رواية داخل العملة : الميلياردير الجائع
مجددا المكان مزدحم هنا في العيادة ، هناك
مرضى جاءو من الأناضول دون أخذ موعد و أغلبهم ليس لديهم مكان للبقاء في أنقرة ، يجب
أن أفعل المستحيل و أنهي عملي معهم لكي يستطيعوا العودة الى منازلهم ، الهاتف يرن
دون توقف و تونا لا توصلني الا مع الحالات العاجلة فقط ، و تطلب معاودة الاتصال في
المساء لكنهم يغضبون ، في نظرهم يجب عليهم الوصول الى الطبيب في أي وقت ، من الصعب
أن تكون طبيب لأنه ممنوع عليك أن تمرض ، أتذكر جيدًا أنني جعلت على هذا الكرسي مع
درجة حرارة تصل الى تسعة و ثلاثين درجة
كان أحد أهم الأسباب
التي دفعتني إلى ترك جامعة هاسيتيب هو أن أكون حرة وأن أضع القواعد الخاصة بي لحياتي
، منذ اليوم الأول الذي فتحت فيه العيادة ، لم أعمل أيام الثلاثاء والخميس والأحد
، هذه هي أيام عطلتي ، و بما أنني اتخذت هذه القاعدة بنفسي ، سألتزم بها حتى النهاية
، في أيام أخرى حتى لو كنت مريضة أو متعبة جدًا ، سأكون في عيادتي حتى أنتهي ، وإذا
لزم الأمر ، أغادر متأخرة جدًا
الذي كان
يشتكي أثناء انتظاره و كم بقي المريض في الداخل ، بمجرد دخوله ينسى المتواجدين في
الخارج ، فالنسبة للجميع مشكلة كل واحد أهم بالنسبة له و أنا أفهم ذلك ، بينما
أفكر بهذا تندفع تونا الى مكتبي مسرعة
"أحضروا مريضًا
فاقدًا للوعي ، رجل شاب ، لقد أحضرته السكرتيرة الموجودة في المكتب السفلي بمساعدة
زوجها ، و كان معه أقرباء له من بعيد..."
" حسنا
عزيزتي ، أدخليه "
" لا
أستطيع ، لم يكن بوعيه فأدخلته الى غرفة الشخصيات الهامة (VIP)
" هل هذا المكان مستعجلات ؟ لماذا لم يأخذوه الى المستشفى
؟"
" أنا
أيضا لم أفهم ، لقد قلت لهمنفس الشيء لكنم قالو أن مشكلته نفسية "
" حسنا
أنا قادمة "
أتجه إلى الغرفة
المجاورة ، نسميها غرفة كبار الشخصيات لأن السياسيين والإعلاميين والبيروقراطيين الذين
لا يريدون أن يأتوا إلى هنا ينتظرون في هذه الغرفة ، طفل أشقر يرقد على الأريكة الطويلة
في هذه الغرفة التي بلون السلمون ، لقد تلاشى لون سرواله الأسود وقميصه من الشمس ،
يديه متعبتان للغاية ، على الرغم من صغر سنه ، فمن الواضح أنه يعمل في وظائف صعبة
تخبرني أيدي المرضى
بالكثير من الأشياء ، على سبيل المثال ، فإن أيدي مرضى الفصام (الانفصام ،
الشيزوفرينيا) تشبه أيدي طفل ضخم ، كما لو
أنها لم تستخدم أو تعمل من قبل ، الزوجان الذين كانا ينتظران بجانبه في حالة توتر
" بالشفاء
العاجل ، ماذا حدث لهذا الشاب؟ "
" نحن
أيضا لم نفهم ، لكن يبدو أنه يمر بصدمة و نحن لم نتحمل و قمنا بإحضاره الى هنا
"
في البداية
أقوم بقياس ضغط دمه ، منخفض جدا علاوة على ذلك أنه بارد كالثلج و يتعرق و شاحب
أيضا ، هل انخفضت نسبة السكر لديه يا ترى ؟ أطلب من تونا أن تحضر القليل من مياه
السكر ، و أضع وسادتين تحت رجليه لكي يصل الدم الى دماغه ، أسأل عن اسمه و يقولون
انه 'مصطفى'
" مصطفى
هل تسمعني ، اذا كنت تستطيع أن ترفع رأسك قليلا لقد أحضرنا لك ماء بالسكر ، يجب أن
تشربه "
يفتح عنيه الزرقاء اللامعتين قليلا و يشرب
كأس الماء و إن كان بصعوبة ...، يبدو أفضل قليلا الأن ، ينظر حوله بحيرة
" هل أنت جائع يا مصطفى ؟ "
لم يجب ، كان ينظر باستغراب و دهشة ، أريد أن
تتحسن حالته بسرعة فوقتي ضيق لكن حالة الشاب تؤثر بي ، يبدو أن لديه مشكلة جدية ،
من الأفضل أن أخذه الى مكتبي و أتحدث معه ، قد يفقد وعيه بسبب الجوع...
