القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية شقة القمامة : الفصل الثالث


الفصل الثالث :

"حضرة الطبيبة السيدة نيريمان تنتظر في الخارج"

"حسنا تونا انا انتظر، اهلا و سهلا بك سيدة نيريمان كيف حالك ؟"

"اهلا بك حضرة الطبيبة، لكن لا داعي لتناديني بالسيدة لأنني سوف اتي اليك كثيرا سوف تلتقين بي اكثر من اقربائك، الا تخافين من الرجل الذي خرج للتو ؟"

"لا لماذا سوف اخاف ؟"

"قبل دخوله الى هنا طلب الاذن مني، لقد جئت الى هنا بعد أخذ موعد و لا اعطي دوري لأي احد بالعادة لكن عندما رأيت شكله و نظراته غيرت رأيي، يشبه رجال العصابات التي نراها في الافلام الله اعلم ربما لديه مسدس حتى، كم هو صعب عملك من الصباح حتى المساء تلتقين بجميع انواع البشر"

"لا تنظري الى شكله انه رجل لطيف للغاية , و اعتذر مجددا عن التأخير، حسنا نيريمان كيف حالك اليوم ؟"

"لا تسألي أبدا، الم تأتي اليك جولبان عندما علمت اختي الكبرى بذلك أقامت القيامة في البيت و كانت تصرخ و تقول ما شانك بين المجانين و الأطباء النفسيين هل انت مجنونة ام ماذا، و جولبان كانت سعيدة بالأمر فهي كانت تبحث عن حجة لكي لا تتناول الدواء، تناولته ليومين تم توقفت، ليس لديهم خبر بقدومي اليك لو عرفت سوف تقول لي نفس الكلام رغم انهم يعرفون انني لا استمع اليهم لكن لديهم منطق و لا عقل"

"كان واضحا أن هذا سوف يحدث السيدة جولبان لم يكن لديها اي نية بالعلاج، على اي حال انت كيف حالك ؟ هل اختفت الحبوب ؟"

"اجل خلال يومين عادت بشرتي الى طبيعتها و لكنني ما زلت استمر في تناول الدواء "

"أجل سوف تستمرين في اخذه لفترة، هل يمكنني التعرف عليك اكثر اليوم ؟"

"طبعا حضرة الطبيبة سوف احاول ان اخبرك عن نفسي بقدر استطاعتي لكن بينما كنت انشغل بما يحدث في البيت حتى اليوم لم استطع ان اعيش حياتي"

"اذا اردت اخبريني قليلا عن حياتك الشخصية "

"يا ليت كانت لدي حياة شخصية حتى اخبرك عنها، تعرفين لدي اختين و طالما لم تتزوجها فزواجي ليس موضوعا يمكن طرحه و هما ليس لديهما اي نية بالزواج في الاصل حتى لو كانت لديهما فمن سيتزوج بهما، الأولى دودو المجنونة و التانية قذرة ذات رائحة كريهة "

"من اعطاهم تلك الألقاب ؟"

"أمي، لكن يبدو انها محقة انها تناسبهم تماما"

"اخبريني قليلا عن امك"

