريان حولها بخجل ، "كنت سأنظر إلى الكتب "

انزلقت من بين ذراعي ميران المرتخيتين و مشت نحو المكتبة التي كانت تغطي ثلاث جدران بالكامل ، تألقت عيناها من الإعجاب و هي تنظر إلى رفوفها ، كانت لديها أيضًا مكتبة خاصة مع هافين في ماردين ، لكنها لم تكن بهذه الضخامة ، " لقد حققت حلمي ، هذه هي المرة الأولى التي فيها الكثير من الكتب معًا ، باستثناء المكتبات " ، و قال وهي تمرر اصابعها على الرفوف

" لا تفعلي يا ريان " ، قال ميران وهو يخطو خطوة ، "و كأنها أول مرة تدخلين إلى هنا " ، لقد كان يعرف أن ريان تحب قراءة الكتب ، و من يدري كم مرة أحضنت ريان هذه الكتب عندما لا يكون موجودًا في المنزل ، لا يمكن الا يلاحظ ميران ذلك ، هذه المكتبة المليئة بالكتب هي ملك ميران بالكامل ، و لم تتمكن ريان من دخول هذه الغرفة خلال معظم الأوقات الحساسة التي قضتها في هذا المنزل ، كانت تنظر إلى هذه المكتبة من بعيد و تتنهد

ربما عندما لم يكن ميران في المنزل كانت تقوم ببعض المغامرات و تختطف بعض الكتب ، لكن هذا لا يعني أنها قمعت رغبتها في احتضان كل تلك الكتب ، قامت بعض شفتيها قليلاً و سحبت أصابعها من بين الكتب و استدارت ، لم تكن أبدًا جيدة في الكذب ، غالبًا ما تحمر خجلاً و تتعثر

" هيا، اعترفي " ، قال ميران و هو يبتسم باستفزاز ، " لقد كنت تدخلين الى هذه الغرفة فور أن أغادر المنزل ، صحيح ؟ "، كانت ريان تحاول جاهدة ألا تبتسم و هي تدحرج عينيها على الأرض ، " أنت خائن " ، همست ريان

" كنت تعرف أنني أحب الكتب ، مع ذلك لم تقل لي أنه يمكنني الدخول الى هذه الغرفة ، لو قلت ذلك لم أكن لأضطر الى الدخول خلسة إلى هنا "

" لقد سلمت لك هذا المنزل بالكامل ، أيتها الفتاة الشقية " ، كبرت ابتسامة ميران ، تلك الملامح الطفولية التي على وجه ريان وهي تحاول الدفاع عن نفسها ، لقد كانت أكثر شيء يقتله ، " علاوة على ذلك أنا لا أتذكر أنني قلت لك ألا تدخلي الى هذه الغرفة "، رفعت ريان حواجبها كعصيان ، "لكنك لم تقل لي أن أدخل "

" هل كان يتوجب علي أن أعطيك الإذن ؟ "

" هذه الغرفة هي لك و أنا كنت أخاف منك "، باعتراف غير ضروري خرج من فمها ، أغلق يدها على شفتيه ، لا يجب أن يعرف ميران هذا ، " أقصد في السابق ، لم أعد كذلك "

" هكذا إذن..." ، عندما قطع الشاب مسافة خطوة واحدة بينهما ، وضع كفيه على الرفوف وحبس ريان بين ذراعيه ، " إذن أنت تخافين مني ؟ " ، بعد نظرة الاستجواب ، لولت ريان شفتيها كما لو كانت تقول لا ، " لقد قلت لك أن هذا كان سابقًا ، أنت لست رجلا يخاف منه "

بعد أن قال "أفضل ألا أكون هكذا ،" مدّ أصابعه وأمسك بأصابع ريان الرقيقة والحساسة. "اتبعيني ، أيتها الفتاة الصغيرة الشقية" ، قال بينما كان يلقي نظرة على ريان ،"حان وقت نومكم". تسبب تعبير الجمع الذي استخدمت في عض ريان في لشفتيها ، ريان وطفلها ، ريان وميران وطفلهما ، يا لها من كلمات رائعة كانت! بينما كان ميران يخرجها من المكتب ، كانت ريان تخطو خطوة خلفه ، تنظر مبتسمة إلى يد ميران ، التي كانت في راحة يدها

" من بعد الآن يمكنك قراءة أي كتاب في أي وقت تريدين "، قال ميران ، " لكن ليس في منتصف الليل ، عندما لا أجدك أقلق ، ألا تعرفين هذا ؟ "

عندما ضحكت ريان بصمت على كلمات ميران ، توقف ميران عن خطو خطواته و استدار و نظر باستغراب إلى ريان التي كانت تضحك على كلماته ، " هل قلت شيئًا مضحكًا ؟" ، عندما سأل بجدية هزت ريان رأسها ، " لقد مر يومين فقط منذ أن كنا ننام معًا يا ميران " ، و واصل ضحكتها المكتومة ، " يبدو الأمر كما لو كنا زوجًا و زوجة منذ أربعين عامًا و أنت تقلق عندما لا تجدني بجانبك "، على الرغم من ميران تضايق و أدار ظهره إلا أنه لم يظهر ذلك ، " أنا أقول لك لا تفعلي ذلك مرة أخرى " ، قال و هو يصعد الدرج

"حسنا" ، قالت ريان بابتسامة عريضة تظهر أسنانها الثلاثين "ليكن ما تريد "

عنما جاءوا إلى غرفة نومهم ، بدأت ريان التي قالت أنها لم تكن تشعر بالنعاس في التثاؤب ، لكن ميران كان يشعر بالانتعاش لنومه لمدة ساعتين ، يبدو أنه لن يكون قادرًا على النوم ، لا يهم ، بعد كل شيء لم يكن لديه مشكلة مثل الذهاب إلى العمل عندما يستيقظ في الصباح

