رزان تأتي إلي بإنتظام منذ عام ، تستمر حياتها بطريقة منتظمة إلى حد ما ، في أحد الأيام قبل ستة أشهر كانت والدتها في المنزل لوحدها ، تناولت أولا جميع الأدوية التي في المنزل ثم شغلت الغاز ، و انتحرت ، كانت قد ماتت بالفعل عندما وجدها زوجها ، و قد تركت وراءها رسالة قصيرة ، " عفت تناديني ، أحتاج أن أكون معها قليلا ، أتمنى أن تفهموني "
تجاوزت رزان هذا الموت بشكل أخف بكثير مما
كنت أتوقعه ، لأنه بالنسبة لها في هذا العالم لا يوجد شيء يثير اهتمامها سوى ذلك
الرجل ، و أيضا لم تتفجأ هي و والدها كما لو أنهما كانا يعرفان منذ سنوات أن
السيدة نيفين ستفعل ذلك ، تماما منا حدث مع عفت ، عادت حياتهم إلى طبيعتها في وقت
قصير ، الآن تواصل الخادمة القدوم الى المنزل ، التنظيف و الطبخ عليها ، كالعادة
يقوم الأب بالتسوق و في المساء يشاهد التلفاز كما السابق ، و رزان تكون في غرفتها
تستمع إلى الراديو و تقرأ الكتب في نفس الوقت ، لا تزال دون أصدقاء ، و مع ذلك بعد
وفاة أمها أصبحت قريبة من ابنة خالتها ، الآن يخرجون معا فس عطلة نهاية الأسبوع ،
يتناولون الطعام في الخارج و يذهبون أحيانا إلى السينما معاً ، كما لديهم خطط
لقضاء هذا الصيف معاً ، و هي عزباء كذلك ، انفصلت عن زوجها قبل بضع سنوات و ليس
لديها أطفال ، تحضر رزان أحيانا وصفات الكعك و المعجنات التي تعلمتها منها في
المنزل ، و الأب سعيد بهذا لأنه بينما كانت زوجته على قيد الحياة ، كانت تمنع
عليهم مثل هذه الأطعمة حتى لا يزداد وزنهم ، لم يأكلوا الكعك أو الفطائر لسنوات ،
لكن بخلاف ذلك ، لم يتغير الكثير في المنزل ، لم يتغير النظام الذي وضعته الأم ،
كالعادة لم يتم إرتداء الثياب الجديدة دون غسلها
الآن تجلس رزان على الكرسي المقابل لي ، و
تستعد لمناقشة ما مرت به في الشهر الماضي ، لم تتحدث عن وفاة والدتها مرة أخرى ،
تبدو نظيفة و أنيقة كعادتها
"مرحبا رزان ، تبدين أنيقة اليوم مجددا
اليوم "
" شكرا لك حضرة الطبيبة ، أحاول الإعتناء
بنفسي قدر استطاعتي ، حينها يكون مزاجي جيد ، كما أنني موظفة و يجب أن أكون أنيقة
دائما "
" أنت محقة رزان ، برأيي هذا جيد أيضا ،
ماذا يوجد أيضا ؟ "
" رجلي يرجل أخيرا من أنقرة ، كما
تعرفين لقد تزوج في الشهر الماضي ، لقد تزوج من معلمة ، أتمنى لهما السعادة "
" هل تتكلمين بصدق ؟ "
" صدقيني ، بما أنه لم يستطع الحصول علي
، ليكن على الأقل سعيدا مع تلك الفتاة ، لكن حتى لو أردت ذلك فالأمر مستحيل ، أعرف
ذلك ، كل تفكيره عني ، يعتقد أنني سوف أغضب منه لأنه سوف يتزوج ، كل مساء يعتذر
مني عن طريق الأغاني في الراديو ، يتوسل لكي أسامحه ، بينما أنا لست غاضبة منه ،
لو يكن لديه أي خيار أخر و أنا أعرف ذلك ، الآن سيكون زوجا لإمرأة أخرى ، ربما لم
يتحمل رؤيتي أكثر من ذلك ، ربما سوف يرتاح قليلا إذا لم يراني كل يوم ، متأكدة أنه
لهذا السبب يذهب من أنقرة ، لكن يستحيل عليه أن ينسى ، كلانا يعرف ذلك "
" ماذا عنك ؟ هل سوف ترتاحين أكثر عندما
يذهب ؟ "
" لا أعرف ، بالنسبة لي لا يفرق الأمر ،
حتى لو كان هنا أو في مكان آخر ، نحن لم نجتمع قط "