"عن امي ؟، ااه يا حضرة الطبيبة انك تسألين اسئلة صعبة للغاية، لم اتحدث عن هذا مع اي احد من قبل فأمي كانت تقول أسرار البيت تبقى في البيت و لكن من لا يتحدث عاش اشياء كثيرة في بيتنا و بسببه أصبحنا كلنا مرضى، كيف تعتقدين ان اختاي وصلتا الى هذه الحالة ؟، جمالهما كان حديث الحي و خصوصا اختي الكبرى لو تريها انها جميلة بقدر ما يمكن للمرأة ان تكون جميلة، عندما ارى عارضات الازياء في التلفاز و لا واحدة منها تصل الى جمال صفية لكنه القدر، في الواقع المريضة هي أمي كانت تسمم طفولتنا و تلقينا الكثير من الضرب و كانت تضرب أختاي بالأكثر و لأنني كنت الصغيرة كانت أختاي تقومان بحمايتي، كانت امي امرأة مضطربة و لم تدعنا نعيش في بيتنا و كانت تقول لنا لا تجلس هناك و لا تلمس ذاك و لا تذهب الى هناك لقد سكبتم هذا لقد كسرتم ذاك....، في بيتنا كل شيء كان ذنب، هل هناك طفل يكبر دون أن يلعب؟، نحن كبرنا دون ان نلعب، أبي كان ديموقراطي صاحب منصب عال، يخرج من البيت باكرا و يعود في المساء و لم يكن لديه علم بما يحدث في البيت في الواقع كانت تقوم بأذيته هو أيضا فور وصوله الى البيت كانت تجعله ينزع ملابسه بالغصب و يرتدي ملابس المنزل و مع ذلك لم تكن كلمة والدي تسمع في الاصل والدي رجل هادئ حتى انني كنت دائما اتفاجأ كيف اصبح ذا منصب عال هذا يعني ان مكان العمل مختلف عن البيت، هو لم يكن يهتم بنا و لا يتكلم و لا يتدخل بأي شيء في البيت لن تستطيع ان تفهم اذا كان سعيدا او غاضبا لم نسمع منه كلاما جيدا و لا كلاما سيئا لم يضربنا ولم يداعب شعرنا، في نهاية الشهر كانت يأخذ راتبه الشهري و يعطيه لأمي و لا يتدخل في أي شيء أخر و امي كانت المسؤولة عن كل ما يخص البيت، كانت امي تريد دائما ان ترزق بصبي، نحن لم نسمع أي شيء من طرف أبي لكن امي كانت تغضب دائما عندما ترزق بفتاة و كانت تهيننا و كانت تسعى جاهدة لكي ترزق بصبي، انجبت سبعة أطفال و كلهم كانوا بنات، البقية ماتوا وهم صغار ربما بسبب الاهمال و في كل مرة لا ترزق فيها بصبي كانت تدخل في حالة اكتئاب و لم تكن لتهتم بالطفل و يبدو أننا بقينا على قيد الحياة بالصدفة، يا ليتنا لم نبقى على قيد الحياة لقد نجونا و ماذا حدث؟ يبدو ان التعاسة مكتوبة في قدرنا"

"لا أريد أن أحزنك يا نيريمان لكن يجب ان نتكلم عن هذا "

"انت محقة حضرة الطبيبة عند قدومي الى هنا كنت اعرف ذلك، لكي افرغ كل ما في داخلي يجب أن أخبرك اولا عن أشياء كثيرة، أوضاع أهل البيت أسوء مني في النهاية انا أصغر واحدة في البيت و اختاي لم تكونا محظوظتان بهذا الخصوص لقد عاشتا الأسوأ و قد قامتا بحمايتي بقدر استطاعتهما، لولا أختي صفية كنت سوف اموت و أنا طفلة صغيرة هي من كانت تعتني بي و كان الفارق بيننا عشر سنوات يعني أن طفلة في العشر سنوات من عمرها كانت أما لي "

"الم تهتم والدتك بك أبدا؟"

"لا عندما عرفت أنني فتاة لم تنظر الى وجهي حتى، تخيلي بينما كانت تنتظر صبي كنت أنا الفتاة السابعة التي رزقت بها "

"ماذا عن والدك ماذا فعل عند ولادتك؟"

"لا شيء، مثل العادة لم يعطي اي ردة فعل و امي كانت دائما تعتقد انه هكذا بسبب انها لم تنجب له صبيا و كانت تظن انه اذا رزقت بولد سوف يتغير ابي و يهتم بها و بالطفل و لكن الأم افهم ان ذلك كان مجرد قصة فطبع والدي هكذا حتى لو انقلب الدنيا لن يحرك ساكنا فهو لم يحب أي احد ابدا كان يحب عمله فقط حتى لو عمل طوال اليوم لا يقول انه متعب و الان هو متقاعد و ليس لديه عمل، يقوم بقراءة الكتب طوال اليوم و اذا لم تعطيه الأكل حتى لو بقي جائعا لأيام لن يقول انه جائع انه رجل غريب لكنه أبي، اذا قلت انه سيء فهو ليس كذلك و حتى هذا اليوم لم نرى منه اي شيء سيء و كان يحضر لنا كل ما نريد و لان منزلنا اصبح مثل مصحة عقلية يصرف الكثير من الماء على فاتورة الماء فقط حتى ان المسؤولين عن الماء يأتون و يغيرون عداد الماء و يقولون انه معطل لا أحد يصدق ان كمية الماء هذه يتم استهلاكها من قبل منزل واحد، و نحن كنا نسكت لكي لا يفهم أي احد و نقوم بدفع جميع الفاتورات، كل شهر نشتري حزم من الأغطية لأجل جولبان و لا حدود للمبالغ التي نصرفها لأجل المنظفات و المعقمات و أبي لم يكن يعترض على أي من هذا كان فقط يعترض أحيانا على شراءنا كمية كبيرة من الأغطية، يعني أنه لم يكن يمنع عنا المال كما انه مريض و لا نريد أن نحزنه، لا اعرف ما الذي قد يشعر به المرء تجاه أب يرى حياة أولاده تتدمر امامه دون ان يفعل شيئا، هل يمكنك تخيل ذلك؟"