لم تدرك ريان حتى أن ميران كان يراقبها عندما خلعت سترتها الصوفية من ووضعتها على الكرسي ، عندما استدارت و تلاقت عيونهم ، كان ينظر بطريقة جميلة لدرجة أنها لم تستطع أن تبلع ريقها ، اخترقت النظرة البريئة قلبها ، كان الأمر كما لو أن العالم قد توقف في تلك اللحظة ، كانوا محاصرين في حضن الخلود ، عندما أغلق ميران المسافة بينهما ببطء وضع يديه على خصر ريان و سحبها بلطف نحوه و كأنها أوراق وردة ، لقد شعر أنه يشتاق إليها ، يفتقذها بجنون ، كيف جن جنونه في غيابها ، كيف دمره الشوق الذي شعر به حتى عندما كان معها ، كاد يقسم أن الحماس كاد أن يحطم قلبه عندما أمسك  بين أصابعه ببعض خصلات شعرها التي سقطت على وجهها و وضعها وراء كتفها ، كيف يمكن لهذه الفتاة الصغيرة أن تجعله يسقط أرضًا بنظرة واحدة ؟

" أنتِ " ، قال كما لو كان متفاجئًا ، كان عاجزًا و في استسلام كامل ، " كيف تفعلين هذا ؟ "، حتى أنه توقف عن التنفس عندما وضع عينيه على تلك العيون السوداء ، " أنتِ تقتلينني " ، على الرغم من أن كلمة الحب هذه مفعمة مشاعر الحب التي يكبحها الغضب ، إلا أن قلب ريان لم يكن مضطربًا ، لقد كانت تتذكر جيدًا أنه قبل أيام قليلة كانت تشاهد ميران بعيون دامعة من خلال الزجاج بينما كان نائمًا ، في الحقيقة لم تستطع أن تنسى ، لقد شعرت بألم ، لم يكن من الممكن النسيان حتى

"ملفكَ الجنائي أكبر من أن تتحدث حتى عن الموت" ، كسرت الصمت و اجتاحت عيناها موجات من الخوف ، ارتفع إصبع سبابتها و سقط على شفتي الشاب ، " لا تجرؤ على الحديث عن الموت مرة أخرى "، حبس ميران الإصبع الذي على شفتيه في راحة يده ، "أنت محقة صغيرتي" ، بعد القبلة اللطيفة التي طبعها على أطراف أصابع ريان تمتم بصوت منخفض ، " لقد أجتمعنا معًا للتو" ، جنبًا الى جنب مع يد ريان ، وضع يده على بطنها ، "الى أين سأترككم و أذهب ؟ " بينما كانت ريان تغطي يدها الأخرى على يد ميران ، كانت عالقة في عينيه ، كانت مع الرجل الذي تحبه

لقد انتهت الأيام التي كانا فيها على بعد أميال عندما كانا على بعد نفسٍ بعيدًا عن بعضهما البعض في هذه الغرفة ، انتهى الشوق ، لم يعد هناك المزيد من التحطم ، لا مزيد من الاحتراق ، "ماذا حدث ؟" ، سأل ميران ، حقيقة أن ريان كانت تنظر إليه شاردة الذهن كان يجعله متوترًا ، "أنا أفكر" ، لم تستطع أن ترفع عينيها عن المحيط الذي كانت تغوص فيه ، أغلق ميران كفه على خذ ريان ، "بماذا تفكرين ؟ "

"في المرة الأولى التي رأيتك فيها "، في ليلة ذلك اليوم الذي تغيرت فيها حياتها كليًا ، في منتصف ، عندما كان الأرق يتراكم مرة أخرى في عينيها ، فتحت ستارة غرفتها و حدقت في السماء ، لم تكن بعد قد لاحظت الشاب الذي يراقبها من داخل السيارة

"لقد كانت تمطر في تلك الليلة ، كنت جالسة على عتبة نافذتي ، أشاهد السماء"، تمتت و هي تبتسم ، "كان هناك رجل لا أعرفه..."، ابتسم ميران بدوره لأن ذلك الرجل لم يكن أحد غيره ، كان ذلك هو اليوم الأول الذي بدأت فيه هذه القصة الحزينة ، اليوم الأول أخذ نذوره ، اليوم الأول الذي أدرج فيه ريان في لعبته ، في اليوم الأول لم يستطع إسكات الرجل السيئ الذي في داخله ، بالتفكير في كل هذا ، اتخذت ابتسامته شكلاً مؤلمًا ، "في سبتمبر" وتابعت ريان ، "دقائق قبل نهاية اليوم ، كانت المرة الأولى التي أرى فيها عينيك ، في المرة الأولى كرست حياتي كلها لتلك العيون" ، عندما سلمت حياتها لأول مرة لكذبة ، عندما تم خداعها لأول مرة ، كان صوتها الداخلي يستمر في قول هذا ، لا يمكن لأي كذبة أن تكون جميلة و حقيقة هكذا ، ابتلع ميران كلماته حتى لا يحرق نفسه و استمرت تلك الابتسامة المؤلمة على شفتيه و هو يلف يده حول شعرها الأسود مثل سواد الليل ، عندما خدعها لأول مرة ، في المرة الأولى التي نسي فيها رجولته ، في المرة الأولى التي سلم نفسه للنذالة ، لكنه لم يستطع أن يقول ذلك ، لم تكن تريد ريان أن تختنق بالذكريات المروعة للأيام السيئة الماضية ، فقط الأوقات الجيدة مع ميران هي التي كانت تتكرر في ذهنها ، لأن كل الذكريات المؤلمة التي تركها لها هذا الرجل قد مسحتها من عقلها اثناء انتظاره في غرفة العناية المركزة و الدموع في عينيها

ليكن الأمر كذلك ، فكر ميران ، بغض النظر عما إذا سامحته ريان فميران لن يسامح نفسه أبدًا ، " لقد كنت مخلصًا لك ، دون علم" ، ذلك الشعور الغريب الذي يسيطر على قلبه في كل مرة ينظر فيها إلى تلك العيون كان يدعوه بالانتقام ، من أين كان سيعرف أن السم الذي أثار غضبه كان أصددق دعاء يجاهد ليسقطه من شفتيه إلى قلبه ؟ من أين سيعرف ؟ بينما ظلت ريان صامتة تابع ميران ، همس : "في كل مرة أنظر إليك أقول لك نفس الشيء ، عيونك هي موتي" ، كان هناك حريق ينمو في قلبه بينما يضع شفاهه على جبهتها التي كانت على بعد نفس فقط

