القائمة الرئيسية

الصفحات

فتاة النافذة الفصل السادس / الجزء الثاني : كنت أجلس بجوار النافذة أحاول التعرف على الحياة

 

تتمة

"لم تلد ، كانت لا تزال طفلة...، لم يتمكنوا من إيقاف النزيف ، ربما تخصلت الفتاة المسكينة ، تخلصت من آلام هذه الدنيا و عذابها ، و أنا هنا أعيش هذا بدلا منها ، أنا ذلك الشخص الذي لم يرده أي أحد و يخشون لمسه ، الذي وقع على حياة الجميع مثل سحابة مظلمة ، أنا تلك الفتاة التي ليس لها مكان في هذا العالم و التي سرقت حياة فتاة أخرى ، فتاة ثمينة للغاية..."

لا أشعر برغبة في مواساتها الآن ، بقول كلمات مألوفة مثل " ما ذنبك في هذا..." هي الآن ليست بحاجة للعزاء بل تريد أن يفهمها أحد

" هذا كل شيء يا سيدة جولسيران ، لقد كُتب لي مثل مصيرهم ، عانيت من عقابهم و ماتوا جميعا ، لا أفهم كيف أن فتاة مثيرة للشقفة مثلي على قيد الحياة ، أنا لا افهم كيف لا يموت طفل مكروه لهذه الدرجة ، كيف يعيش ؟ "

تسعل نالان عدة مرات و تضع المنديل فوق فمها للتخلص من الفواق في حلقها ، لن تغادر أن تخبرنا بالقصة حتى النهاية

" عندما قال الأطباء إنهم فقدوا الأم يوم ولادتي ، أصيبت العائلة بالجنون ، ألقوا بأنفسهم على الأرض ، ثم عندما كانت تتم جنازة والدتي ، كنت في المستشفى ، لم يتصل أو يسأل أي أحد ، ثم اتصل بهم المشفى لأجل أخذ الطفل ، عندما لم يصدر منهم أي صوت ، قال الأطباء أنه سوف يضعون الطفل في الميتم ، و في الأخير قاموا بأخذي و قتها كنت أبلغ خمسة عشر أو عشرين يوما ، وجدوا المربية هافيش حتى تتمكن من الاعتناء بي ، و جاءت عمتي و هي امرأة لم تتزوج من قبل و لجأت إلى والدي لسنوات ، و أعتقد أنه لها فضل بعدم بقائي في المستشفى "

" عمتك ، يعني أخت جدك ؟ "

" أجل صحيح ، عائلة جدي كلها رفضتهم ، بقيت عمتي فقط الى جانبن ، و بما أنهم لم يتمكنوا من أخذ ممتلكاتها منها كان والدي يعتني بها لسنوات ، و من بعدي كان عمتي تدعمنا ماديا ، طوال هذه السنوات لم تتخلى عني ، تنجح دائما في التواجد بقربي أينما ذهبت "

" هل كانت تهتم بك عندما كنت صغيرة ؟ "

" كانت ستعتني بي لو سمحت لها أمي بذلك ، حتى أنها قالت لهم أعطوها لي سوف أهتم بها ، لم يفعلوا ذلك ، وضعوني في غرفة و وضعوا المربية هافيش على رأسي ، و الكثير من المعلمين الخاصين ، هكذا كبرت "

" كيف ذلك ؟ كيف هي المربية هافيش ؟ "

" كبيرة في السن ، لا تعرف الكتابة و القراءة ، نظيفة و دقيقة جدا ، لو كانت خلاف ذلك لما كانت والدتي ستأخذها إلى المنزل "

هذا أيضا غريب ، بقدر ما فهمت فالجدة كبرت في منزل فيه الآنسات لتعليمعن و كانت تتحدث الفرنسية مثل اللغة الأم ، لكنها تأخذ امرأة عجوز أمية إلى المنزل لأجل رعاية الطفلة ، ألا ترى أن الطفلة تستحق أفضل ؟

"عندما ولدت كان القانون مكرساً للعائلة بأكملها ، أعرف عائلتنا ، لكنني لا أعرف ما فعلته عائلات جدتي و جدي ، و ماذا مروا به ، كل ما أعرف أنهم كانوا يفكرون في الفتيات العازبات في الأسرة ، بقولهم لمن سوف نعطي هؤلاء الفتيات ؟ ، أعتقد أنه بعد هذه الحادثة لم يرغب أحد في طلب يد الفتيات من العائلة أو إعطائهم بناتهم ، لقد توسخ اسم عائلتنا "

أستطيع توقع ذلك ، شخص من طرف الأم يعني خال الفتاة ، يغتصب ابنة أخته ، شعبنا لا يغفر هذا ، تماما كما يحدث عندما تخرج فضيحة أو فاحشة من الأسره ، فالعائلة كلها تتوسخ ، لا أحد يقول ما هو ذنب الآخرين ، و هكذا يحدث تغير في مصير جيل كامل