 
"أنا أفهمك يا نيريمان ليس من السهل ان تحب و تغضب بنفس الوقت من الشخص، خصوصا اذا كان هذا الشخص هو الأب"


"هل تعرفين لقد لاحظت للتو مدى غضبي من والدي بينما كنت اخبرك، و كأنني كنت دوما القي اللوم على أمي فقط، في عقلي كنت اقول انها السبب في كل شيء و لكن عندما اخبرتك فهمت أن أبي لم يكن بريئا "

"هل تتكلمين عن هذا مع اخوتك ؟"

"في منزلنا نسينا كيفية التحدث و بالاخص بعد موت أمي و كأن التكلم أصبح ممنوعا في بيتنا انه أمر غريب لكن كنا نخاف حتى من التكلم مع بعضنا البعض، ربما لانه لم نرد أن نسمع ما سيخرج من أفواهنا كل واحد دفن سره في داخله، و بعدها وصلنا الى هذه الحالة"

"لقد سألتك عن أمك و أنتي اخبرتني عن والدك، متى سوف تخبريني عن والدتك ؟"

"أنا لا يمكنني أن اخبرك ربما يوما سوف تخبرك صفية "

"لكنني لم اتعرف على صفية بعد و يبدوا انه ليس لديها أي نية بالقدوم الي"

"هذا صحيح ربما بمعجزة ما فقط سوف تأتي الى هنا، لكن مع ذلك التحدث عن امي من حقها هي، لا يمكنني اخبارك بأكثر من ذلك، كلتاهما قد تلقيا الضرب من أمي و ربما بسببها تبلل جولبان فراشها لأنني أتذكر أنها كانت تضرب بعصا خشبية و قد أحرقتها عدة مرات أيضا لكن دون جدوى و الأن لديهما هدف واحد وهو غسل كل شيء مرارا و تكرارا"

"حسنا كيف هي علاقتهم الان في البيت ؟"

"مديرة البيت هي أختى الكبرى و ما تقولة هو ما يحدث و هي الأن تقوم بما كانت تقوم به أمي في طفولتنا، حتى انها تغسل الفاصوليا كل حبة لوحدها قبل أن تطبخها و ايضا لا يمكنك دخول الحمام في كل مرة يحلوا لك انه ممنوع"

"لماذا ؟ "

"لأنه نظرا لأختي فالحمام متسخ و كل من يدخل اليه يتسخ و لذلك عند دخولك اليه يجب غسل يديك عشر مرات حينها فقط يمكتك الخروج "

"هل يقوم والدك بذلك ؟"

"نظام والدي مختلف يمكنه الدخول اليه في اي وقت يريد و لكن لديه اريكة خاصة به يجلس عليها في الصالة و دون أن يلمس اي شيء يمكنه الجلوس هناك فقط"

"هل ينخضع والدك للقواعد أيضا ؟"

"و ماذا قد يفعل؟، الرجل المسكين كان يعاني بسبب والدتي و الأن بسبب بناته "

"حسنا ماذا عنك ماذا تغعلين؟"

"لا شيء فقط أحاول بقدر استطاعتي عدم احداث مشاكل، لقد كنت اجادل لأجل هذا لسنوات بكيت و هددتهم بأنني سوف أهرب من المنزل و حاول ادخال والدي في الموضوع لكن كان دون جدوى و الأن فهمت انه لن يتغير اي شيء و الأن ابحث عن طريقة لكي أخلصه من ذلك المنزل"

"ما الذي تفكرين بفعله؟"

"أريد الانتقال الى منزل أخر لكن مدام أبي على قيد الحياة لا أستطيع التصرف كما أريد لانه مريض و اذا ذهبت سوف يموت"

"لماذا هل سيحزن ؟ "

"منه سيحزن منه سيموت من قلة الاهتمام و القذارة"

"الا تهتم اختاك به ؟ "

"ليس ذلك، في الواقع تحبان ابي لكن حتى المساء لا تستطيعان تحضير الأكل، اذا كان يتم غسل كل حبة فاصوليا عشر مرات و كل طبق يتم غسله لمرات عديدة، فهل سينتهي العمل في ذلك المنزل ؟، في اليوم الماضي جاء عمال الماء و غيروا عداد الماء مجددا يأتون كل شهر و يغيرون العداد، لم نكن نعرف ماذا سنقول لهم فلم يمن هناك أي مشكلة في العداد المشكلة هي نحن, لو لم يكن والدي غنيا لكنا انتهينا، فقط لأنه لم يتم غسل قطعة ما بشكل جيد يتم شراء واحدة جديدة "