بعد فترة طويلة كان ميران يحترق بنار الحب و ليس بسم الانتقام ، أغمض عيناه بهدوء عندما رفع يده الأخرى و وضعها على خد ريان ، يريد الآن بلمساته المحببة أن ينظف جسدها الذي لوثه منذ زمن طويل بمشاعره القذرة ، يريدها ، بدون تخطيط ، بدون حساب ، بدون خجل ، التقت الشفاه التي كانت تكبح الشوق ، لمس الجسد المرتعش بين ذراعين مثل عصفور خائف ، و أزالت أصابعه رداءها من على كتفيها ، كلاهما مدينان الليلة بآلام العاطفة التي أحرقتهما إلى رماد ، الليلة ، الليلة ، يذبل القلبان المخدوعان ويحل محلهما القلوب المسحورة التي ركعت أمام نظرة واحدة

بعد ثلاث أشهر ، اعتادو القول أن الوقت علاج لكل شيء ، لكن وفقًا لريان لم يكن الوقت هو الحل لمعظم الجروح ، أم الوقت كان مخادعًا لدرجة أنه تجاهل بعض الناس و لم يمنحهم ما توقعوه ، مرت ثلاثة أشهر و لم يمنح لريان سوى ميران ، و طفلهم الذي لم يولد ، ابتسمت ابتسامة حزينة و هي تمرر يديها على بطنها ، سيكون لديهم ابنة ، لقد مرت فترة طويلة على يوم انتزاعها من ماردين في فصل الربيع و سقطت في أيدي هذه المدينة القاسية ، لقد كانت تشتاق الى صوت امها الذي يمكنها سماعه من الهاتف فقط ، حتى لو حاولت ألا تظهر هذا لميران لكن شوقها لماردين يحولها الى رماد ، لم تفتح فمها و تقل كلمة واحدة فقط لأنها تعرف جيدًا أن ميران لن يرسلها أبدًا إلى ماردين ، حتى لو أرسلها لن تذهب ، لأن أزاد قد صرخ قبل شهور أنه لن يقبل ريان في ذلك القصر مرة أخرى ، أما ميران فهو لا يزال يعتقد أن هزار شان أوغلوا هو من حاول قتله ، من المؤسف أنه يجهل الحقيقة و ريان كل يوم تُسحق تحت هذا السر الذي تخفيه

لا تعرف متى سوف يعترف هزال أنه والد ميران لكن في كل مرة تفكل في تلك اللحظة يصيبها بالقشعريرة ، حقا ما الذي ينتظره والدها حتى يعترف بالحقيقة ؟ ما الذي ينتظر ليقول لميران أنا والدك الحقيقي ؟ أم أنه لا يقبل بميران كإبن له ؟

توقفت فجأة الأغاني التي كانت تُشعل على الراديو لمدة ساعة ، و بناءًا على طب مستمع ، بدأت أعنية زارا في العزف ، فهمت ريان كلمات الأغنية التي لم تسمع بها من قبل ، عندما طُعنت في قلبها مثل السكين فهي لم تكن المرأة الوحيدة التي تعاني من نفس الألم ، و لن تكون أبدًا ، كانت على وشك البكاء و عضت شفتيها ، لماذا يعزفون مثل هذه المقطوعات المفجعة ؟ هل كانوا يفعلون ذلك عن قصد ؟ خاصة في يوم كهذا ، عنجما يجرح الشوق للوطن قلبها...، لن تتمكن من الذهاب الى ماردين مرة أخرى ، و لن تتمكن من الدخول من ذلك الباب ، لا شيء يمكن أن يكون كالسابق ، من يعرف متى سترى والدتها ؟ هل سوف تستطيع النوم مجددًا على ركبيتها ؟

لم تلاحظ حتى أن الحساء الذي يغلي كان يفيض عندما وقعت أرضًا على ركبتيها و بدأت بالبكاء ، لقد فاض الحساء و أطفأ النيران المشتعلة ، لم تستطع حساب الدقائق التي بقيت فيها هكذا ، حين علقا كلمات الأغنية التي تم تشغيلها في أذنها ، بكت و بكت

كان أول شيء فعلته عندما قامت من الأرض و هي في حالة دهول هو إيقاف تشغبل الراديو ، لم تستطع تحمل مثل هذه الكلمات ، و لم يعد هناك جدوى من تمزيق نفسها أكثر ، عنجما رأت أن الحساء كان يفيض تنهدت و أغلقت الموقد على عجل ، ثم نظر الى المشهد الذي أمامها بأسف ، لقد غرق كل مكان  ، كان هاتفها يرن في تلك اللحظة ، خرجت من المطبخ إلى غرفة المعيشة ، لابد أن ميران كان يتصل لأنه لم يتبقى سوى القليل على وقت عودته للمنزل ، ربما سوف كان يسألها إذا ما كانت تريد شيئًا ما ، عندما دخلت غرفة المعيشة و التقطت الهاتف من على طاولة القهوة ، تغيرت تعابير وجهها ، اندهشت ، لم يكن ميران أو أي شخص أخر هو المتصل ، بل كان هزار شان أوغلوا

مسحت وجهها المتبل بأصابعها ، تعرفت على الفور على رقم والدها فور رؤيته ، رغم أنها لم تقم بتسجيله في دليل الهاتف ، لقد كان الرجل يستخدم هذا الرقم لسنوات ، هذه المكالمة الهاتفية التي جعلت ريان تتردد ثم تقلل ، بينما كانت في المطبخ منذ ثواني تفكر في ماردين أصبحت مكالمة من والدها الآن تقلقها بشدة ، لأنه هذا الرجل لم يتصل بها من قبل ، لم يتصل ليسأل عن صحة ميران أو عن أي شيء آخر ، كانت تتساءل بجنون عما سيقوله والدها و أيضًا يمكن أن يأتي ميران في أي وقت ، كانت قلقة من أن الاتصال سوف ينقطع و هي تحدق بالهاتف

" نعم ؟ "، كان صوتها يرتجف ، لحسن الحظ أن نبرة الصوت الهادئة من الطرف الآخر كانت تريحها ، "كيف حالك يا ابنتي ؟"، سأل هزار شان أوغلوا ، كم هذا غريب ، في الحقيقة هذا الرجل لا يسأل قط عن أحوال المرء ، " أنا بخير" ، تمتمت ريان ، لكنها شعرت و كأن هناك كتلة قد استقرت في حلقها ، "و أنتم؟ "، أخذ هزار شان أوغلوا نفسًا عميقًا ، قالت بصوتها المرتعش : " أحاول أن أكون جيدة " ، توجه مبارة الى الموضوع الرئيسي