" كانت جدتي و جدي أكبر مني بكثير ، بما أنني أعرفهم كأبي و أمي فلا تتفاجئي إذا قلت والدي عند الحديث عنهم "

" حسنا سيدة نالان "

" قالت والدتي للجميع أنها ابنتها و زوجها قد توفيا في حادثة سير و أنني الوحيدة الناجية ، كانوا يقولون لي ذلك أيضا ، لسنوات عرفت الأمر على هذا النحو "

"ماذا حدث لخالك ، يعني والدك ؟ "

"لا يزال الأمر مجهول ، ما قيل لي هو أنه عندما اكتشفوا أن والدتي حامل ، اختفى ، لكنني لم أصدق ذلك مطلقاً ، ربما قد مرته العائلة ، ربما انتحر ، يعني أنه قد اختفى شابان في مقتبل العمر بسببي "

تصمت مجددا ، لا يجب أن أتدخل الآن

" لطالما فكرت في أمي...، أمي الصغيرة التي دخلت الأراضي السوداء عندما كان عمرها ثلاثة عشر أو أربعة عشر سنة...، ظللت أفكر فيما مرت به ، ما شعرت به ، هل كانت خائفة جدا...، و ماذا عن والدي ؟ كيف كان يا ترى ؟ هل يجب أن أكرهه لأنه تسبب في وفاة والدتي أم أشعر بالأسف عليه أيضاً؟ كان والدي يعني خال والدتي و شقيق جدتي في الثالثة و العشرين من عمره عندما اختفى أو مات ، أي نوع من الأشخاص كان ؟ هل كان وحشا قاسيا ، فاسدا ، شريرا ، أغوى ابنة اخته ؟ ، في ذلك الوقت كان يدرس في كلية الحقوق...، ربما كان سيصبح قاضيا و يعاقب المجرمين...، كيف يمكنه أن يقعل مثل هذا الشيء بنفسه بينما كان يتعلم معاقبة الآخرين ؟ هل أجبر والدتي ؟ أم أنه كانت هناك علاقة محرمة بينما ؟ لكن عندما كانت أمي المسكينة في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمرها ، هل كانت تعرف ماهو الحب ؟ هل لهذا السبب كانت دائما عيون جدتي التي أناديها أمي ممتلئة بالدموع ؟ هل لهذا السبب كانت تصلي دائما في المساء و تطلب التوبة و الغفران ؟ ماذا كان ذنبها في هذا ؟ لماذا كانت تلوم نفسها كثيرا ؟ أتساءل إن كان جدي الذي أسميه أبي كان يضحك بين الحين و الآخر قبل هذا الحادث ؟ كيف شعروا عندما أخذوني بين أذرعهم ؟ هل اشمئزوا مني ؟ أم أنهم دعوا إلى الله أن أموت أنا أيضا ؟ هل لذلك أطلقوا علي اسم نالان ؟ (يعني الباكية) ، لماذا عشت عندما ماتوا جميعا ؟ ألم يجرؤوا على قتلي ؟ أم أنهم حاولوا جاهدين لكنني مع ذلك لم أمت ؟ عندما كنت طفلة صغيرة ، هل كنت كائنا مقرفاً لم يجرؤ أحد على لمسه أو تحمل النظر إليه ، هل كنت خطيئة قد تلوث يد من يلمسها ؟ ماذا رأوا عندما نظروا إلى وجهي ؟ من كنت أشبه ، امي التي أغراها خالها ، أم أبي الذي أغوى إبنة أخته ؟ "

لم تعد تحكي لي بل تخبر نفسها  أو تلك الطفلة الصغيرة بكل تلك الأشياء ، لقد ضاعت...، أعتقد أنها تحمل ذلك الطفل الصغير بين ذراعيها و تتحدث إليه ، ااه ، إذا تمكنت من تحقيق السلام مع تلك الطفلة الصغيرة ، فسوف تكون هذه الآلام خفيفة جدا...

"هل يعرف أحد كيف نشأت تلك الطفلة الصغيرة في ذلك المنزل المظلم الذي يشبه الزنزانة ، و ما الذي مرت به ؟ من سوف أحاسب الآن على ما عشته في طفولتي ؟ أي قاض ، أي مدعي سيستمع إلي ؟ حتى لو استمعوا ، ألن ينهضوا و يغادرو في منتصف الحديث ؟ هل يحب لله من لا يحبه أحد و يهتم به ؟ حتى لو كان يحبه فكيف يشرح هذا لعبيده الآخرين ؟ أفلا يقولون أن العالم قد انهار علينا بسببها ، و لا يمكننا النظر إلى وجه أي شخص ، نشعر بالخجل من أنفسنا ،  أليس مؤسفا على جدي و جدتي اللذين كرهتهما لسنوات و حملت ضغينة ضده لأنهما لم يحبوني ؟ "

