القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة صفية الحقيقية الكاملة من شقة الأبرياء


شقة القمامة هي قصة ضمن رواية داخل العملة ، وهي قصة حقيقة لثلاث أخوات عانين من طفولة عنيفة ، مما ترك لدى كل واحدة منهن أثارا نفسية صعبة تتمثل في هوس النظافة المفرطة

في الحقيقة فقد كن ثمانية أخوات و لم يبقى على قيد الحياة سوى صفية و هي الأخت الأكبر و جولبان و نيريمان ، كونها الأخت الكبرى فقد كان يقع على عاتقها الاعتناء بأخواتها بسبب أهمال الأم لهن ، ففي كل مرة كانت تنجب فيها فتاة كانت ترفض أن تعتني بها أو تطعمها حتى

لقد عاشت صفية طفولة صعبة فقد كانت مكروهة دائما من طرف أمها لأنها فتاة ، فلطالما أرادت والدتها انجاب صبي ، و أيضا الأب الذي كان وجوده مثل عدمه فلم يكن يهتم بما يحدث مع بناته و لم يقم بحمايتهن من العنف النفسي و الجسدي الذي كانت تمارسه الأم عليهن ، فقد كانت تقوم بضربهن دائما بعصا خشبية أو عصا بالمكنسة أو أي شيء تجده أمامها

كان لقبها هو دودو المجنونة من طرف والدتها ، و قد وُصفت من قبل أختها نيريمان بأنها كانت فائقة الجمال حتى أن جمالها كان حديث الحي الذي يقطنون فيه ، ولدت في بيت كل شيء فيه ذنب ، مجرد حركة صغيرة تعاقب عليها و كبرت دون أن تعرف معنى اللعب مثل بقية الأطفال الطبيعين ، فقد كانت الأم قاسية و صارمة

كان والدها متزوجا من قبل و لديه طفل لكنه فقدهما في حادث سير و بعدها تزوج مرة أخرى بوالدتها لكنه لم يحبها مثل زوجته الأولى ، و كانت والدة صفية تدخل في حالة اكتئاب كلما رزقت بفتاة و كانت تظن أنه في حالة إنجابها لصبي سوف يتغير تعامل زوجها معها و يهتم بها ، لذلك كانت تعامل بناتها بقسوة و كره و كانت تفرغ غضبها عليهن

عند بلوغ صفية لأول مرة كانت في الحادية عشر من عمرها ، و ذهبت و هي خائفة الى والدتها التي كانت في المطبخ تقوم بطبخ الفاصولياء و أخبرها بالأمر و هي تحني رأسها ، لكنها والدتها نظرت اليها بإشمئزاز و هي تصرخ عليها لكي تخرج من المطبخ و نادتها بالمتسخة

في تلك اللحظة شعرت صفية بالإشمئزاز من نفسها و لذلك أصبحت مهووسة بغسل الفاصولياء حبة بحبة ، لأنها تعتقد أنه بغسلها للفاصولياء فهي تقوم بغسل روحها التي تلطخت بقسوة و إهانة والدتها لها

و من هناك بدأ هوس النظافة لديها ، فجميع الأطباق يجب أن تغسل ثلاث مرات بالصابون و تنظف بالماء ثلاث مرات ثم توضع في غسالة الأطباق و لكن قبل ذلك يجب غسل اليدين ثلاث مرات بالماء و الصابون كذلك

و كذلك الملابس ، أولا تفرك الملابس ثلاث مرات بالمنظفات، تم توضع في ماء نظيف بعدها تغسل كل قطعة من الثياب لوحدها بالصابون ثلاث مرات، ثم تنظف بالماء ثلاث مرات بعدها توضع في آلة الغسيل، تم يتم تغيير الماء و يتم غسل كل قطعة من الملابس لوحدها بنفس الطريقة و في كل مرة يغير الماء ، و في كل مرة تغسل قطعة ملابس يجب أن غسل اليدين بالمنظف ثمانية مرات ، تم تعود الى غسل قطعة اخرى من الملابس ، كان غسل الثياب يأخذ ساعات طويلة و لذلك لم تكن الفتيات تغيرن ملابسهن بسهولة، و يكون لونها دائما أقرب الى اللون الأسود