"كيف حاله ؟ ميران...، كيف هو؟ " كانت تعرف ريان أن الموضوع في النهاية متعلق بميران لكنها أرادت سماع ذلك ، "هل تذكرت للتو أن تسأل عن حالة ميران ؟" ، كانت نبرة صوتها قاسية قليلاً لكنها لم تهتم ، كان مؤلما جدًا بالنسبة لريان أن يتذكر الأب ابنه بعد ثلات أشهر ، ابنه الذي التقى به بعد ستة و عشرين عامًا ، " ماذا يعني ذلك ؟ " ، سأل السيد هزار ، كان صوته شديد التأنيب ، أخذت ريان نفسًا عميقًا لتهدأ ، كانت تداعب بطنها المنتفخ قليلاً بيدها الأخرى ، كلما انفجرت مشاعرها كانت طفلتها تتحرك كما لو كانت تفهم أن هناك خطب ما و ريان تشعر بالألم ، "كم شهر مرت منذ أن أصيب ميران ؟" ، سألت ريان و هي تخطو بضع خطوات و وصل الى الاريكة و ألقت بنفسها هناك

التحدث مع صاحب السر الذي كان يجعل قلبها يرتجف لأشهر جعل ركبتيها ترتعشان ، " لم تتصل لمرة واحدة ، لم تسأل ، لم تفعل شي لاجل ابنك ، يعتقد ميران أن من أطلق النار عليه هو أنت يا ابي ، ما هو الحق الذي لديك لتخدعه أكثر ؟ "، ساد الصمت على الهاتف للحظة يبدو أن والدها لم يتوقع منها هذه الكلمات ، " أنا لا أخدع أحدًا يا ابنتي " ، قال السيد هزار

كانت نبرة صوته عالية بعض الشيء ، لابد أنه كان غاضبًا ، "حتى لو التزمت الصمت و لم أفل شيئًا فهناك سبب ، كيف تعتقدين أنني لا أتساءل عن ميران و أني اخدعه ؟ "

سكتت ريان ، لم تكن تعرف ماذا ستقول في تلك اللحظة ، كانت تخشى كالموت من أن تخرج كلمة خاطئة من فمها ، و لم ترغب في الاساءة للرجل الذي كان أبًا لها حتى هذا العمر

"ألم أخبرك بالسر الذي اختفظت به عن الجميع ؟ "، سأل ، لم يستطع مقاومة نبرة اللوم في صوته ، ريان كانت تبكي و يدها الممسكة بالهاتف كانت ترتعش ، نعم ، لقد كان على حق ، في اليوم الذي فتح فيه ميران عينيه ، اليوم الذي امسكت به مع فرات في قبو ذلك المستشفى ، أخبرها هذا الرجل عن ماضيه المؤلم ، تابع كلامه بهدوء : "هناك وقت لكل شيء "

"أنا في انتظار الوقت المناسب ، أنا قريب جدًا من معرفة من أطلق النار على ميران و حينها سوف آتي إلى اسطنبول لكشف كل الأسرار"

"هذا الوضع صعب علي كثيرًا " ، قالت ريان بصعوبة ، "من الصب علي النظر الى وجهه كل يوم و اخفاء هذا السر " ، قال السيد هزار بتردد ، "أتذكر أنك قطعتي لي وعدًا يا ريان ، سيسمع الحقيقة مني أولاً ، هذا ليس من واجبك "

"أنت على حق" ، تمتمت ريان ، بينما تمسح عينيها المبللتين بظهر يدها الأخرى ، كانت اعلم أنه ليس من واجبها القيام بذلك ، ولكن في اليوم الذي يعلم فيه ميران الحقيقة ، كيف ستنظر ريان إلى وجه ميران؟ ، "هل لديك شيء آخر لتقوله ؟ "، سألت و كأنها تطلب الإذن ، يجب ليها إنهاء المكالمة قبل وصول ميران، "أخبريني ، هل يسبب لكم ذلك الرجل أي مشاكل ؟ "، كان يقصد السيد فاهيد عم ميران ، "لا "، قالت ريان بصدق ، " لقد أذبنا كل الجليد بيننا"

"أنا لا أثق في ذلك الرجل يا ابنتي ، انتبهي "

" لا تقلق "

بدا الأمر غريباً للغاية ، لكن عم ميران جاء واعتذر عن كل الإهانات التي وجهها إلى ريان وطلب المغفرة ، على الرغم من أن ريان تصرفت بشكل وهمي معتقدة أن هناك شيئًا ما وراء ذلك ، إلا أنها أدركت أن الرجل كان صادقًا وتراجعت عن الشك مع الوقت ، بعد كل شيء فهو يكون عم ميران ، لم يكن لديها الحق في قول أي شيء

"كيف حال حفيدي؟" تحولت ريان إلى اللون الأحمر فجأة ، بينما كانت يسحب يدها على بطنها انحنى رأسها خجلا و كأن والدها يراها ، ابتسمت: "إنه بخير أيضًا"

عندما حاولت النهوض من مكانها، أدار رأسه إلى اليمين وتجمد في مكانها ، إلى جانب الشعور وكأن كل الدم يسحب من جسدها شعرت كما لو كان دلو من الماء المغلي يتدفق على رأسها ،منذ متى كان ميران يقف هناك ويستمع إليها ؟ لم تكن يعرف ماذا تفعل حينها

لم تكن تعرف ماذا سمع ميران ، علاوة على ذلك لم يكن لديها أي فكرة عن كيفية الخروج من البئر الذي وقعت فيه في تلك اللحظة ، تسبب سماع صوت والدها على الهاتف بقلق ريان لأن مستوى صوت الهاتف كان مفتوحًا على مصرعيه و لسوء الحظ كان يمكن سماعه في الخارج ، "هل حدث شيء ما يا ابنتي ؟" ، عندما سمع ميران صوته انتشر الغضب مثل مرض خبيث في كل سطر من وجهه