إذن نشأت هذه الطفلة في ذلك المنزل دون أن تكون محبوبة أو يداعب أحد شعرها ، و عرفت نالان الحقيقة بعد ذلك بكثير ، لذلك كانت تكره الناس الذين ينظرون إليها ، عندما علمت بالحقيقة تحولت كل تلك الكراهية تجاه نفسها

ااه ، يا الله

عندما يولد الطفل فهو في حاجة كاملة للرعاية ، تلك العلاقة الأولى بين الأم والطفل هي في الواقع الخطوة الأولى نحو مصيرنا ، إذا فهمت الأم على الفور احتياجات الطفل من تلويحه ومظهره وأصواته ولبت هذه الاحتياجات على الفور ، يبدأ الطفل في الوثوق بهذه البيئة الجديدة

الطريقة التي تتصرف بها الأم مع الطفل في هذه المرحلة مع نمو الطفل ، فإنه يؤسس العلاقات مع الآخرين مثل هذه العلاقة مع الأم التي تعلمها لأول مرة ، العالم مكان آمن لذلك الطفل إذا طمأنته الآم ، إذا لم تعطيه ذلك الآمان فهو غير آمن بالنسبة له ، لا يمكن الاعتماد على جميع العلاقات بالنسبة لهذا الشخص عندما يكبر في المستقبل إذا لم يجد الثقة التي يبحدث عنها و هو طفل ، عندما يواجه صعوبات في هذه العلاقات ، يهرب على الفور من العلاقة ، و لا يقاتل ، يبحث عن طرق لتهدئة نفسه ، إنه مثل التسوق طوال الوقت ، و الاستيقاظ في منتصف الليل و تناول الكثير من الطعام ، يحاول بإصرار إرضاء الجوع العاطفي الذي لا تستطيع والدته إرضاءه من خلال القيام بهذه الأشياء ، يبدو الأمر كفضول التسوق اللامتناهي لنالان ، حتى التقت بخيري ، أو يريد هؤلاء الأشخاص أن يكونوا في علاقة دائمة أو جنبا إلى جنب مع الشخص الذي يحبونه ، يكون تفكيره منشغل بإستمرار إذا ما كان الشخص الذي يحبه يبادله نفس المشاعر ، قلق دائما بشأن هذا ، خائف جدا من أن يتم التخلي عنه و يبدو أنه يكون متأكذ من أنه سيتم التخلي عنه يوما ما على أي حال

إذا لم تقرأ ماضيك بشكل صحيح ، سوف تستمر في تكرار نفس الماضي طوال حياتك و تنقله إلى طفلك مثل القدر

" حتى لو أخذ المرء قطة إلى المنزل ، فلا يتم إطعامها و تدفئتها فقط ، حتى القطة تزحف إلى قدميك تقول لك اعتني بي ، تقول لك أحبني ، لم أستطع حتى الزحف نحو أقدامهم ، كانوا خائفين من لمسي ، لقد أطعمتني المربية هافيش ، و كستني و اعتنت بي ، لكنهم كانوا يهربون مني ، لم يرغبوا حتى في رؤيتي ناهيك عن لمسي ، لقد جهزوا لي أكبر غرفة في المنزل ، كانوا ينامون في غرف أصغر ، كانت غرفتي تحتوي على أكثر من كل شيء يمكن أن يريده الطفل ، أجمل الأسرة ، أغطية من الدانتيل ، جميع أنواع المصابيح ، الألعاب ، الكتب ، الأقلام ، كنب التلوين ، جميع أنواع الألعاب...، أتعلمين ما هو الشيء الوحيد الذي لم يكون موجودا ؟ الحب...، لا يدخلون غرفتي أبداً أثناء تواجدي فيها ، كنت دائماً وحدي في تلك الغرفة قبل دخولي للمدرسة ، كانت المربية هافيش تدخل و تخرج من الغرفة ، تطعمني شيئا ، و تلبسني ، و ترمي لي الألعاب أمامي و تغادر "