"هناك تلك الأكياس المملوءة في الشقق الأخرى صحيح ؟"

"أجل"

"منذ متى هي موجودة؟"

"لا اعرف انها موجودة هناك منذ سنوات "

"هذا يعني انكم لم تقوموا برميها"

"في بيتنا لا يتم رمي أي شيء، ماذا لو كان هناك شيء مهم في تلك الأكياس"

"مثل ماذا ؟ "

"لا أعرف هذا جنون أختاي، تخافان أن يكون هناك شيء مهم في تلك الأكياس و لا يجب رميه بالرغم من أنه قامتا بملئ تلك الأكياس بنفسهما، حتى لو تحللت او أعطت رائحة يتم الاحتفاد بها، أحيانا يظهر في التلفاز منازل القمامة و عندما أشاهدها يرتجف داخلي و كنت اقول يوما ما سوف نظهر نحن ايضا، من يعلم كم شاحنة سوف نحتاج لأجل تفريغ تلك الأكياس كلها"

"نيريمان كيف استطعتي البقاء بصحة جيدة في ذلك المنزل ؟"

"و من قال انني بصحة جيدة؟، حتى هذا اليوم لم تكن لدي صديقة واحدة حتى، كيف يمكنني أن أحضر صديقة الى منزل كهذا، لقد أرتعب من فكرة أن الناس قد تتعرف على عائلتي، لكنك محقة أنا محظوظة اكثر منهما"

"يجب علينا أن ننقذك من ذلك المنزل بأي طريقة"

"أنت محقة لكن كيف؟"

"هل هناك شيء يمكنني فعله لأجل عائلتك ؟"

"لا اعتقد، لن يأتوا الى هنا"

"هل انت متأكدة؟"

"مع الأسف انا متاكدة، اذا جاءتا هل سيتغير شيء ما ؟"

"اعتقد انه يمكن أن يتغير شيء ما"

"كل هذا مرض اليس كذلك ؟"

"بكل تأكيد، ان اختاك تحاولان طوال اليوم تنظيف ارواحهما"

"امي هي من وسخت روحهما عن طريق الضرب و لم يتبقى لهما لا ثقة بانفسهما ولا احترام، لم نستطع ان نرمي من فوقنا ذنب مجيئنا الى هذا العالم كإناث، من جهة كانت تجهز لهما جهاز زفاف و من جهة كانت تضربهما حتى تكسر عظامهما، اذا كنت تنادي طفلة صغيرة بدودو المجنونة او قذرة ذات رائحة كريهة كيف سياتي خير من هذا الطفل برأيك؟"

"الم تضع لك لقبا؟"

"كانت تقول لي الفتاة السمينة، كنت سمينة قليلا منذ طفولتي و كما ترين مازلت كذلك، لم استطع التخلص من هذه الكيلوغرامات بأي شكل كان، و انا ايضا لا احب نفسي لانني اجد نفسي قبيحة"

"على العكس انت فتاة جذابة للغاية "

"انت تقولين هذا لرفع معنوياتي"

"لا و جولبان ايضا فتاة جميلة للغاية هذا يعني انكم جميعا جميلات"

"أختي الكبرة هي اجملنا، الأجمل و الأكثر مرضا و امي ايضا كانت امراة جميلة و لكن الجمال لم ينفع في اي شيء كلنا اصبحنا تعساء، من جهة احببت التحدث معك و افراغ ما بداخلي و من جهة أغضب، يقولون الأنسان يمتص حزن الأخر يبدو أن هذا صحيح، هل سيضحك القدر في وجههنا يوما ما يا ترى؟"

"لما لا "

"ان شاء الله، لقد اخدت الكثير من وقتك لأذهب الأن، سوف آتي مجددا وداعا"

"مع السلامة نيريمان يمكنك المجيء في اي وقت تريدين سوف اكون في انتظارك"

تخرج نيريمان من الغرفة، لقد تاثرت انا ايضا بما اخبرتني به، وضع الفتيات صعب جدا فلا احد يصل الى هذه الحالة بدون سبب و ايضا من الغريب انها لا تخبرني عن والدتها، قالت ان هذا ليس من حقها بل من حق صفية هي الوحيدة التي قد تخبرني، ماذا يعني هذا يا ترى و علاوة على ذلك لم تتحدث عن وفاة امها ابدا حتى انها لم تخبرني متى توفيت و ايضا تلاحظ للتو غضبها تجاه والدها، يبدو انني ارى فقط قطعة صغيرة من لوحة كبيرة  جدا من يدري ماذا يوجد بعد

Reactions:

تعليقات