" هذا يعني أنه لا يحزنك رحيله من
أنقرة"
" بالنسبة لي لا شيء سوف يتغير ، لكنه
حزين للغاية ، الرجل تحول الى رماد ، في بعض الأحيان أخاف ألا يتحمل إشتياقه لي و
ينتحر "
" لا أعتقد أنه سوف يفعل شيئا كهذا ،
الحب شعور جميل ، يجعل المرء سعيد "
" هذا صحيح ، من الجيد دائما أن يحب
المرء ، كما تعلمين دائما ما أتسكع مع ابنة خالتي في عطلة نهاية الأسبوع ، ليس
لديها حبيب ، ليس هناك أحد تحبه و لا أحد يحبها ، حياتها فارغة للغاية ، من الجيد
أنني لست مثلها ، لا أخبرها بأي شيء مثلما قلتي لي ، تظن أنه ليس لدي حبيب أو أحد
يحبني ، تعتقد أنني أعيش حياة فارغة ، لا تعرف أنني ربما أعيش أعظم حب في هذا
العالم ، الأسبوع الماضي كان عيد ميلادي ، و قد احتفلت أجهزة الراديو بعيد ميلادي
حتى الصباح ، و أنا كذلك لم أنم طوال تلك الليلة و أبواق السيارات المارة من أمام
باب المنزل لم تتوقف أبدا ، أحياناً أغضب من هذا الرجل ، تزوج و غادر و عندما فهم
أنني غاضبة لو تعلمين كم كان خائفا من أن أتشاجر معه ، انظري مقدار حبه لي ، يقول
البعض أن ما تسميه حباً يستغرق أربعين يوماً أو أربعين عاماً "
" هل حقا سيستمر هذا الحب كل هذه المدة
؟ "
" سوف يستمر يا حضرة الطبيبة ، سوف
يستمر ، حتى لو متنا لن ينتهي هذا الحب ، هذا الرجل ليس انسانا عاديا ، الحب عند
الناس الطبيعية ينتهي ، و أنا كذلك لا أعتبر شخصاً طبيعياً "
" تعتبرين شخص غير طبيعي ؟ "
" بالطبع ، لقد كنت آتي إليك بإنتظام
منذ عام و نصف و مازلت أتناول الدواء ، لو لم أكن أعاني من شيء ما ، فلماذا تعطيني
الدواء ؟ "
" لم أقل أنه لا تعانين من أي شيء
"
" صحيح ، لكني أعرف أنني أعاني من بعض
المشاكل "
" برأيك أي نوع من المشاكل ؟ "
" في الواقع يجب أن أسألك هذا السؤال ،
لكنني لن أسأل ، بالنسبة لمشاكلي ، ألا ترين كم أنا وحيدة ؟ "
" أجل ، أنا أعرف أنك وحيدة "
" لماذا أنا وحيدة ؟ ألست جميلة ؟
"
" أنت فتاة جميلة جدا "
" هل ليس لدي مال و لا عمل و لا عقل ؟
في الواقع أمتلكهم جميعا و أكثر من ذلك ، لكنني لست قادرة على إنشاء علاقة أو
التواصل مع الناس ، إنهم يهربون مني ، حتى صاحب الشاي يتحدث مع الجميع عندما يأتي
و لكنه يتجاهلني ، أنا أبعث طاقة سلبية حولي ، لا أستطيع أن أضحك و لا أستطيع
إلقاء النكت ، لا أستطيع التحدث مثلهم ، و أنا أظل عالقة ربما لهذا السبب أتناول
هذه الأدوية ، أنا مختلف عن الآخرين ، أنا أشاهد و أفسر كل تحركاتهم بعناية ، لا
يمكنني أن أكون مرتاحة أبداً مثلهم ، رغم كل ذلك ، هذا الرجل أحبني أنا و ليس أحدا
منهم ، لا أحد يستطيع التقليل من شأن هذا ، ربما كان يحب هذه الاختلافات ، لا أعرف
، لكن أحترامي له يزداد ، لقد ارتكب الكثير من الأخطاء لأنه لم يعتقد أبداً أنني
قد أقع في حبه أيضاً ، لم أعد ألومه على كل ذلك ، لقد حدث ما حدث ، ربما هذا هو
الأفضل ، عندما أعود إلى المنزل ليلاً و أقوم بتشغيل الراديو ، أصبح أسعد شخص في
العالم ، من يدري كم ملاين من النساء يحلمن بمثل هذا الحب و لكن لا يمكنهن العثور
عليه "
" أعتقد أنك محقة ، النساء تقدرن الحب
أكثر من الرجال "
