القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية شقة القمامة مترجمة للعربية : الفصل السابع



 الفصل السابع


لمدة شهرين كنت اذهب مرتين في الأسبوع الى بيت نيريمان بانتظام، كانت صفية و جولبان تستقبلاني بحماس و سعادة، بالنسبة لجولبان فقط تخلصت تماما من مشكلة تبولها أثناء النوم لكن مع ذلك فوضعهما بشكل عام لم يتحسن كليا، الشيء الوحيد الذي تغير هو الآمل منذ أن تعرفت عليهم أصبحوا ينتظرون الى الحياة بآمل أكبر و هكذا أصبحت الطاقة السلبية في البيت تختفي شيئا فشيئا و صفية لم تعد ترفع صوتها ولا تصرخ كالسابق و ينظرون الى بعض بمحبة أكثر، و والدهما يزال في المستشفى و وضعه جدي و صفية و جولبان لم تستطيعا بعد الذهاب لزيارته و هذا الوضع يصيبني بالتوتر أنا أيضا.

في كل مرة اذهب اليهما اراقب تحضيرهما للطعام اولا و بعدها نتناوله معا و نشرب القهوة و بينما تغسل صفية الفناجين أقوم أنا بالعد لكن الأن أصبحت تغسلها بسرعة مقارنة بالسابق، حتى أنها في بعض الأحيان لا تنظر الى ما تغسله بينما تتحدث معي، في بعض الاحيان اتحدث مع جولبان لوحدها و صفية لوحدها و اليوم هو يوم صفية و فور ترك جولبان لنا لوحدنا سألت صفية، "اليوم اخبريني قليلا عن طفولتك و شبابك"

"أي طفولة يا حضرة الطبيبة فأنا لم اعش طفولتي ابدا، لقد كنت دائما اتلقى العقاب كوني الأكبر في البيت، لقد كان زواج والدي و امي سيئا فوالدي كان من قبل متزوجا حتى ان جولبان و نيريمان ليس لديها علم عن هذا، كانوا يحبون بعضهم البعض كثيرا و تزوجوا تم رزق بطفل منها، في ذلك الوقت كان والدي يعمل في مدينة اخرى و في تلك الفترة مرض الطفل و زوجته ارادت أن تأخذه الى الطبيب فاتصلت والدي لكنه كان مشغولا ولم يستطع ان يأخذه فقال لها ان تأخذه هي، المرأة المسكينة اخذت ابنها و استقلت سيارة اجرى و عند وصولهم الى امام المستشفى دهستهم شاحنة بعد ان فقد التحكم بالمكابح و توفيت زوجة والدي الأولى و ابنه الذي كان عمره سنة و نصف، اصبحت حالته سيئة للغاية بعد فقدانهم ربما كان يشعر بالذنب ويلوم نفسه و اقام الحداد لمدة سنة و بينما كانت عائلته تبحث عن حل رأو امي في مكان ما و اعجبتهم و بدون سؤال والدي ذهبوا و طلبوا يدها من عائلتها.
عائلة والدتي و افقت على هذا الزواج لأن امي كانت بعمر السادس و العشرين وقتها، و في تلك الأنحاء فتاة في ذلك العمر تعتبر عانس، في الواقع أمي امرأة جميلة لكنها مثلنا مزاجية و عصبية و قد تمت خطبتها مرتين قبل والدي لكنه تم فسخ كلا الخطوبتين عائلتها كانا تخاف ان تبقى عندهم في البيت و والدي كان نصيبا جيدا بالنسبة لهم، متعلم و من عائلة جيدة صاحب منصب جيد وضعه المادي مستقر و لديه منزل، كما أن الوضع المادي لعائلة امي لم يكن جيدا حتى انها كانت تساعدهم كثيرا من دون علم والدي"

"حسنا كيف جعلوا والدك يوافق؟"

"لا أعرف هذا القدر، كل ما اعرفه انهم تزوجوا بسرعة و امي لم تكن تريد ان تستعمل الاشياء المتبقية من زوجته الاولى و لكن في البداية لم تكن تعترض، على اي حال، بعد فترة تم تعيين والدي في مكان اخر و حدث ما كانت تريده امي"

"هل امك هي من أخبرتك بكل هذا؟"

" لا فأمي لا تدري حتى انني اعرف كل هذا، لقد سمعت كل هذا من جدتي (والدة الأم) كانت تخبري بكل شيء بسرية"