المربية هافيش كذلك لا تظهر أي حب ، فقط تقوم بعملها

"عندما كانت جدتي ستذهب إلى مكان ما ، كانت هافيش تقوم بتجهيزي و تمشط شعري و تلبسني أكثر ملابسي أناقة و تضع لي الكولونيا و تخرجني من الباب ، كنت أنتظر جدتي هناك لمدة ، بعد فترة كانت تكون جاهزة و ننزل معاً ، كانت حريصة على ألا تلمسني حتى أثناء جلوسنا بجوار بعضنا البعض في السيارة ، لكن الأمور تتغير عندما نصل إلى وجهتنا ، عندها فقط كانت تمسك بيدي و تضع ابتسامة مزيفة على وجهها ، و تمدحني في المنزل الذي ذهبنا إليه و تخبرهم كم أنا ذكية و مجتهدة و مهذبة ، عندما يحين وقت الضيافة كنت أرتعب من فعل شيء خاطئ ، لم أكن أزيح عيني عنها أبداً ، كانت النساء هناك يعتنين بي و يطرحن الأسئلة و يداعبن رأسي و يخبرنني كم أحبنني ، لكنها كانت مجرد لعبة ، عندما نخرج منها نتتهي اللعبة ، و بمجرد ركوبنا السيارة تنزع جدتي قناع السعادة و تتصرف و كأنني لست موجودة هناك ، أستدير و أنظر إليها بإستمرار لأرى إذا ما كنت قد فعلت شيئا خاطئاً ، في بعض الأحيان كنت أسألها ، " لقد قالوا لي أحسنتِ ، لقد أحبوني ، أليس كذلك أمي ؟ "، لأن أهم واجباتي أو بالأحرى سبب وجودي هو أن أنجز كل شيء بشكل جيد ، و هي كانت تهز رأسها دون أن تنظر إلي "

مصيرنا مكتوب في البيوت التي ولدنا فيها ، قبل سنوات كان دكتور اسمه سبوك قد نشر كتابا قدم في نصائح للأمهات حول علاقتهن بأطفالهن حديثي الولادة ، كان يقول ، "دعيه يبكي ، سوف ترين أنه سيبكي لمدة يومين أو ثلاثة أيام ثم يصمت ، سوف يكون طفلا يتبع القواعد جيدا "، في تلك السنوات ، بكى أطفال الأمهات اللواتي قرأن هذا الكتاب في أسرتهم لعدة أيام ، و تقيأوا و شعروا أنهم على وشك الاختناق ، لكن الأمهات لم يذهب إلى الطفل أبدا ، و لم يحملنه بين ذراعيهن و لم يقمن بهزهه و لم يغنين له تهويدة ، بإتباع توصيات الطبيب

بالفعل سكت الأطفال بعد فترة ، هؤلاء الأطفال الذين لم يتغذوا من قبل أمهاتهم ، لا يشعرون بالرضى من هذه الحياة

إذا قال لكِ أحدهم ، " لا تحملي الطفل بين ذراعيك ، لا تفسديه ، أتركيه يبكي " ، لا تستمعي إليه ، انها علاقة تغدية للدماغ ، لا تجوعي دماغ طفلك

حالة نالان أسوأ من أطفال الدكتور سبوك ، أعتقد أنه لم يكن هناك من يأخذها بين ذراعيه و يحبها و يداعبها من حين لآخر ، لم تكن تعرف حتى كيف تتذوق تلك المشاعر ، أهملتها الأسرة كثيرا و تجاهلوها لدرجة كبيرة و كأنهم يقولون لها "أنت غير موجودة" ، لم يتم إهمالها فقط بل تم الإساءة إليها أيضاً ، تم حبسها في غرفة و قطع علاقاتها مع العالم و هذه المرة بهذه الطريقة يقولون لها " لا نحبك "

جعلها خيري تذوق الحب و الرحمة و الإهتمام الذي لم تتذوقه أبداً ، لم تكن هذه العلاقة قد تطورت ببطء فلن تثق به نالان أو تصدقه أو تستسلم له أبدا ، و خيري جعلها تتعلم كل هذه المشاعر ببطء و كان مثل المعلم

الآن بدأت كل القطع تأخذ مكانها في رأسي ، هدفها كان هو إشباع جوعها للحب أولا ، ثم القيام بعمل جيد حتى يقول لها المجتمع عمل جيد ، ماذا فعل سيدات ، لم يحبها أبدا و لم يقل لها أحسنت ، لم يعجب بها ، بل انتقدها ، لم يوافق عليها مثل عائلة نالان ،  ربما حتى لم يكن يلمس الفتاة كثيرا

ماذا عن خيري ، ماذا يفعل ؟ يحبها بقدر العالم ، و يقول لها دائماً أحسنت ، معجب بها و يناديها بالملكة ، و يبدي إعجابه بها

في الواقع ، المكان الذي أخذها إليه مصيرها كان بجوار سيدات ، بعبارة أخرى ، كل المشاعر التي اعتادت عليها في المنزل الذي نشأت فيه كانت كلها في سيدات ، نحن جميعا نفعل ذلك بالضبط ، ذات يوم نجد أنفسنا فجأة في علاقات تجعلنا نشعر بالعواطف التي اعتدنا عليها كأطفال ، ثم نعود و نقول إن هذا قدري بدلا من القول إننا بحثنا و وجدناه بالقوة

سيجد الأطفال الذي تعرضوا للإذلال و الضرب و التجاهل في طفولتهم بالتأكيد شخصا سيجعلهم يشعرون بنفس المشاعر يوما ما ، حتى أنه لهذا السبب ينفصلون عن ذلك الشخص ، و لكن بعد ذلك يحدث شيء أسوأ ، يعتقدون أن الحياة و المصير هو الذي يجلب كل هذا لهم ، لكن بشكل عام فالحياة تتبعنا و ليس نحن من يتبعها

خيري خرج من اليانصيب ، عانقته نالان بكل قوتها...