صدر أمر غاضب من شفتيه ، "أعطني هذا الهاتف " ، تيبس جسمها عندما أمسك الهاتف من يدها و وضعه في اذنه ، لماذا كان هذا الرجل يتصل بريان ؟ ماهي مشكلته ؟ كان الأمر كما لو أن غضبه الذي كان نائم في صمت لفترة طويلة قد استيقظ من نومه و أضرم النار في كل جزء منه في لحظة غير محتملة ، شعر ميران أن كل مشاعره السيئة كانت تنمو داخله فجأة

"كيف تجرؤ على الاتصال بزوجتي ، أيها الوغد ذو الدماء القذرة"، ساد صمت عميق على الهاتف بعد الكلمات التي قالها ، غير مدرك للجرح الذي سيتسببه كل كلمة في قلب الرجل ، كان ميران يمسك الهاتف على أذنه ، في انتظار الرد ، وعيناه كانتا على زوجته التي كانت ترتجف مثل ورقة الشجر أمامه ، هل كان ريان يتحدث مع ألد أعدائه عندما لم يكن ميران في المنزل؟ ، لم يكن هناك صوت يخرج من الرجل الذي يعرفه على أنه قاتل والده و لديه ضغينة تجاهه لسنوات ، أثار هذا غضب ميران بالأكثر

لم ينسى كذلك أنه حاول قتله قبل ثلاثة أشهر ، لكن هذا الرجل يتصل الآن بإبنته التي لم يسأل عنها منذ شهور دون أي خجل ، عندما قال ميران ، "حسابي معك بدأ يزداد أيها السافل شان أوغلوا" ، لم تستطع ريان الصمود أكثر حينها

التوتر الذي شعرت به بسبب اندفاعها وخوفها ، وكذلك ثقل كلماته ، جعلها تعض شفتها ، " لقد كتبت هذا جانبًا ، لا تجرؤ على الاتصال بريان مرة أخرى ، لأنني قد أخذتها منكم منذ وقت طويل " ، وجه نظره الى ريان عندما سحب الهاتف من أذنه بعضب و ألقاه على الكنبة كما لو كان يرمي به بعيدًا ، كان على وشك فتح فمه و يقول شيئًا ما عندما تصرف ريان أولا و قالت مرتجفة ، "أنت لم تأخذني من أي أحد، مكثت هنا معك لأني أحبك ، كان بإمكاني الذهاب إذا أردت ذلك لكنني لم أفعل ، أنا لست سلعة رخيصة اشتريتها "، كانت ريان تذرف الدموع بينما كان ميران ينظر اليها في دهشة

مرة أخرى دون أن يتمكن ميرام من نطق كلمة واحدة ، رفعت اصبعها في وجهه ، "علاوة على ذلك و بغض النظر عما مررت به لا يمكنك الاساءة الى الرجل الذي قام بتربيتي " ، اندهش ميران من أنه استطاع التزام الصمت حتى هذه الجملة ، كما لو أن قيام ريان بعمل من وراء ظهره لم يكن كافيًا فإن حقيقة وقوفها أمامه و الدفاع عن ذلك القاتل قد دفعه الى الجنون

"إذن أصبح والدك الآن ، هاه ؟" سأل بهدوء مخيف و بعد ذلك مباشرة صرخ بصوت عالٍ حتى انفجرت جميع الأوردة في رقبته ، "ألم يعطيك ذلك الرجل الذي تسمينه أبيك إلى رجل لم يعرفه قط أبدًا ؟" ، لقد كان يقصد نفسه بذلك الرجل الذي لم يعرفه قط ، كان ميران عالقًا في لعبة الانتقام هذه في ذلك الوقت لدرجة أنه لم يستطع التفكير في أي تفاصيل من التفاصيل الدقيقة

هل يمكن أن يكون هناك أب لا يعترض على زواجهم المتسرع ؟ إذا كان ميران قد فكر في كل هذا في ذلك الوقت لكان أدرك أن ريان لم تكن ابنة ذلك الرجل ، و كان سيمنع حدوث كل هذا ، صدمت ريان بكلمات ميران ، إذن كان يفكر بهذه الطريقة ، بأن والدها أعطاها لميران لأنه يريد التخلص منها...هل لهذا كان يعاملها و كأن غرض؟ هل هذه هي قيمتها عنده ؟ في الواقع كان هناك الكثير من الكلمات لقولها حول هذا الموضوع ، لكنه لم يكن لا الوقت و لا المكان المناسب

من بداية أطراف شعرها الى نهاية قدميها ، شعرت ريان بالإهانة ، ربما هي أيضًا كسرت ميران دون أن قصد ، وفقا له كان هو الوحيد الذي كان على حق ، ابتسامة مؤلمة ارتسمت على شفتيها ، شدت أسنانها ، " لم يكن ذلك لأنه لم يحبني أو لا يريدني يا ميران ، لقد سلمني لك بسبب ثقته بك ، لم يكن يعرفك ، لم يكن يعرف أن ستقوم بإهانتي"

"مازلت تدافعين عن ذلك الرجل " ، صرخ ميران ، لم يستطع تصديق أنهم كانوا يتحدثون عن هذا الآن ، كيف يمكن لريان أن تقول ذلك رغم معرفتها أن ذلك الرجل حاول قتله ؟ "قبل سنوات ذلك الرجل قد قتل والدي ، و الآن حاول قتلي..."، قاطعت نبرة ريان الغاضبة كلماته ، "ذلك الرجل لم يحاول قتلك "، ابتسم ميران في دهشة ، تحت تلك الابتسامة كان هناك رجل على وشك الخروج من نطاق السيطرة و بالكاد كان يمكن احتواءه ، "هل يمكنك اثبات ذلك ؟ هل يمكنك اثبات أن ذلك الرجل لم يفعلها ؟"

"حسنا ، ماذا عنك ؟ " ، سألت ريان و هي تهز رأسها ، " هل يمكنك اتباث أن من أطلق عليك النار هو والدي ؟" ، كانت ريان تعرف جيدًا أن ميران كان يحاول منذ شهور إثبات هذه الكذبة التي صدقها بشكل أعمى ، لكن لم يكن لديه دليل يثبت به ما صدقه ، عكس ريان ، كان السر الأكثر إثارة للصدمة الذي تحمله في قلبها منذ ذلك اليوم هو أكبر دليل على أن هزار شان أوغلوا لم يلمس شعرة من ميران ، كيف يمكن لرجل كان يكافح النار بداخله لأشهر أن يؤذي شخصًا يشتبه في أنه ابنه؟