"حسنا ماذا عنك الم تخبري اي احد عن هذا ؟"

" لا لم أخبر اخوتي حتى انت اول من اخبره بهذا، لو رأيت في حلمي انني سوف اخبر احدهم بكل هذا يوما ما لم اكن لأصدق ذلك، عندما توفيت جدتي كنت في الحادي عشر من عمري، عندما كانت على قيد الحياة كانت امي تأخذنا الى القرية في العطلة الصيفية و كنا نبقى هناك لمدة خمسة عشر يوما، في الحقيقة أمي و جدتي لم تحبا بعضهما البعض أبدا لأن أمي كانت تحملها مسؤولية تعاستها و جدتي كانت تقول انها ستبقى مصيبة فوق رؤوسنا لو لم تزوجها بالغصب و لم تكن لتجد زوج مثله حتى في احلامها"

"هل كانت جدتك تحبك ؟"

"لا أعرف، هي أيضا كانت تشبه والدتي غاضبة دائما و بينما تكون امي مشغولة كانت تأخذني على جنب و تحكي لي كل شيء و تفرغ ما بداخلها و كانت تقول لي كل ما لا تستطيع قوله لأمي و كانت تقول عنها انها فتاة مريرة"

"فتاة مريرة !! ماذا يعني ذلك ؟"

"لا أعلم ربما تقصد انها دائما متهجمة"

"هذا يعني أن أمك تعلمت منها أن تناديكم بالألقاب"

"بالطبع تعلمت منها، في الواقع والدتي كانت امرأة تحب القراءة و التعلم لكن جدتي كانت جاهلة و انجبت خمسة أطفال، اربعة بنات و صبي واحد و كان خالي يعامل كالأمير و لم يكن احد ينظر الى وجه الفتيات، تم ايجاد زوج لكل واحدة منهن لا يهم ان كان سيء او جيد لم يكن اي احد منهم مثل والدي كانوا ناس بسطاء، مقارنة بوالدي فعلا لم تكن لمي لترى مثله الا في احلامها، لو لم تمت زوجة ابي الاولى لم يكن ليتزوج من امي، الاثنان كانا تعيسان في حياتهما، لم يضحك وجه والدي و لا وجه امي كذلك و لا حتى وجوهنا نحن"

"الم يحبوا بعضهم البعض؟"

"برأيي امي احبت والدي و لم يظل شيء لم تقم به لكي يحبها لكن روحها كانت مظلمة و لم يكن من السهل أن تحبها"

"ماذا يعني هذا ؟"

"كانت جميلة و نظيفة و ناجحة و لكن كانت باردة و امرأة مريرة"

"امرأة مريرة !!"

"هل هذا ما قلته كم هذا غريب لكن في بعض الأحيان تجد الأسماء مكانها المناسب، أمي كانت تقول لي دودو المجنونة و محقة في الواقع، هل نسيت كيف صرخت امامك في المرة الماضية و قلت عن جولبان قذرة"

"لا لم انسى و لكن اذا استمريت هكذا سوف انسى"

" شكرا لك حضرة الطبيبة انت تعطيني الشجاعة"

"صفية هل لاحظت اليوم انك غسلت الفناجين بسرعة؟"

" صحيح غسلتها بسرعة اليس كذلك، الان اصبح باستطاعتي القيام ببعض الأشياء في المنزل لوحدي حتى لو كانت قليلة لكن لا يزال علي ان اتناول خبز منزلي"

"ليكن، كل شيء له بداية و ان شاء الله عندما تتعالجين سوف تقومين بتحضيره"

" ان شاء الله حضرة الطبيبة"

"كنت تتحدثين عن طفولتك"

"لم يتبقى لي من طفولتي أي شيء جميل، وجه امي المتهجم و صمت والدي و عجزنا، لا يخرج هذا من عقلي ابدا، كانت امي تفرغ غضبها علي في كل مرة تنجب فتاة و تنظر اليها باشمئزاز و كنت دائما اسمعها تقول لماذا ولدت كفتاة، في اول مرة بلغت فيها كنت في الحادية عشر من عمري و كانت أمي في المطبخ تحضر الفاصولياء كنت خائفة جدا و لم أعرف كيف سوف أخبر والدتي بهذا، ذهبت اليها منحنية الرأس اخبرتها و في تلك اللحظة نظرت الى بطريقة ظننت انها سوف تقتلني بذلك السكين الذي تحمله في يدها و صرخت بي قائلة اخرجي فورا من المطبخ أنت متسخة "