" ألم يكونوا يتحدثون معك أبدا في البيت ؟ "

تفكر ، لم تجب فوراً على هذا السؤال ، كم هذا مؤلم تحاول أن تجد تلك اللحظات التي سألتها عنها

"حتى بدأت المدرسة و كأنني نشأت في وعاء زجاجي ، لم أستطع التحدث بشكل صحيح في السنة الأولى التي بدأت فيها المدرسة ، اعتقد المعلمون أنني أعاني من مشكلة في الذكاء لأنني لم أكن أستطيع التحدث أو الرد مثل الأطفال الآخرين "

نقص الحافز ، إذا قمت بتقييد طفل في غرفة بمفردة منذ يوم ولادته و كنت تكتفي بتلبية احتياجاته لضمان بقائه على قيد الحياة فقط ، فلن يتمكن عقل الطفل من التطور ، مع ذلك استطاعت نالان النجاة بشكل جيد ، ربمل بفضل المربية هافيش

" ثم بدأت في التكيف ببطء ، لكن المعلمين كافحوا معي كثيراً ، الآن أتذكر بشكل أفضل ، أنهم كانوا يتحدثون معي كثيراً في الفصل ، و كانوا يطلبون مني الإجابة على الدرس و الشرح ، ربما فهموا بعض الأشياء "

" أعتقد ذلك ، لم يترك نقص المحفزات انطباعا دائماً عليك ، ربما بفضل معلميك "

"ااه يا سيدة جولسيران ، اااه "

ااه أعتقد ذلك أيضا ، لقد حكموا عليها بالسجن الانفرادي في سجن فاخر

" عند الذهاب الى المدرسة ، كانت المربية تلبسني ثيابي في لصباح و تسلمني حقيبتي ، و يأخذني العم صادق إلى المدرسة في سيارة خاصة ، و عند الخروج كان يعيدني مجددا إلى المنزل ، بعد المدرسة كانت تتوقف والدتي أمام باب غرفتي ، تنظر إلى من هناك دون أن تلمسني ، لم تكن تقول لي أي شيء لكنني كنت أخبرها بكل شيء ، لقد أجبت على هذا الدرس ، لقد عرفت هذه الأسئلة و ما إلى ذلك ، كانت تستمع إلى من بعيد ثم تهز رأسها و تغادر ، عندما يأتي والدي في المساء ، كان يأتي هو كذلك إلى غرفتي و يقول لي مرحبا ، و أنا كذلك أرحب به من بعيد ، و كان يسأل ما الجديد و إلى ذلك ، ثم يغادر هو أيضا ، في المساء نتناول العشاء معا و كان والدي يتحدث عن العمل و ما شابه و كانت والدتي تجيبه و تخبره بدورها إلى أين ذهبت اليوم ، و أنا كنت استمع إليهم ، أثناء تناول الطعام ، كنت حريصة جداً على عدم إصدار ضوضاء و عدم أسقاط الشوكة و السكين ، و أحاول إنهاء ما تم وضعه في طبقي حتى لو لم أرغب في ذلك ، ثم كان والدي يذهب إلى كته و أمي إما للصلاة أو لمشاهدة التلفاز ، و أنا أغلق على نفسي في غرفتي ، اعتقد على الشعور بالوحدة ، بحلول ذلك الوقت كانت واجباتي المنزلية قد انتهت بالفعل ، كانت نافذتي تواجه الشارع حيث أعطوني أكبر غرفة ، كنت أطفئ الأنوار و أشعل فقط ضوء الليل الصغير بجوار سريري ، و أرتدي ثوب النوم ، و أجلس بجوار النافذة ، كنت أحاول التعرف على الحياة من تلك النافذة ، كنت أعرف كل شيء عن ظهر قلب ، من يمر في ذلك الشارع و في أي وقت ، أي سيارة تمر ، من ينزل ، من يصعد ، في أي شقة ينام الناس فيها مبكراً ، من يعيش هناك ، كم عدد القطط و الكلاب في الحي...، ، حتى أنني أعطيتهم أسماء ، كان هناك كلب أسود كبير إذا رآه المارة على الطريق يخافون منه لكنه كان الألطف ، لا يقترب من أحد ، كان يراقب جيداً في بداية الشارع حتى لا تدخل كلاب الحي المقابل مجاله ، كان اسمه مامي ، كان هناك كلب جميل آخر باللونين الأسود و الأبيض لكنه كان وقحاً للغاية ، كان يغضب من كل شيء ، ينبح و يخيف الجميع ، أعتقدت أنه كان ذكرا ، كنت أدعوه إيفه أيفه ، كان هناك أيضا ساريكز (بمعنى الفتاة الصفراء ، اسم الكلب) ، كانت تمشي بتمايل ، إذا داهبت كلاب الحي الآخر كانت تتلقى الضرب بالأكثر ، خاصة إذا لم يكن مامي موجودا لكانوا قد مزقوها ، لم تكن كلابنا تتشاجر مع القطط ، كانوا يعتادون على بعضهم البعض "