" تونا أحضري الفطائر التي أحضرتها
اليوم ، هل الشاي موجود ؟ "
" موجود سيدتي "
" جيد ، أحضري الشاي أيضًا"
" لكن المرضى ينتظرون "
" فلينتظرو ، من لديه عجلة يمكنه الذهاب
، يجب أن أهتم بهذا الشاب ، هيا يا مصطفى لنذهب الى غرفتي ، يمكنك التمسك بي
"
يحاول أن يمشي دون مساعدتي ، لقد عاد الى
وعيه لكن يبدو أنه شاب خجول ، أمسكه من ذراعه و أساعده حتى يجلس على الكرسي ، و تونا
قد أحضرت الفطائر و الشاي
" مصطفى ، لقد انخفض ضغط دمك و أحضرنا
لك شاي بالسكر اشربه و تناول الفطائر ، لا يمكنك أن تجد مثلها في أي مكان فالسيدة
تونا بارعة في تحضيرها ، تقوم بكل شيء بشكل جميل ، لهذا السبب هي سمينة قليلا ،
لكنها تتخذ حمية و هذه المرة تبدو مصممة "
أتكلم بدون توقف لأنني أريد أن يتخلص من خجله
في أسرع وقت ، تكلمي بهذه الطريقة جعله يرتاح قليلا ، يتناول الفطائر و يداه ترتجف
، اه يا لله يبدو أنه جائع جدًا ، يبدو في الرابعة أو الخامسة و العشرين من عمره ،
أن يكون شاب في مثل عمره يتجول جائعا في انقرة عار على كل واحد
منا
" كيف حالك الأن ، تبدو في حالة
أفضل..."
يصمت ، لم أسمع صوته حتى الأن ، ماهي مشكلة
هذا الشاب يا ترى ؟ هل انفصل عن حبيبته ؟ أم أنه هناك مشكلة مع عائلته ؟ الآن سوف
أطرح عليه سؤال سهل ، أتمنى أن يجيب عليه
" من أين أنت يا مصطفى "
" أنا من البحر الأسود "
" متى جئت الى أنقرة ؟ "
" منذ يومين "
" أين تبقى"
"..."
" هل جئت الى انقرة لأجل العمل ؟ "
" تقريبا "
" هل تم الأمر ؟ "
" تقريبا"
" يبدو أن متعب ؟ "
" أجل متعب "
" ماذا عن النوم ؟ "
" لم أنم "
" ألم تنم منذ يومين ؟ "
" لم أنم منذ أربعة أيام "
" هل تناولت الطعام على الأقل ؟ "
" لا لم أتناول "
"ماهو الشيء الذي أزعجك الى هذه الدرجة
؟"
" إزعاج؟"
" لم أفهم سبب المشكلة ، لم تنم و لم
تأكل منذ أربعة أيام ، علاوة على ذلك أنت متعب جدًا "
" من شدة حماسي أصبت بصدمة و لم أتجاوز
الأمر حتى الآن ، الآن لا أعرف ماذا أفعل ، يجب أن أبدأ من مكان ما لكن من أين ؟
"
" مصطفى أشرح لي الأمر ، لو أعرف ما الذي
حدث ربما سوف أستطيع مساعدتك "
يخرج من جيبه قطعة ورق و ينظر اليها مطولا ،
و بعدها يمدها لي ، إنه شيك...، شيك بمبلغ 819
مليار باسم مصطفى ، أنظر الى الشيك مرار و تكرارا ، هل قرأته بشكل خاطئ يا ترى ؟ الآن
حان دوري لكي أصاب بصدمة ، لا أعرف هل ابكي أم أضحك ، أنظر الى مصطفى بحيرة لكنه
يخجل و يحني رأسه ، ماذا يحدث يا ترى ؟ أم أنه يجلس أمامي ميلياردير جائع ؟ يسود
صمت طويل في الغرفة ، و بعدها يبدأ بالحديث بصوت بالكاد يُسمع
"لقد
ربحت باليانصيب ، حصلت على الشيك للتو "
" هنيئا
لك يا مصطفى لقد أصبحت غنيا و أنت بهذا العمر ، أتمنى أن تستعمل هذا المال جيدًا
"
" لا
أعرف..."