" في ذلك اليوم علمتك امك ان تشعري بالاشمئزاز من نفسك، و لذلك السبب تقومين بغسل الفاصولياء حبة حبة لعدة مرات"

"الفاصولياء؟"

"اجل الفاصولياء"

" لم أفكر هكذا من قبل لكن كان أصعب طعام احضره هو الفاصولياء لم أكن استطيع الانتهاء من تنظفيها، كم انا فتاة تعيسة الحظ، هناك من جاء الى هذا العالم كصبي و كنت احلم دائما بذلك"

"اي نوع من الأحلام ؟"

"كنت اظن انه لو كنت صبيا كان والدي سوف يحب والدتي وهي سوف تحبني او بالأصح هكذا كانت تفكر والدتي، كانت تظن انه لو انجبت صبيا سوف يحبها والدي"

"و انت ما رأيك ؟"

"الأن أفهم انه لو فعلت امي المستحيل لم تكن لتعجل والدي يحبها لأن عقلي بقي عند زوجته الأولى وهي لم تكن تشبه امي ابدا كانت امرأة مرحة اجتماعية متواضعة و مبتسمة و الكل كان يحبها لقد كانت عكس والدتي تماما، امي كانت امرأة متكبرة لدرجة انها لن اسلم حتى على السلاطين، الرجل المسكين رضي بقدره و لسنوات طويلة دون احداث اي مشاكل تحمل والدتي لكنها انتقمت منه"

" اي انتقام ؟"

"انتقام لعدم محبته لها، لم تكن تدعه يرتاح حتى و كانت تستقبله فور وصوله الى المنزل و تجبره على أن يغير ثيابه و يرتدي ثياب المنزل غير مهتمة بتعبه و هو كان يبدل ما في وسعه لكي لا يأتي الى المنزل و يبقى في العمل حتى منتصف الليل حتى انه يعمل في عطلات نهاية الأسبوع، و لم يكن لديه علم بما يحدث في البيت و في اي حالة نحن، اعتقد انه هو ايضا لم يحبنا"

"لماذا تعتقدين هذا؟"

"لا اعرف، اذا قلت انه لم يلمسنا ابدا لن يكون كذبة لكنه لم يداعب شعرنا حتى و لم يعاملنا بطريقة سيئة كذلك، لا يضربنا و لم يقم بشتمنا كذلك و لبى كل احتياجاتنا، هل برأيك يظهر هذا حبه لنا ؟"

"يبدو لي ان المحبة هي اللمس"

"لم يلمسنا أي احد لا والدتي و لا والدي، صحيح ان امي كانت تلمسنا لكن عندما تضربنا فقط و لم تكن تستعمل يدها وقتها احيانا تستخدم العصا و احيانا المكنسة و لم تكن تشفق علينا أبدا لم تكن روحها ترتجف مثل الأم، انا لم اكن أما لكن يبدو لي أن روح الانسان تتألم على صغاره حتى الحيوانات لا تستطيع التفريط بصغارها لكنها فرطت بنا"

"هل كنت تتألمين كثيرا ؟"

"ليس جسمي بل روحي التي كانت تؤلمني، قد يبدو غريبا لكن الأيام التي كنت أمرض بسبب الضرب لم اكن اشعر بالألم في جسدي لكن قلبي كان ينفجر مثل البركان و كنت أغضب أكثر عندما تضرب أخوتي، كانت تضرب جولبان بالعصا على خصرها، ما زلت اتساءل كيف لم نصب بإعاقة ما، رغم اننا نحن الثلاثة استطعنا البقاء على قيد الحياة بشكل جيد او سيء و الأخرون لم يحالفهم الحظ بقدرنا"

"لماذا؟"

" لماذا سيكون بسبب الاهمال و الجوع عندما ترى انها انجبت طفلة تصبح عدوة لها، في ذلك الوقت كنت صغيرة ولا يمكنني فعل أي شيء لكن لم تمت نيريمان لم اسمح بذلك"

"اخبريني قليلا عن تلك الأيام"