كما أن جولبان الأخت الوسطى تعاني من مشكلة التبول أثناء النوم لذلك كان يتم تغير أغطية السرير يوميا و بدلا من غسلها أو رميها يتم وضعها في أكياس القمامة تم وضعها في إحدى الغرف الفارغة في الشقة التي بجانبهم و التي هي ملك لهم أيضا

بالنسبة لصفية و أخواتها فأي شخص يدخل الى المنزل متسخ و إذا لمس أي غرض من أغراضهن فيعتبر ذلك الغرض متسخ كذلك ، مثلا في الصالة يأتي الضيوف و يخرجون، و ذلك المكان أصبح متسخ في نظرهن ، يمكن لأي أحد الجلوس فيه و لمس أي شيء لكن بعدها لا يمكنه الدخول الى القسم النظيف من البيت، و هو المطبخ ، عند خروجك من الصالة و لأجل الدخول اليه يجب عليك ارتداء بدلة و قفازات و كأنك سوف تدخل الى عملية جراحية ، و الا فإن ذلك المكان سيتسخ أيضا في نظرهن ، كما أنه ممنوع الدخول الى الحمام في كل مرة ترغب بذلك ، لأنه في رأي صفية فالحمام متسخ كثيرا و كل من يدخل اليه متسخ ، لذلك عند الدخول اليه يجب غسل اليدين عشر مرات حينها فقط يمكن الخروج منه

كما أن تنظيف المنزل يستغرق أشهر عديدة ، مثلا تنظيف الصالة قد يستغرق أشهر، سوف يتم مسح كل طرف من الصالة الكبيرة عدة مرات، و في كل مرة سيتم تغير الماء و القماش الذي تم استعماله للتنظيف و غسل اليدين بعد تغير الماء و القماش

و أيضا الاستحمام كذلك كان يأخذ منها ساعات طويلة ، و حتى عند الوضوء كانت تعيده أكثر من مرة ، فمثلا عندما تبدأ بالوضوع و يخطر على بالها شيء سيء يجب أن تعيد الوضوع لأنه في نظرها إذا لم تقم بإعادة الوضوء سوف يتحقق الشي الذي كانت تفكر به

 

عانت صفية من طفولة صعبة و كانت تتمنى دائما لو أنها ولدت كصبي فربما حينها سوف تحبها والدتها و أيضا والدها بدوره سوف يهتم بوالدتها ، لكنها كانت مخطئة فوالدها لم يكن يحب أي أمرأة أخرى غير زوجته الأولى

درست صفية حتى المرحلة الثانوية و كانت طالبة جيدة ، لكنها انفصلت عن الدراسة ، لأنه كان هناك شاب معجب بها يدعى محمد و كان يسكن بجوار منزلهم و كانا يذهبان الى المدرسة معا و عندما علمت والدتها بذلك قامت بتحذيرها من التكلم معه كما قامت بنعتها بألقاب و شتمها ، و بعد ذلك اليوم طلبت صفية من محمد عدم الاقتراب منها و لكن في يوم عيد ميلادها كان قد أحضر هدية لها ، و بينما كان متجه اليها لكي يقدم الهدية لها ، سمعت صفية صوت والدتها من بعيد و من شدة خوفها طلبت من محمد أن يذهب بعيدا ، و أخر ما سمعته صفية كان صوت الفرامل و محمد مستلقي تحت الحافلة مغطى بالدماء و قد فارق الحياة و هو في السابعة عشر من عمره فقط