"لا يمكنك ذلك " ، قالت و هي تفتح يديها على الجانبين ، "لا أحد يستطيع اثبات أي شيء ، يتبقى لنا فقط ما قمنا بكسره "، قبل أن تتمكن من قول أي شيء أخر للرجل الذي يقف أمامها ، مرت بسرعة من جانبه ، عندما أدارت ظهرها له وضعت يديها على شفتيها لمنع التمرد الذي كان على وشك أن ينفجر من لسانها في أي لحظة ، لقد انكسرت مرة أخرى ، ألم يكن من الواضح أن هذا سوف يحدث ؟ إلى متى سيتمكنون من مقاومة الماضي ؟ لقد بدأ كل شي بشكل مكسور ، كما قالت ريان هل سيكون نهاية كل شيء بشكل جيد ؟ مع ذلك فإن ريان وقفت بجانب ذلك الرجل أمام ميران لأجل ميران نفسه ، و ليس لأجل نفسها

كانت ريان تكافح حتى لا يخجل ميران من الكلمات التي قالها عندما يعلم أن هزار يكون والده الحقيقي ، كانت تفعل كل شيء لأجل ميران ، كانت تمسك بالنحيب الذي حبسته بين شفتيها و أصابعها رغم أنه يؤلمها ، كانت تدعو ألا يتبعها ميران عندما توجهت نحو الدرج ، لأنها لم تكن تستطيع تحمل المزيد ، لا تستطيع تحمل أن تجرح أكثر الرجل المصاب الذي تراه في تلك العيون الزرقاء ، ميران لن يستسلم

بمجرد أن تخلص من ثقل الكلمات التي كانت ضربته على وجهه مثل الصفعة ، سار خلف ريان ، عندما سقطت نظراته على ريان التي كانت تصعد الدرج فرك ذقنه بشدة ثم أتخذ خطواته نحو الدرج ، و بينما كان على الرج الذي كان يتسلقه بسرعة سمع باب غرفة النوم يغلق ، "ريان" ، كان غضبه الحارق الذي لم يتوقف أبدا يتفشى داخله لدرجة أنه لم يكن يعرف من و كيف يخفف آلامه

لو كان ذلك الرجل الذي يدعى هزار شان أوغلوا أمامه الآن فإنه بلا شك سيفرغ كل غضبه عليه ، كان الأمر كما لو أن هذا الرجل يتمتع بحاصنة ، لم يستطع ميران فهم الأمر ، مهما فعل ميران لم يستطع أن يلحق به الأذى و نتيجة لكل تحركاته كان هو من يتآذى

عندما وصل إلى باب غرفة النوم توقف و أخذ نفسًا عميقًا و أقسم أنه سيبقى هادئًا و لن يكسر قلب ريان أبدًا ، كانت مستاءة للغاية ، مصابة ، ضعيفة ، و علاوة على ذلك ، كانت حامل ، كان ميران خائفًا حتى الموت من إيذائها ، لكن كما تعلمون فاللسان ليس به عظام ، لم يستطع التحكم بنفسه و كل كلمة منه قامت بتمزيقها ، كم كان كل شيء بلا معنى

أمسك مقبض الباب برفق بأصابعه ، لكن الباب الذي أراد الوصل إليه لم يُفتح ، من الواضح أن ريان قد أقفلت الباب و لا تريد رؤيته ، هل هذه هي الطريقة التي ستنتهي بها هذه الليلة ؟ ، "ريان ، افتحي الباب ، لنتحدث أرجوك "، تمتم ميران ، كانت ريان في الداخل تجلس على السرير و تبكي في صمت ، لماذا انقلب كل شيء في حياتها رأسًا على عقب و ليس هناك شيء يسير على ما يرام ؟ كانت الصوت المشتت للإنتباه القادم من أمام الباب أشبه برحلة إلى قلبها الجريح

الآن تفكر ، هل كانت غير عادلة بخصوص الكلام الذي قالتها لميران ؟ ربما ، لم تكن تعرف من هو الجاني ، ربما كانت هذه هي الطريقة التي ستسير بها الأمور حيث ثم الماضي الذي تمسك بهم مثل وحش شرس أمامهم ، سيحترق البعض و سيتحول الى رماد ، لكن النار لن تنطفئ أبدًا ، "ألن تفتحي هذا الباب ؟" ، عندما سمعت صوت ميران تنهدت بعمق و غطت وجهها بيديها ، كانت تبكي و لم تكن تريد أن يراها ميران في تلك الحالة ، "لا ، اذهب من هنا" ، قالت بصوت أجش ، "لن أذهب إلى أي مكان حتى تفتحي الباب " ، أصر ميران ، "لم تتعبي من إغلاق الأبواب في وجهي و أنا كذلك لن أتعب من انتظار فتح تلك الأبواب"، استسلمت ريان و سارت بخطوات ثقيلة ، مع كل خطوة تقوم بها كان بكاءها يزداد

وقفت أمام الباب وأدرات القفل وفتحت الباب ، بدت عيون المحيط التي رآتها خلف المدخل كأنها نقطة الخروج من تلك المتاهة التي داخلها ، في مرة تكون عالقة فيها كانت قطرات المطر تتساقط على أعمق جزء من تلك العيون ، و كانت يد رقيقة تداعب الجرح الذي في قلبها ، عندما استدارت انزلق ميران من الباب ، كان الظلام في الداخل ، لم تعرف سبب رغبتها في أن تكون بمفردها في هذه الغرفة المظلمة ، لكنها لن تضيء الأنوار ، على الأقل كان الضوء المتسرب من الممر كافياً لرؤية بعضنا البعض

"هل تتذكر ؟" ، سألت ريان و هي تقف أمام النافذة و عقدت ذراعيها الى صدرها ، تنظر من النافذة ، "لقد وعدتني قبل بضعة أشهر ، قلت إن كل شيء سيكون على ما يرام "، التزم ميران بوعده لكن ريان كانت على حق كذلك ، فلا شيء يسير على ما يرام و لا شيء يتحسن ، ظل صامتًا و استمر في الاستماع الى ريان لأنه كان يعلم أن الكلمات التي ستنكسب من شفتيه ستبب المتاعب ، و انحنى للكلمات الصحيحة التي كانت ستنسكب من شفتي المرأة التي أحبها ، هل كان ميران مخطئًا ؟