"من الصعب التحدث عن بعض الأشياء، لم تكن ترضعها و كانت تقول انها مريضة و لا تخرج من سريرها كنت دائما من يعتني بها و عندما كبرت قليلا ارادت ان تعنفها هي أيضا، لقد كانت نيريمان كثيرة الحركة و في كل مرة كانت تريد ضربها كنت اقف امامها حتى أنني كنت أخاف من الذهاب الى المدرسة كنت اخاف مما ستفعله بها في غيابي و قد عذبتني بسببها و كانت تقول لا تتدخلي لهذا المنزل قواعد و هي ايضا يجب ان تتعلم هذا لقد كانت أياما صعبة، على كل حال هي ايضا نجحت في البقاء على قيد الحياة و كبرت"

" هذا يعني ان نيريمان مدينة لك بحياتها، انك بالفعل امرأة مضحية، لم تتحدثي عن حياتك الدراسية"

"لقد درست حتى الثانوية لكن انفصلت عن الدراسة"

"لماذا ؟"

"في الواقع لقد كنت طالبة جيدة و كان هناك شاب في نفس الثانوية و منزلهم كان بجوار منزلنا، اعتدنا على الذهاب الى المدرسة معا، اعتقد أنه كان واقعا في حبي و كان يعجبني ذلك لكن لم نتحدث كثيرا، بعد فترة سمعت والدتي اننا نذهب معا الى المدرسة و اخدتني امامها لم يتبقى اي لقب لم تشتمني به و منعتنا من السير معا و في اليوم التالي غضبت امي من محمد و طلبت منه عدم الاقتراب مني، بعد ذلك اليوم نظرنا الى بعضنا البعض من بعيد فقط، في نهاية السنة و في عيد ميلادي أحضر لي هدية صغيرة و بينما كان قادما لكي يعطيها لي سمعت والدتي من مسافة بعيدة تصرخ بإسمي، اتذكر انه من خوفي قلت له ان يذهب بسرعة و بعدها صوت فرامل الحافلة و الشاب المسكين مغطى بالدماء مستلقي تحت الحافلة، لقد دفع حياته ثمن لاهتمامه بي و كان في السابعة عشر من عمره فقط انا قد عِشت و هو مات ما هذا الظلم، لكن من اين له أن يعرف انني فتاة مشؤومة"

" اي شؤم؟، من أين اتيتِ بهذا ؟"

"امي كانت تقول لي انني اتيت اليهم بصفتي شؤم، كانت محقة لو لم يأتي محمد الى جانبي ذلك اليوم كان سيظل على قيد الحياة اليوم لكنه مات بسببي لقد كان شابا مثل الأسد و عندما رايته في تلك الحالة تجمد دمي و كانه اذا تم جرحي لن أنزف، لم استطع لا الصراخ ولا البكاء لقد بقيت واقفة هناك ثم جاءت أمي و بدأت بسحبي من ذراعي و لا أتذكر حتى كيف وصلنا الى المنزل، ثم بدأت بضربي و من جهة تصرخ و تقول ايتها الفتاة المشؤومة لقد فضحتنا امام الناس و من جهة تضربني بحذائها، لا استطيع اخبارك كم كنت سعيدة و ارتحت من ذلك الضرب الذي تلقيته ذاك اليوم، في كل مرة كانت تضربني كنت اشعر و كأن الأوساخ التي بداخلي تتبعثر و تختفي و أطهر، اذا قلت انني لم أشعر بأي ألم لن يكون كذبة و مع ذلك في ذلك اليوم لم يتبقى في جسدي عظام لم تُكسر، بعد فترة تعبت والدتي من ضربي لكنني فعلت كل شيء لكي أغضبها حتى لا تتوقف"

"ماذا فعلتي ؟"

"اتذكر انني قلت لها انها قتلت محمد و يا ليتها ماتت هي بدله هو و أشياء مشابهة، امي لم تكن معتادة على أن اواجهها فتحولت الى مجنونة و هذه المرة بدأت بضربي بالعصا"

"ألم هناك اي احد في المنزل ؟"

" لا لم يكن هناك أحد، كانت جولبان و نيريمان في المدرسة، أمي كانت تعلم أن عيد ميلادي كان ذلك اليوم لم تكن تحب أعياد الميلاد و في كل عيد ميلاد لنا كانت تجد عذرا و تحدث مشكلة و قد كانت امرأة ذكية للغاية و توقعت أن يأتي محمد إلي في عيد ميلادي و جاءت الى المدرسة لكي تقبض علينا معا، عندما رأيت محمدا قادماً نحوي شعرت بالخوف و لكن كل شيء حدث بسرعة كبيرة لدرجة أنني لم أستطع إيقافه"