" ألم تكوني تعرفين أحدا في الحي ؟ "

" بالطبع هناك ، كنت أعرف كل شخص يمر في تلك الساعة ، و إذا لم أعرف أحدا كنت أسأل هافيش عنه لاحقا ، على سبيل المثال كان هناك محرم الثمل ، لديه ثلاث بنات ، و هو كذلك يمشي بتمايل مثل ساريكز ، و عندما تتشابك الكلاب يجد دائماً شيئا ليقدمه لها ، و يتحدث إليهم كما لو كانوا بشراً و ليس كلاباً ، يغضب منهم و يصرخ عليهم ثم يضحك و يستدير و يغني مع نفسه ، تم يتمايل و يعود إلى منزله مرة أخرى ، أحببته جدا لقد كان صديقي ، حتى كانت الساعة التاسعة كنت أنتظر بجوار النافذة في حالة وصول محرم الثمل ، فلن أذهب إلى الفراش قبل مجيئه "

يا له من وضع مثير للإهتمام ، الفتاة تبني عالماً وهمياً من شدة الوحدة ، تماما كما هو الحال مع مرضى انفصام الشخصية ، لكنها ليست مصابة بالفصام ، لقد عادت من حافة الهاوية

" لماذا كنت تحبينه ؟ "

" لقد كان رجلا لطيفا ، أحب تلك الضحكات و الحركات التي يقوم بها ، كنت أتمنى لو كان والدي "

حتى الثمل جذاب بالنسبة لها ، الرجل يضحك يعني أنه يعيش ، خيري... لا يمكن أنها تدع حبها لخيري يأخذ جذوره من محرم الثمل ؟

" أي نوع من الرجال كان محرم ؟ "

" لن أتعرف عليه إذا رأيته على الطريق ، الليل مظلم و كنت أراه بقدر ما أستطيع رؤيته تحت مصابيح الشوارع ، ربما كان أسمر اللون ، طويل القامة ، كان ضخم البنية لكنه كان نشيط جداً ، كان يغضب على كلاب الحي و يحبهم كذلك ، ربما كان وحيدا مثلي بما أنه يصادق الكلاب "

الرجل الذي تكلمت عنه يشبه خيري تماما ، خيري كذلك أسمر و طويل القامة و ضخم الجسم و عصبي

"حتى انه كان هناك حادثة وقعت في ذلك الشارع ذات ليلة ، اصطدمت سيارة بيضاء بمجموعة من الناس على الطريق ، ثم اندلع الشجار بينهما ، قام أحدهم بلكم الرجل بشدة و أوقعه أرضاً ، و في ذلك الوقت ، كان هناك محرم الثمل و وجد نفسه وسط الشجار ، عندما جاءت الشرطة اقتادو محرم معهم إلى مركز الشرطة ، و أنا كالعادة كنت أسند رأسي إلى الزجاج ، أنظر من النافذة ، و أرى كل شيء حتى أدق التفاصيل ، ربما لأنه كان مخمورا ألقى الجميع اللوم عليه ، لذلك شعرت بالفضول بشأن نهاية الأمر و سألت هافيش ، عندما قالت لي أن محرم هو من يعاقب أخبرتها بكل ما رأيته و قلت لها أن محرم ليس مذنبا "

" كم كان عمرك حينها ؟ "

" أعتقد أنني كنت في التاسعة أو العاشرة من عمري ، ثم جاءت الشركة و استمعوا لي جميعاً في المنزل لأن عائلتي لم تسمح لهم بأخذي إلى مركز الشرطة "

" ألم تخافي من الشرطة ؟ "

" لا ، لم أكن خائفة أبداً ، حتى أنني أحببت أنهم كانوا يهتمون بي و يطرحون علي الأسئلة ، لا أنسى أبدا دهشتهم عندما كانوا يسألونني إذا كنت دائما أجلس عند النافذة في تلك الساعة ، قلت لهم ، أنا أعرف ذلك العم ، يمر من هنا كل ليلة في هذا الوقت ، يتحدث إلى الكلاب ثم يعود إلى المنزل ، لم يفعل أي شيء ، يمكنني التعرف عليه حتى في وسط الحشد من خلال المعطف الأحمر الذي يرتديه "