" هذا الحب أعظم مما يمكن أن يتخيلوه ،
أنا متأكدة من أن النساء الأخريات لا يستطعن حتى تخيل ذلك ، كم عدد النساء اللواتي
يُشغل الراديو أغاني حب لأجلهن دون تعب أو ملل كل ليلة ؟ كم امرأة ترن جميع أبواق
السيارات لأجلهن حتى الصباح و كأنها سوف تتزوج ؟ كم عدد النساء اللواتي يرحبن بهم
الناس و يتقبلونهن على انفراد أينما ذهبن ؟ "
" لم أفهم أخر شيء قلته "
" في اليوم السابق ذهبت مع ابنة خالتي
لتناول العشاء ، من الواضح أن المدير قام بتنبيه النادل ، لم يعرف كيف يخدمنا ،
كما تفاجئت ابنة خالتي بهذا ، و قالت أنها تأتي إلى هنا دائما و تقول أن الخدمة
جيدة جداً ، ضحكت من الداخل ، بينما هذا الرجل موجود فأينما ذهبت سوف يرحب بنا
الجميع أمام الباب ، أليس هذا جميل ؟ "
" نعم جميل جداً ، حسنا من أين يعرف أنك
سوف تذهبين إلى هناك ؟ "
" لا أعرف ، و لكن ليس النوادل فقط و
لكن حتى الموسيقى التي سيتم تشغيلها في المطعم تم ترتيبها مسبقاً ، حتى أنه أعلن
حبه لي هناك ، لا أحد يفهم ذلك سواي ، حتى ابنة خالتي لا تعرف أي شيء ، إنه رجل
ذكي للغاية ، يعرف كيف يقوم بعمله ، يمكنه أن يذهب ، الآن أعلم أنه لا شيء سيتغير
، لأن عقله سوف يظل هنا ، إنه خائف أن أنزلق من بين يديه ، بعد كل شيء فأنا فتاة
جميلة و ساحرة ، علاوة على ذلك أجهز نفسي و أخرج إلى الشارع كل يوم و مكتبنا مزدحم
للغاية ، هناك الكثير من الرجال ، إنه يغار علي من الجميع ، أنا أضحك من الداخل ، في
الواقهع ليس هناك داعي لأن يغار علي ، أنا لا أنظر إلى أي شخص ، إنه يعرف ذلك على
أي حال ، لا يستطيع التحكم بنفسه ، خاصة خلال أيام الحيض ، يزداد شغفه بي أكثر و
لا يتركني للحظة "
" ماهو الإختلاف في تلك الأيام برأيك ؟
"
" سمعت أن النساء تكن أكثر رغبة في تلك
الأيام ، أعتقد أنه خائف من أرتكب خطأ ما "
" أي خطأ ؟ "
" يعتقد أنني ساكون مع أي شخص يأتي في
طريقي ، إنه يعلم أنني لست من هذا النوع من الفتيات و هو يثق بي كثيراً ، لكنه رجل
غيور جداً ، إذا استطاع كان سوف يتدخل بخصوص ما أرتديه ، لكن ليس لهذا الحد فأنا
فتاة حرة و أرتدي ما أريد "
" أنت في الحقيقة أنيقة جداً و ترتدين
ملابسك بعناية ، لم أرك أبداً ترتدين أي شيء غير مناسب "
" بالطبع ، و أنا أعرف ذلك لكن العاشق
يكون أعمى ، حتى أنه يغار علي من نفسه ، هل تعلمين لم أعد أمارس العادة السرية
"
" لماذا ؟ "
" لم أعد أفعل ذلك ، لا أريده أن يحزن ،
فهو يحزن على هذا حتى ، كما قلت لك فهو يغار علي من نفسه حتى "
" الأدوية التي تتناولينها لها أيضاً
تأثير في خفض الرغبة الجنسية "
" لا ، ليس بسبب الأدوية "
" حسنا رزان ، يبدو أنك منزعجة قليلا من
ذهاب ذلك الرجل لكن على حسب ما فهمت هذا لن يؤثر على علاقتكما ، لا يوجد مشكلة إذن
"
" بالتأكيد ، سوف يستمر حبنا حتى الأخير
"
" المهم بالنسبة لي هو صحتك و سعادتك ،
أنت أيضا لا تريدين التخلي عن ذلك الرجل ، إذا اردت فرحيلة سيكون فرصة لك ، قد
تخرجينه من حياتك لكنك لا تريدين ذلك "
" ليس أنا ، بل هو الذي لا يستطيع
التخلي عني ، لماذا لا تريدون فهم ذلك ؟ "