" لم تكوني لتعرفي ان هذا سيحدث "

"بالطبع لم أكن لأعرف عن كل هذا لكن حقا لم أكن أريده أن يقترب مني"

"لماذا ؟"

" لم اكن أستحقه فهو شخص جيد و كنت سوف أجلب له المتاعب لا غير لقد كان الابن الوحيد لعائلته و عندما مات أصيبت عائلته بالجنون و انا لم أتمكن من الذهاب الى المدرسة مرة أخرى و لا أن أمُرَّ أمام منزلهم و منذ ذلك اليوم انقطعت علاقتي تماما مع العالم، كان لدي الكثير من الأصدقاء و لم يأتِ شخص واحد حتى لزيارتي و يسألني عما حدث، ذهب الجميع الى بيت محمد و كنت دائما أفكر انهم يقولون عني قاتلة و كانوا يقولون لي في احلامي انت قاتلة و فتاة مشؤومة محمد مات بسببك...، و كنت أدعو الله حتى الصباح أن يقتلني لكنه لم يحدث و حينما فهمت انني لن أموت قبل أن أدفع ثمن ذنوبي"

"ما هي ذنوبك؟"

"أنا فتاة مذنبة، لا تجرئي على ادعاء عكس ذلك فأنت لا تعرفين القصة كاملة بعد"

" حسنا لا تغضبي فورا لكن لا أريدك ان تعاملي نفسك بشكل غير عادل"

"منذ البداية لم تكن الحياة عادلة معي يا حضرة الطبيبة، أولا جئت الى هذا العالم كفتاة و ليس كصبي و ثانياً ولدت من أم بدون حب و ثالثا توفي شاب عن عمر يناهز السابعة عشر عاما بسبب حظي المشؤوم"

"ماذا فعلت والدتك بعد تلك الحادثة؟"

"في ذلك اليوم وقعت والدتي من التعب بسبب ضربي و اصيبت بأول نوبة قلبية، حتى انت لم تجدي اي شيء لتقوليه اليس كذلك؟، أنا مشؤومة، السيدة مريم بكبرها انهارت ارضا و هي تضربني، لبعض الوقت بقيت مستلقية على الأرض كان وجهي مليء بالكدمات و لم أكن أستطيع النهوض حتى لو أدرت ذلك لكن كنت في وعيي و نظرت الى أمي كانت تحتضر و قلت في داخلي دعيها تموت محمد مات فلتمت هي ايضا ألم اكن اريد موتها على أي حال؟، ألم أنا من صرخ قائلة يا ليتك لم تموتين ؟، بعد ذلك لا اعرف لماذا نهضت و اتجهت نحو الهاتف و بعدها بقليل جاءت سيارة الاسعاف و نقلونا الى المستشفى و وضعونا في مكان منفصل بعد ذلك استجوبتني الشرطة و سألوني ماذا حدث في المنزل لأن ذراعي اليسرى كسرت مرتين و كل جسمي مصاب بكدمات و اخبرتهم أن صديقي قد مات في حادثة سير و من شدة الحزن و الخوف سقطت من الدرج و عندما رأتني والدتي حزِنت و اغمي عليها"

"كيف كتبت هذا السيناريو ؟"

" لا اعرف، كان هذا ما خطر ببالي وقتها"

"يعني انك قمت بحماية والدتك ضد القانون"

"هل هذا ما فعلته؟"

"لو قلتِ الحقيقة كانت والدتك سوف تعاقب قانونيا"

"ليغفر الله لوالدتي"

"هل سامحتها انت ؟"

"انا ؟"

"اجل أنتِ"

" أمي لم تطلب مني أن اسامحها أبدا في نظرتها كنت دائما المذنبة، بعد خروجنا من المستشفى بقيت تتهمني انني السبب في موت محمد و في اصابتها بنوبة قلبية"

"ماذا عن والدك ماذا فعل ؟"

"لا شيء، جاء الى المستشفى و ذهب لرؤية الأطباء و لكنه لم يسألني أبدا ماذا حدث ذلك اليوم"

"لماذا لم يسأل ؟"

"ربما لأنه خمن ما حدث، هل يمكن الا يعرف كيف تضربنا والدتي هذا يعني انه لم يرد ان يسأل"