لا يعقل ، معطف أحمر 

" قلت أن الفاعل كان رجلا قصيرا قصيرا و يرتدي ملابس داكنة ، ثم تركوا العم محرم على الفور

" هل تعرفت عليه لاحقا ، هل جاء إليك ليقوم بشكرك ؟ "

لا ، لم يأتي لكنه أرسل لي مع هافيش حلوى حمراء تشبه التفاح ، بعد ذلك اليوم كان ينظر إلى الأعلى في كل ليلة و هو يمر ، و كان يرفع إبهامه كعلامة جيد ، لكن لأنه كان يعلم أنني كنت أنظر ، لم يعد يصرخ أو يلعب كما اعتاد "

" نافذة تطل على العالم ، تلك النافذة الخاصة بك تعني العالم ، أليس كذلك ؟ "

" أظن ذلك "

عندما تقول ذلك تمر سحابة من الحزن على وجهها ، لكن هذا الموضوع أخذها بعيدا عن المكان الذي كان الحزن و الألم يشتد فيه

" أليس لديك أصدقاء أبدا ؟ "

" بلا يوجد ، أصبحت طفلة ناحجة للغاية في المدرسة ، لم أسئ التصرف أبداً ، جلست دائما في الصف الأمامي ، و أحصل على أعلى درجة في الفصل كله ، أحبني المعلمون كثيراً ، كلهم يقولون لي أحسنت ، كلما قالوا لي احسنت كنت أعمل بجهد أكبر و أحاول جذب انتباههم ، كان هناك عدد قليل من الأشخاص الآخرين الذين يعلمون بجد و يتصرفون بشكل جيد مثلي ، لقد أتواصل معهم بشكل جيد للغاية ، لكنني كنت احاول أن أجعل نفسي محبوبة عند الجميع في الفصل ، حتى أولئك الذين كانوا غاضبين مني في البداية كانوا يقيمون صداقات معي لاحقاً "

هذا يعني أنه منذ أن ولدت نالان نشأت دون أن تحظى بالحب أو الإعجاب أو الحصول على تشجيع من أي شخص في طفولتها ، و قد رأت كل هذا على أنه هدف ، من يدري كيف أزالت جروح الطفولة تلك ، و ذلك النقص و الجوع العاطفي فيما بعد

" هل كنت تعلبين معهم في الحديقة أو تفعلون شيئا ما معاً؟ "

" نعم ، كنا نلعب ، لكن كان يجب على الاهتمام بكل شيء ، لن تتسخ ثيابي ، لن أفقد أي شيء ، لن أتشاجر مع أي شخص "

" ماذا عن خارج المدرسة ؟ "

" لا ، كان كل شيء ينتهي مع انتهاء المدرسة "

" كيف كان الأمر مع تقدمك في العمر ؟ "

" لم يتغير الكثير ، بعد العودة من المدرسة كان المعلمون الخاصين يأتون للمنزل ، علمني البعض كيفية رقص الباليه ، و البعض الآخر كيفية المشي مثل فتاة شابة ، البعض الآخر على ارتداء الملابس و البعض الآخر آداب الحديث و الجلوس و الأكل..."

الآن أصبح واضحا لماذا كانت تطفوا مثل البجعة ، لقد أخذت دروسا خاصة عندما كانت صغيرة

" ألم ترغبي في الذهاب مع أصدقائك الى مكان ما ؟ "

" لا أعرف ، لا أتذكر أنني طلب إذنهم أبداً ، لم يكن هناك مثل هذا الاحتمال ، لم يخطر في بالي حتى التفكير أو طلب شيء آخر غير قواعد ذلك المنزل "

الآن اتضح شيء آخر في ذهني ، لا تعترض على خيري مهما كانت القواعد فهي لا تفكر في الاعتراض أو تقديم طلب مختلف ، إنها تفعل ما اعتادت عليه

 مع ذلك عندما تزوجت سيدات دخلت في بيئة مختلفة تماماً ، ربما حرة تماما ، دعوات و وجبات في الخارج و اجتماعات وما إلى ذلك ، لا تعرف هذه الأشياء على الإطلاق ، لم تحاول أن تتعلم أبدا أن تكون هناك و مشاركة الأشياء مع الناس في تلك البيئة لتكون سعيدة ، بينما حاولت أن تنجز كل شيء بشكل جيد حتى تأخذ الثناء من الناس

لذلك ليس سيدات فحسب بل حتى خيري ايضا مسجل في فكرة قدرها ، المحظورات ، القواعد ، عدم القدرة على مغادرة المنزل ، الوحدة ، الإقصاء ، الخضوع لكل شيء... مثير للإهتمام