" أنا أفهم ، و لست ضد أي شيء ، كما
أخبرتك ليس هذا الرجل هو المهم بالنسبة لي بل أنت ، صحتك و سعادتك ، بما أن وجود
هذا الرجل يجعلك سعيدة ، فلا يمكنني الاعتراض على ذلك ، الآن أرى أنه لا يمثل اي
ضرر لك بل حتى إنه يجعلك سعيدة "
" أنا سعيدة للغاية ، كنت أخشى أن
تعترضي لأنك الشخص الوحيد الذي يمكنني التحدث معه عن هذا الحب ، إذا اعترضت سأكون
في موقف صعب للغاية و سأكون وحيدة جدا ، أرجوك حاولي فهمي "
" كما قلت سابقاً ، ليس لدي أي إعتراض ،
ما دمت أراك سعيدة و بصحة جيدة فلا مشكلة ، و أنا أرى أنك بحالة جيدة ، كيف هي
أوضاع العمل ؟ "
" كما تعلمين لا توجد مشكلة ، أقوم
بعملي بدون تقصير "
" كيف حال والدك ؟ "
" جيد ، لا يتحرك من أمام شاشة التلفاز
"
" ماذا عن الكعك و المعجبات ، هل مازلت
تحضرين مثل هذه الأطعمة ؟"
" كل أسبوع أحصل على وصفة لشيء جديد و
أجربه في المنزل ، والدي يحب ما أحضره ، و يقول " اتضح أنك طاهية ماهرة
جداً"، الآن أنا أتعلم الحياكة ، هناك الكثير من الصوف في سلة الحياكة الخاصة
بأمي "
" من يعلمك ؟ "
" بالطبع إنها ابنة خالتي "
" ماذا عن الكتب ؟ "
" لا تقلقي ، لا أهمل قراءة الكتب ،
أصبحت أنهي كتاب واحد كل شهر ، الشهر القادم سوف أحضر لك الكتب الجديدة التي
اشتريتها ، لنرى إذا كانت سوف تعجبك ؟ "
" سوف أكون سعيدة جدا بهذا ، الكتب
السابقة كانت جميلة للغاية ، و متأكدة أن الكتب الجدية سوف تكون جميلة كذلك "
" سوف أذهب الآن ، ابنة خالتي تنتظرني ،
اليوم سوف نخرج لتناول الطعام ثم نذهب إلى السينما ، نلتقي في الشهر المقبل حضرة
الطبيبة ، الى اللقاء "
" الى اللقاء رزان ، أريد أن اراك مجددا
سعيدة هكذا "
تبتسم رزان ابتسامة خافتة و تخرج من الغرفة ،
إذن سوف يستمر الحب حتى تموت و لن تتخلي عنه ، و كيف كنت خائفة من أن أعارض ذلك ،
لا تقلقي يا رزان لن أعراض هذا الحب أبداً ما لم ترغبي بذلك ، يكفي أن تشعري بنفسك سعيدة ، ربما في سوم من
الأيام لن تحتاجي إلى هذا الحب ، من يدري ؟
لا يزال علاج رزان مستمراً ، سنوات الطفولة و
الشباب التي عاشتها مع أم مريضة ، حعل رزان تقع في براثن أشد الأمراض أمراض الطب النفسي
، مثل " الفصام" ، لكنها تحاول بطريقة ما التمسك بالحياة ، حتى تكن
ناجحة جدا في مكان وظيفتها ، إلا أنها لا تواجه أي مشاكل في الوقت الحالي ، تستمر
بعيش الحب الذي خلقته في رأسها بكل قوة ، ما تزال محبوبة من طرف ذلك الرجل ، و مرة
أخرى يوجه لها رسائل الحب من طرف كل العالم ، لكن هذه المسألة يتم التحدث عنها فقط
بيننا الآن ، ليس من السهل فهم أنها مريضة عند النظر من الخارج ، إنها فقط
إنطوائية ، لا تتحدث كثيرا ، ليس لديها أصدقاء ، فتاة شابة و وحيدة ، نظيفة و
أنيقة
أفكر الآن ، لو كان هذا قبل خمسين سنة لكانت
رزان ربما عاشت حياتها في مستشفى للمجانين ، لا يمكننا إنكار نصيب التطورات في
الطب ، خاصة علم الطب النفسي ، و الأدوية ذات القوة العلاجية العالية جداً ، و
التي تدخل السوق كل يوم
لكن لا تزال أجهزة الراديو و التلفاز و أبوق
السيارات توصل الرسائل من حبيبها كل يوم...
النهاية
تعليقات
إرسال تعليق