" أنت
محق ، الأن أفهم الصدمة التي تعيشها ، كيف حدث الأمر أخبرني "
" أنا عامل
، ليس هناك الكثير من الناس في حياتي و الموجودين هم في القرية ، أنا أكسب رزق قليل
، أنا أعمل من أجل الحد الأدنى للأجور ، أرسل نصف المال الذي أحصل عليه إلى القرية
، إلى أمي كل شهر، لا أستطيع أن أقول إنني عشت جيدًا ، كنت أزحف فقط ، و في إحدى
المرات كان العمال يلعبون اليانصيب و جعلوني ألعب أيضًا ، بينما كنت جالسًا في المقهى
مساء الأحد نظرت الى الجريدة ، لذا أخرجت القسيمة ونظرت إليها ، كان سيغمى علي
هناك ، احتفظت بقسيمتي و كنت الوحيد في تركيا الذي يعرف ، كنت خائف و لم أستطع قول
أي شيء لأي شخص ، هناك الكثير من الجياع حولنا و قد يقتلوني ، لم أستطع النوم منذ ذلك
الحين ، لقد جئت إلى هنا عن طريق اقتراض المال من اليمين إلى اليسار ، ثم وجدت أصدقائي
الذين أحضروني إليك ، لقد حذرتهم بشدة و اليوم أنجزت العمل و أعطوني الشيك ، تمكنت
من تدبر أمري حتى الأن و لكن بمجرد حصولي على الشيك شعرت بغرابة ، كنت أتقيأ و
بدأت أتصبب عرقا باردا و لا أتذكر ما حدث بعد ذلك و عدت الى وعي في مكتبك "
لا أعرف هل سأكون
حزين أم سعيدة ، يتألم قلبي على حالة الشاب
، لم يكن يعرف حتى كيف يفرح ، ولم يستطع مشاركة ما اختبره مع أي شخص ، كم هو وحيد و
في حيرة ، لا يعرف ماذا يفعل بالمال وهو خائف ، يخاف من أن يُخدع ويُقتل ، ربما هو
محق...
" حسنا ،
ألم تفكر في تناول الطعام ؟ "
" لا ،
لم يكن لدي المال و أيضًا هذه المدينة غريبة علي ، على كل حال الآن لدي أصدقاء
يعرفون ما حدث معي و سوف يساعدونني "
" هل تثق
بهم ؟ "
" لا
أعرف "
" هل سوف
تعود فورا الى القرية ؟ "
" لا
أعرف ، و كأن عقلي توقف ، كما أن مدة الإذن الذي اخذته من العمل قد انتهى ، يجب أن
أعود هذا المساء "
" هل سوف
تستمر بالعمل في نفس المكان ؟ "
" لا
أعرف ، يبدو أن هذا المبلغ كبير جدا فأنا لم أرى مليار واحد من قبل "
" هل
يمكنني أن أعطيك بعض النصائح ؟ "
" استغفر
الله حضرة الطبيب ، يا ليت أحدهم يخبرني بماذا أفعل "
" لماذا
ناديتني بالطبيب و ليس الطبيبة ؟ "
" لا
أعرف ، هكذا ينادون في منطقتنا "
" إلى اي
مستوى قرأت يا مصطفى ؟ "
" انهيت
المدرسة الابتدائية "
" باستخدام
هذا الشيك اذهب أولاً إلى أحد البنوك ، وقم بإيداع الأموال هناك ، و خذ بعض المال معك
حتى تتمكن من إنفاقه ، لا تتخذ قرارًا على الفور ، فكر لفترة ، ثم ابحث واستشر من يعرفون
بهذه الأمور ، ثم قرر ، إذا كنت تريد ، اصطحب أصدقائك لتناول العشاء ، و ابقى هنا
لبضعة أيام "
" حسنا ،
تفضلي معنا أيضًا "
" شكرا
لم مصطفى على الدعوة ، هناك مرضى في انتظاري ، اذا احتجت الى شيء ما يمكنك المجيء
سوف أكون في انتظارك "
" شكرا
لك ، ربما سوف آتي مجددًا ، ينحني مصطفى باحترام ويقبل يدي ، وبعد ذلك ، وهو يغادر
الغرفة بأسلوب محرج ، يستدير فجأة ويغلق الباب بإحكام ويسألني بصوت منخفض
" لماذا تعتقدين
أن الله أرسل لي هذه الأموال؟ "
" لا
أعرف يا مصطفى ، لماذا برأيك ؟ "
" هناك
سبب بالتأكيد "
ثم يدير ظهره مرة
أخرى ويغادر ، آمل ألا تتدهور حالة مصطفى العقلية أكثر ، لم يعجبني السؤال الأخير
، نظرت خلفه ، كم هذا غريب أشعر بالأسى ، مع أنه هو ملياردير...
تعليقات
إرسال تعليق