"ماذا عن جولبان و نيريمان ؟"

"لم تأتيا إلى المستشفى او بالأحرى لم يقم اي احد بإحضارهم عندما عددنا الى البيت لم يطرح اي أسئلة فهموا انني تعرضت للضرب من أمي لكن الباقي بقي سراُ، لم نتحدث أبدا عن محمد و عن مرض والدتي"

"بعد ذلك اليوم لم تذهبي الى المدرسة مجددا اليس كذلك ؟"

"لم أذهب، لم يقل اي احد لماذا لم تذهبي بالنسبة لهم كان هذا افضل، أعتقد الجميع ان والدتي قد مرضت بسبب حزنها على محمد و اظن انهم ظنوا نفس الشيء بالنسبة لي، بعد سنة انتقلت عائلة محمد الى مدينة اخرى و اختفوا، والدتي لم تستعد صحتها منذ ذلك اليوم و خضعت لعملية جراحية مرتين و كنت دائما أعتني بها و عندما بقينا في البيت لوحدنا مجددا توفيت والدتي"

"انها قصة مؤلمة للغاية، هل توفيت في هذا المنزل ؟"

"اجل في الغرفة التي أنام فيها الأن، عندما لم يرد والدي الدخول الى تلك الغرفة مجددا اجبرت على ابقى فيها"

"كيف توفيت والدتك ؟"

" لم تتوقف عن اتهامي لسنوات رغم انني اعتنيت بها لكن لم ينفع ذلك ابدا، لقد سألتني منذ قليل اذا كنت سامحت والدتي؟، في الواقع هي لم تسامحني، هل تدرين ماذا كانت كلماتها الأخيرة ؟، أيتها القذرة المشؤومة أنا أموت بسببك، سيتكون يداي من الطرف الأخر كطوق على رقبتك لا تظني أنك تخلصت مني"

"قالت ذلك حتى بينما كانت تحتضر"

"اجل قالت ذلك، اذا لم أنتحر حتى هذا اليوم سيكون لأمي نصيب في ذلك، بما انها قد مرضت بسببي فالاعتناء بها كان من مسؤوليتي و عند موتها خفت من الذهاب الى الطرف الأخر و خفت الا تتركني ارتاح حتى في الطرف الاخر لقد قالت لي أن يديها كطوق على رقبتي"

"هل تلومين نفسك على موت والدتك و محمد ؟"

"لا تحاولي أن تواسيني فأنا واعية و أعرف ما هو الصحيح و ما هو الخطأ"

"الطبيب لا يقوم بمواساة الناس فقط يحاول إظهار الحقيقة، حتى لو كان بيدك هل كنت ستسمحين بموت محمد؟، الأن أجبينني من فضلك"

" يا ليتني مت بدلا منه سيكون العالم قد تخلص من قذارة"

"هل تفهمين الأن سبب الاستحمام و الغسل المتكرر و اللانهائي ؟"

"الاغتسال ؟"

"اجل مهما غسلتي و نظفت لم تستطيعي لا تنظيف الأغراض و لا نفسك"

" أشعر أن داخلي قذر مهما نظفت و غسلت لا ينتهي"

"ليس داخلك بل في الواقع لديك قلب مثل الذهب"

"هل تعتقدين ذلك حقا؟"

"اجل اعتقد ذلك حقا، و ايضا ما هو ذنبك بموت بمحمد علاوة على ذلك ربما انت شعرت بالحزن عليه بقدر عائلته, الأمر صدفة سيئة "

" أنه القدر، قدر سيء"

"أجل و كل هذا لم يكن بيدك، موت محمد ليس له علافة بكونك مشؤومة"

"في هذا العالم كان هناك شخص واحد فقط يحبني ولا ينزعج من وجودي، شخص واحد فقط و قد مات بسببي، اليس هذا حظ شؤم برأيك ؟"

" المشؤومة كم هي كلمة دون معنى، برايي ليس من حدود اي احد ان يقول عما كتبه الله انه شؤم"

"هل غضبتِ، لهذه الدرجة تحبين المخلوق الذي يدعى الانسان ؟"

"بالطبع أحبه، أحب الناس مع ذنوبهم و ثوابهم"

"لقد لاحظت انك لم تكرهيني منذ اول يوم كم هذا غريب بالرغم من انني ابدو قذرة و تقوح مني رائحة القذارة"