قالت ريان ، صوتها كان منخفضًا جدًا ، ولم تتجنب أنها كانت تبكي: "لا ينجح الأمر حتى لو حاولت ، "الوقت رياء والصبر جاحد ، ألا ترى ؟"، أستدارت و اتخدت بضع خطوات تجاه ميران و نظرت الى عيونه ، "أنت تريد مني أن أحذف عائلتي ، لا أستطيع فعل هذا ، إنهم كالهواء الذي أتنفسه ، ألا ترى ؟" ، بكت ريان ، كل كلمة من ميران اخترقت جراحها ، لم تستطع أن تترك ميران وراءها و لا أن تتوقف عن الاشتياق لعائلتها ، يا له من مأزق مؤلم كان هذا ؟ قال ميران وهو يهز رأسه : "أنا أرى، لكنني مرهق أيضًا، ذلك الرجل أحرق طفولتي "، بعد ذلك كانت كل سنواته مشتعلة ، بغض النظر عن ذلك الرماد فإن تلك النار التي بدأت في طفولته لن تنطفئ أبدًا

"أنتِ زوجتي و..." قاطع صوت ريان القاسي كلماته ، قالت ريان و الدموع تنهمر من عينيها ، "أنت لست زوجتك"، ألم ينعث والدها بالحقير و النذل شان أوغلوا ، "أليس صحيحًا؟"، صرخت ريان ، بينما لم يرفع ميران نظراته المظلمة عنها للحظة واحدة ، طرحت عليه سؤال جعل أوردته تنفجر ، "قل لي يا ميران ، ماهو لقبي ؟"، لم يرد ميران على هذا السؤال ، سيموت ولن يجيب عليه ، كل ما كان يمكنه فعله هو محاولة التحكم بغضبه

"شان أوغلوا" ، صرخت ريان  وهي تفتح ذراعيها ، "هل تذركت ؟ شان أوغلوا السافل" ، كانت غاضبة ، مجروحة ، غاضبة...، كانت أسوأ المشاعر التي يمكن تخيلها هي التي تكسر قلبها ، كما كانت تشعر بالغيرة ، لأن لقب ميران لا يزال ينتهمي إلى جونول و ليس ريان ، لم تكن تعرف حتى إذا كانت ستتزوج من ميران يومًا ما ، و يقول أيضًا أنها زوجته...، فقدت ريان صوابها و السبب الوحيد لذلك هو أن الألم الذي كانت تحبسه داخلها لفترة طويلة قد خرج ، كما كانت هرمونات الحمل تجعلها تشعر بكل عاطفة في ذروتها ، و عندما تغضب ريان تتوقف عن التصرف بحكمة

وضع الشاب كفه على شفتيه ثم فرك وجهه عدة مرات ، كان يضغط على نفسه و يقاوم ليبقى هادئ ، كانت ريان حاملاً و مضايقتها كانت آخر شيء يريده ، لكنها كانت تضغط عليه و تحرق روحه و تضع جريمته أمامه مرة أخرى ، قال من خلال أسنانه المشدودة ، "اصمتي يا ريان" ، عندما رفع إصبعه في وجه ريان صرخ هذه المرة بغضب ، "أصمتي" ، لم تكن تنوي الصمت "من الصعب عليك سماع الحقيقة أليس كذلك ؟ "، هذه الحقيقة كانت تدخل الى كوابيسه حتى

لم تكن تريد أن تلد ابنتها بهذه الطريقة ، لم ترغب في إنجاب طفل غير شرعي من رجل لم تكن متزوجة منه رسميًا ، "ماهي مشكلتك؟" ، سأل ميران ، "ألم أقل لك أن تتحلي بالصبر ؟ تعلمين أنني سوف أطلقها"

"لقد خدعتني يا ميران" ، صرخت ريان ، بينما كانت قد أغلقت ذلك الكتاب في اليوم الذي أصيب فيه ميران ، أو ربما كانت تعتقد ذلك فقط ، لقد سامحته و نسيت الخيانة التي ارتكبها ، لكن ريان قد فهمت في تلك اللحظة أن المرء لا ينسى فقط بقول كلمة 'لقد نسيت'

"على الرغم من أنك متزوج بالفعل..."

"نعم" ، صاح ميران ، "لقد خدعتكم" ، كان يعلم أنه لا توجد كلمات إنكار و لن تنقذه صيحات الندم الليلة ، متى كانت قد أنقذته؟ ، "قتلتك مرة ، لكنك قتلتني ألف مرة بكلماتك"، حول نظراته و خطواته نحو الباب ، كان ممزقًا ، لم يكن يريد أن يرى المرأة التي تركها وراءه الليلة ، لقد أصيب بجروح شديدة لدرجة أنه عندما نظر إليها كانت كل نظرة منها بمثابة مشرط يخترق قلبه الذي كان ينزف بالفعل ، استدار و نظر إليها مرة أخيرة قبل أن يخرج من الباب و نطق بكلمات جعلتها تندم على كل كلمة قالتها للتو ، قال بنبرة استياء ، "أنت تحبين قتلي يا ريان "، كانت كل ذرة منه تصرخ بإنكسار ، "أخبريني كم مرة يجب أن أموت بعد؟"

ريان لم تستطع تحمل ذلك ، ماذا فعلت للتو ؟ لماذا لا تستطيع أن تمسك لسانها السام ؟ لماذا وجهت مشرطًا آخر للرجل الذي قالت أنه سامحته ؟ شبكت يديها على بطنها و هي تبكي ، كان ملجأها الوحيد هو طفلتها ، كان من الغريب أيضًا أنها ندمت على كلماتها في غضون ثوانٍ ، كل كلمة قالتها قد انقلبت عليه ، حطمت قلبه ، لم تكن تعرف المدة التي مرت وهي في تلك الحالة ، و لم تكن تعرف مكان وجود ميران ، لكنها لن تترك هذه الليلة تنتهي بهذا الشكل