قامت والدة صفية بسحبها من ذراعها من مكان الحادثة و جرها الى المنزل و بدأت بضربها و تصرخ بها ، لكن هذه المرة صفية لم تكن تتألم من الضرب مثل باقي المرات بل شعرت بالسعادة و كأن مع كل ضربة من والدتها كانت تخرج تلك السموم التي بداخلها و تختفي ، لقد كانت تلك أول مرة تتلقى فيها هذه الكمية من الضربات و كادت عظامها أن تكسر و عندما كانت والدتها على وشك التوقف صرخت بها صفية قائلة أنها من قتلت محمد و يا ليتها توفيت بدلا منه ، الأمر الذي زاد من غضب والدتها و بدأت بضربها بعصى خشبية

لكنها وقعت أرضا لتصاب بنوبة قلبية ، و رغم كل الضرب الذي تلقته و الألم نهضت صفية من مكانها لتتصل بالإسعاف ، و بعدها قامت الشرطة بإستجوابها بعد رؤيتهم لحالتها و كل تلك الكدمات التي على جسمها و ذراعها التي كسرت مرتين ، و لكن صفية كذبت عليهم قائلة أنها وقعت من الدرج بعد تلقيها خبر وفاة صديق لها و أنه عندما رأتها والدتها في تلك الحالة أغمي عليها

على الرغم من رؤيته لحالتها إلا أن والدها لم يتعب نفسه بالسؤال حتى عما حدث ، فهو لم يكن يهتم بما يحدث في المنزل رغم معرفته بمعانات بناته لكنه لم يقم بحمايتهن أبدا ، قام فقط بدفع فاتورة المستشفى دون طرح أي سؤال أو إظهار أي اهتمام أو مشاعر أو فضول حتى

بعد موت محمد و حادثة والدتها لم تعد صفية الى الدراسة و تركت المدرسة نهائيا ، كما كانت حالة والدتها الصحية سيئة و كانت تعتني هي بها و في أحد الأيام توفيت في غرفتها و لم يكن هناك أحد في المنزل سوى هي و صفية ، كما أجبرت على البقاء في تلك الغرفة التي توفيت فيها والدتها ، بعد أن رفض والدها البقاء فيها

حتى عندما كانت تحتضر و بدلا من طلب السماح ، كانت كلماتها الأخيرة لصفية بأنها السبب في موتها و أنها لن تتركها و شأنها أبدا و أن يداها سيكونان كالطوق حول رقبتها من الطرف الأخر من هذا العالم

بطلب من نيريمان الأخت الصغرى ، بدأت الطبيبة التي كانت تخضع للعلاج عنها في العيادة ، تقوم بزيارتهن في البيت لأجل تلقي العلاج و بالفعل بعد مرور سنوات استطاعت صفية التخلص من هوس النظافة و أيضا التسامح مع نفسها

و في الساعة الواحدة عند منتصف الليل بعد سنة واحدة من وفاة والدهن توقفت شاحنتان أمام مبنى قديم، من الصباح حتى المساء ظلت الشاحنات تدخل الى الحي و تذهب الى مكب النفايات ، في ذلك اليوم انتشرت رائحة كريهة جدا في الحي و كان الناس يظنون ان مصدر الرائحة من مكب النفايات و ان الرائحة تزداد بسبب اتجاه الرياح، لكن بعد فترة اختفت الرائحة للأبد، و لم يمض وقت طويل حتى تسليم الشقة لمقاول و تم هدمها و بناء ميتم مكانها ، و الفتيات قمن بشراء شقة جديدة في نفس الحي و انتقلن اليها و لم تأخذن اي شيء من الأغراض و الأثاث القديم و تم التبرع بها الى دار الأيتام

و الأن صفية تعمل كمتطوعة في دار الأيتام لمدة اربعة الى خمس ساعات في اليوم و في المساء تقوم بحياكة الكنزات و السترات لجان و اطفال الميتم كذلك

تم هدم شقة القمامة و تم بناء مبنى ضخم مكانها، و الأن داخل ذلك المبنى يعيش الكثير من الأطفال اليتامى، في بعض الأحيان تمر الطبيبة من هناك ، مع صوت الأطفال الذي يشبه  صوت العصافير و يختلط بهواء انقرة و الحياة تستمر





Reactions:

تعليقات