"اجل تفوح منك رائحة"

" واضح انك تحبين الناس كثيرا بما انك تشعري بالاشمئزاز مني"

"اجل الأمر كذلك"

"هل يمكن أن يُحبَّ الانسان مع ذنوبه أيضا ؟"

"أتساءل هل هناك أناس بلا خطيئة؟، بالتأكيد اننا ارتكبنا اخطاء طوال فترة عيشنا"

"ليس هناك عبد بدون اخطاء أحبني مع ذنوبي، هل تعرفين تلك الأغنية ؟"

" اجل لقد كان يغنيها أورهان غينجي باي، لقد كانت اغاني شبابنا"

"هل كنت اظن ان هذا يحدث في الأغاني فقط لكن يبدو انك انت ايضا تحبين الناس رغم أخطائهم"

"هذه هي المعرفة و الكمال ليس بمعرفة"

"هذا موجه لي اليس كذلك "

"لقد فهمتي، بالطبع اقصدك انت يا ليتك تكونين هكذا متسامحة مع نفسك و مع الاخرين أيضا"

"لم يكن أي أحد متسامح معي فقد نشأت مع العقوبات و القواعد و المحظورات"

"انظري انت محقة بهذا الخصوص، كانت والدتك امرأة صارمة غير متسامحة و كانت تعاقبك دائما و لكن هل تلاحظين انك تفعلين نفس الشي مع نفسك، تحاكمين و تعاقبين نفسك باستمرار"

"هل انا قاسية بقدر والدتي ؟"

"لا اعرف ربما اكثر منها"

" ما تعتقدين بخصوص موت والدتي؟، لقد اخبرتك بكل شيء"

"ماذا تريدين مني قوله؟، هل يتوجب على أن اقول أن والدتك قد توفيت بسببك ؟"

"أليس الأمر كذلك ؟"

"في ذلك اليوم هل انت من قال لها ان تقوم بضربك ؟"

"لكنه كان لديها سبب حقيقي لكي تقوم بضربي"

"ما هو ذلك السبب ؟"

"أنت تعلمين لقد امسكت بنا انا و محمد جنبا الى جنب"

" هل برأيك هذه جريمة تستحق ذلك العقاب الكبير ؟"

" أليس الأمر كذلك ؟، لو فعلت ابنتك نفس الشيء ألم تكوني لتغضبي منها ؟"

"لأنها تمشي جنبا الى جنب مع صديق لها ؟"

"لكن محمد كان معجبا بي "

" و ما السيء في هذا ؟، في المستقبل لو أصبح لديك ابنة هل ستغضبين منها ؟"

"لقد تشوش عقلي، ربما هذا لا يعتبر جريمة لكن عندما كانت أمي تضربني قمت باستفزازها ربما بعد ان تتعب كانت سوف تتوقف عن ضربي"

"لم يتبقى سوى ان تقولي ان والدتك كانت محقة"

"أليست محقة برأيك؟"

"بينما كانت والدتك تضربك حتى الموت كيف لي ان اقول انها محقة؟، هل يضرب الانسان طفله هكذا ؟"

"هل قمت بضربك اطفالك من قبل؟"

"انا ؟ أبدا، انهم روحي و أحبهم كثيرا"

"ألم يرتكبوا أي أخطاء من قبل ؟"

"و هل يمكن الا يفعلوا ، برأيك ما هو الخطأ؟"

" الخطأ هو عدم اتباع القواعد"

"من يضع تلك القواعد ؟"

"البعض يضعها الرب و البعض يضعها المجتمع"

"حسنا، لماذا يتم وضع تلك القواعد ؟"

"لا اعرف هناك سبب ما"

"انت محقة، تلك القواعد يتم وضع تلك القواعد حتى يتسنى للإنسان العيش بسعادة و طمأنينة، يعني انها توضع لأجل البشر، الم يكن بإمكانك تعلم تلك القواعد دون التعرض لتلك العقوبات القاسية ؟"

"هل تعلم طفلك "

"هل تعلم برأيك ؟"

"انك مختلفة كثيرا عن امي لدرجة انه من يدري كم ان طفلك مثالي"

"انظري انت مخطئة مرة اخرى، انا لا اريدهم ان يكونوا مثاليين بل سعداء و بصحة جيدة، و لأجل تحقيق هذا هل تعرفين ما هو اكثر شيء هم بحاجة اليه ؟"