لن تستسلم لشعور الاختناق الذي كان ملفوفًا حو حلقها مثل يد قوية ، سوف تشفي الجروح التي أحدثتها ، وقف و مشت بسرعة إلى الحمام و بكت أكثر عندما نظرت إلى صورتها في المرآة ، بعد فتح الصنبور و رش الماء على وجهها ، جففت نفسها بمنشفة و خرجت من الغرفة بإتجاه الدرج ، صرخت بصوت ضعيف "ميران" و هي تسير خطوات واحدة تلو الأخرى ، "أين أنت ؟" ، نظرت الى اليسار و اليمين بلا حول ولا قوة و هي تنزل الدرج ، نظرت الى المكتب و غرفة المعيشة و المطبخ و حتى غرفة الضيوف ، عندما لم تجد ميران في أي مكان تركت الغرفة ، أدركت أن الباب الخارجي كان مفتوحًا ، يبدو أنه بالخارج...لقد كانت مترددة في الذهاب إلى الرجل الذي كانت تبحت عنه للتو

كيف ستقف أمامه ؟ ما الذي ستقوله ؟ عندما ألقت بنفسها خارجا دون تدد أكثر ، غلف صقيع المساء جسدها المغطى بملابس رقيقة ، كان ميران يدير ظهره لها و يداه في جيوبه ، خطت خطواتها نحوه بخجل ، كانت تبكي و لم تكن تستطيع منع نفسها ، كانت هذه هي المرة الأولى التي تغضب فيها و تكره نفسها بشدة بسبب الكلمات الجارحة التي قالتها ، "ميران..."، قالت اسمه بصوت منخفض لدرجة أنها لم تكن متأكدة مما إذا كان ميران قد سمعها ، لفت أصابعها حول ذراعيها بشكل لا إرادي ، فقط بضع ثوانٍ كانت كافية لتشعر بالبرد

"أنا آسفة " ، الرجل الشاب لم يرد ، الغضب العميق والاستياء الهائل وضع بينهما حواجز لا يمكن التغلب عليها الآن ، لم يكن يعتقد أنه قوي بما يكفي للنظر إلى وجه ريان مرة أخرى الليلة ، "ألا تسمعني ؟"، صرخات الندم التي خرجت من صوتها الدامع تؤذي روحه ، "أنا آسفة للغاية"

"ادخلي إلى الداخل يا ريان "، قال ميران ببساطة ، الهواء البارد لم يكن ليلمسه لكنها كانت ستشعر بالبرد ، مرة أخرى لم يستطع ميران التفريط فيها ، سوف يتألم مرة أخرى ، سوف يحترق مرة أخرى ، "لن أدخل حتى تنظر إلي..."، تركت ريان كلماتها غير مكتملة عندما نظر ميران إليها فجأة من فوق كتفه بنظرات غاضبة ، "لقد أخبرتك أن تدخلي"، عندما رفع ميران إصبعه وأشار إلى المنزل ، كان صوته مرتفعًا جدًا ، وذهلت ريان ، "لا تزعجي هذا الرجل الذين ليست لك صلة به "، هزت ريان رأسها ، ما الذي سوف يتغير إذا دخلت للمنزل ؟ حتى أنها لن تكون قادرة على التنفس خلال الثواني التي كان فيها ميران مستاءًا منها ، لا يهم إذا كان غاضب أو إذا كان يصرخ ، سوف تنتظر هناك حتى يقتنع ميران

اقتربت منه ريان و رفعت ذراعيها و و امسكت كتفيه بيديها و وضعت رأسها على ظهره ، "أنت كل شيء بالنسبة لي"، كانت يدي ريان لا تستطيع أن تلف جسده لكن كان ميران يصغر حجمه أكثر فأكثر ، بدا الأمر كما لو أن روحه تتناسب مع راحة يد ريان ، و كأنها كانت تسند رأسها على قلبه لا على ظهره ، هذه المرأة لا تعرف شيئًا ، "أنا لا شيء بالنسبة لك "، صرخ بألم ، أغلق عينيه وضغط أصابعه على مقل عينيه ، ولكن كم كان من الصعب نطق هذه الكلمات .. ولكن اللسان لم يصمت ولم يكن مقيداً ، كانت ريان تعاقب بسبب كلماتها التي لم تستطع التعامل معها ، "لا...أنت كل شيء بالنسبة لي" وقع إنكار آخر في الحفرة ، اعتراف آخر

في اللحظة التي استدار فيها ميران ، انتزع يد ريان من كتفيه و رأسها من على ظهره ، في اللحظة التي التقت فيها عيونهم أخذت ريان يد ميران ، "لا تغضب مني "، بالكاد كانت تستطيع الكلام ، "لم أكن أعرف ما أقوله ، حدث كل شيء في لحظة..."، عندما وضع ميران إبهامه على شفة ريان ، كانت الكلمات العالقة في فمها مؤلمة ، مرة أخرى استسلم ميران ، بعد كل شيء لم يكن يستطيع أن يدير ظهره لريان ، هو الذي جعلها تنطق بتلك الكلمات ، لم يستطع أن يظل غير مبال بهذه المرأة الصغيرة التي تقلصت فجأة و احتمت بجسده

عندما فتح ذراعيه عانق جسدها البارد و قال للمرأة التي بكت بين ذراعيه ، "أنت تعلمين أنني أنزف مع كل لمسة منك ، أنا أكره نفسي على كل ما فعلته بك ، أنت ترين ذلك"، لا ، لم يكن يقصد من كلماته أن يؤذيها ، "مازلت تقومين بحرقي ، أتحول إلى رماد، ثم تأتين و أنبعث من الأمان التي قُتلت فيها "، كانت ريان تبكي عندما التزم الصمت بالضغط على شعرها بشفاهه ، شتم هذه الحياة التي وضعت بينهم المسافات و المصير الذي وضع المشاكل في طريقهم و الظروف التي أجبرته على الاختيار

النتيجة لم تتغير بغض النظر عن مدى انحناء رقبتها و مهما كانت ذراعها مكسورة ، فإن كل طرقها تؤدي إلى هذا الرجل ، في تلك اللحظة سقط سؤال دمر ريان من شفتي ميران ، "ماذا لو في يوم من الأيام عندما تقتلينني لم استطع الانبعاث مجددًا ؟"


رواية زهرة الثالوث الكتاب الثاني مترجم للعربية


Reactions:

تعليقات