"ربما التسامح"

"انت حقا امرأة ذكية، حتى هذا اليوم و لأنه لم يعاملك اي احد بتسامح من قبل لم تتعلمي اكثر شيء نحتاجه في هذه الحياة و لكن لم يفت الآوان بعد يا صفية"

"لا أعرف"

"و ايضا انا لا اجد انك محقة بتحميل نفسك مسؤولية وفاة والدتك، لقد تعرضت والدتك لتلك الأزمة بينما كانت تضرب بشدة"

"لكن في تلك اللحظة كنت اريدها ان تموت بدلا من محمد "

" هذا امر طبيعي اي شخص يتلقى هذا القدر من الضرب سوف يغضب، هل تعرفين أي نوع من الشعور هو الغضب ؟"

"هل يمكن الا أعرف لا يمكن لأحد ان يعرف ذلك أفضل مني"

"قومي بوصفه اذا "

"كيف يمكنني ان أصفه؟ ، انه شعور يشبه كرة مدفع موجودة في حلقك"

"ما قلته صحيح، في الواقع الغضب هو الرغبة في إيداء الطرق الأخر و هو شعور ليس غريبا على البشر"

"هل تغضبين انت ايضا ؟"

"ما هذا السؤال بالطبع أنا ايضا اغضب و باستمرار أيضا"

"يعني انت أيضا تودين ان تقومي بإيذاء الآخرين ؟"

"أجل بالضبط يا صفية لكن انا ايضا مثلك استطيع التحكم بهذا الشعور و لا أقوم بإيذاء الناس فقط أتكلم لا اكثر"

"يعني أنا أيضا مثلك ؟"

"اجل، في داخل بينما كنت تريدين موت والدتك و لا تستطيعين النهوض من مكانك تقومين بالعكس و تتصلين بسيارة الاسعاف و تقومين بإنقاذ حياة والدتك و لو لم يتم التدخل في الوقت المناسب ربما كانت والدتك سوف تموت، و ايضا ما قلته للشرطة قد جنبها العقاب و ليس هذا فقط بل تركتي الدراسة و إعتنيت بوالدتك لسنوات، ماذا كان بإمكانك فعله أكثر من ذلك ؟"

"لقد قلت لي كل هذه الأشياء و الغريب بالأمر تقولين كل هذا بصدق و كأن هناك ثقل قد أزيح من فوق كتفي و تم افراغ ما بداخلي، انا ممتنة لك حضرة الطبيبة لقد اخذت الكثير من وقتك اليوم أيضا، من الغريب لي ان تخصصي كل هذا الوقت للتحدث مع شخص مثلي و كل هذا الجهد، بجانبك اشعر بنفسي مهمة كما لم اشعر أبدا"

"من الجميل تفكيرك هكذا، لأول مرة تخرج كلمات تفاءل من فمك، هيا لنرى سأذهب الآن، سأعود مجددا في أول فرصة لكن أود الدخول الى منزل انظف قليلا و التخلص من زوايا المطبخ تلك و الجلوس في صالة نظيفة، ما رأيك ؟"

"أنا أفهمك جيدا، سأفعل كل ما بوسعي"

"لكن لا تتعبي نفسك كثيرا اتفقنا ؟"

"حسنا حضرة الطبيبة و أنت ايضا لا تتعبي نفسك كثيرا"

تودعنيي صفية عند الباب و اثناء نزول من الدرج أشعر و كأنني خرجت من فيلم حزين للغاية، ما كل تلك الوحشية و القساوة؟، لا أحد يصل الى تلك الحالة بدون سبب المسكينة صفية، كم هو مهم الأم التي ولدنا منها الى هذا العالم و هذا عبارة عن نصيب و حظ فنحن لا نستطيع ان نختار عائلاتنا بأنفسنا، لقد تأثرت كثيرا بكلامها لدرجة أنني كنت أمنع نفسي من البكاء بصعوبة و وصلت الى هذه الحالة فقط و انا استمع اليها، كيف تحملت هذه الفتاة كل هذا العذاب؟ في الواقع مع وضعها هذا لا يعتبر أنها تحملت، لقد تأثرت كثيرا، متى سوف اتعلم أن اكون محترفة قليلا و أعتاد على الأمر يا ترى ؟








Reactions:

تعليقات