من الصعب العثور على سر الحياة

" منذ أن عرفت نفسي ، كان هناك دائماً حداد و حزن في منزلنا ، لم أستطع أن أفهم لماذا ، لقد مبرت في ذلك المنزل دون أن أُحب و دون أن أضحك أو أستمتع ، لم يلعب معي أحد ، لم يحملني أحد بين ذراعيه ، لم يرفعني للأعلى و يلتقطني مجددا ، لم يأخذني للحديقة ، لم يضعني أحد على الأرجوحة ، لم يأخذني بيده و نتجول ، لم يحضر لي البالونات...أنت تعرفين كم هي هذه الأشياء قيمة بالنسبة للطفل ، أليس كذلك ؟ "

" هل يمكن ألا أعرف ؟"

" كان هناك رجل يدعي عاطف يعيش في البيت المقابل لنا ، كان لديه ابن في نفس عمري ، اسمه كان أوغوز ، أعتقد أننا كنا بعمر خمس أو ست سنوات ، اشترى العم عاطف دراجة صغيرة لأوغوز ، كانت جميلة ، بمجرد عودته الى المنزل ، كان الأب و الابن يخرجان معاً ، و كان العم عاطف يمسكه من خلفة و يصعد أوغوز على الدراجة ، كان الاب و الابن يتحدثان و يضحكان باستمرار ، لم تكن الدراجة هي ما أحسده عليه ، لدي بالفعل واحدة أفضل منها ، و لكن عندما كان والده يمسكه من الخلف و بجانب ابنه دائما ، كانت تلك الدراجة ذات قيمة ، في الواقع كان لدي كل شيء لكن لم يكن لدي الحب "

كم هي محقة

" لم يأتي والداي لاصطحابي لمرة واحدة بعد خروجي من المدرسة ، في عيد الميلاد كان والدي يرسل للمدرسة كعكة كبيرة تكفي الصف بأكلمه ، كان المعلم يناديني و أقطع الكعكة و يصفق لي أصدقائي ، لم يكن والداي يحضران تلك الاحتفالات ، ثم في المساء أقطع كعكة أخرى ، عندما سلموني الهدية التي جاءت في عبوة ضخمة كانوا قد قاموا بعملهم ، كانت عيونهم ممتلئة دائما بالدموع ، لم أستطع فهم السبب حينها ، تبين لاحقا أن عيد ميلادي كان أكثر أيامهم إيلاماً ، إنه يوم وفاة ابنتهم..."

 

عندما ولدت إحداهما ، توفيت الآخرى ، ياله من مصير سيء...

"ااه يا سيدة جولسيران ااه ، حتى أنني حسدت ابنة بواب العمارة التي كنا نسكن فيها ، كان لدي كل شيء مع ذلك كنت أحسدها ، و أظن أنها أيضا كانت تحسدني من الداخل ، كان السيد محمود شديد الاحترام لنا و لكن زوجته و أولاده لم يكونوا كذلك ، بين الحين و الآخر كانت تمسك ابنتها هالة و كأنها ترميها من المنزل و بعدها تأخذ بيدها و تصطحبها إلى متجر في زاوية الشارع و تشتري لها الحلوى ، ثم عانقتها و قبلتها ، كنت معتادة على مشاهدة هذا من النافذة طوال الوقت "

" هل كنت و هالة صديقات ؟ "

" حاولنا أن نكون صديقات ، إذا كانت والدتي في مزاج جيد فإنها تسمح لهالة بالقدوم إلينا ، كانت هافيش تنزل فورا و تحضرها ، كانت تحب هالة المجيء إلينا ، كانت تحسد غرفتي المليئة بالألعاب الجميلة ، و أنا كنت أعطيها اللعبة التي أعجبتها لكي تلعب بها ، حينها كانت تكون سعيدة جدا و تعانقني و تقوم بتقبيلي كذلك ، في تلك اللحظة أصاب بالقشعريرة و كان هناك دفئ يتدفق في داخلي ، و من شدة الفرح كان يتحول لون خداي إلى اللون الأحمر ، ثم تضحك هالة و تقبلني مجددا ، لم يقبلني أحد غير هالة عندما كنت صغيرة "

"كيف كانت والدتك ، أقصد جدتك ؟ "

" كانت والدتي شخص غريب و مختلف ، عند الآخرين كانت تضحك و تتكلم كثيرا و تبتسم و أنيقة جدا ، لكن في المنزل لا تبتسم أبداً ، تصلي كثيرا ، تقرأ القرآن ، و تقوم بالدعاء ، و على الرغم من أن هافيش تنظف المنزل من أعلى إلى أسفل كل يوم ، إذا ذهب أحدنا إلى المرحاض ، فإنها ستأتي خلفنا مباشرة و تفرك الأماكن "

" هل المرحاض فقط ، أم أنها تفعل نفس الشيء في مكان آخر ؟ "

"لا ، فقط الحمام و الملابس الداخلية ، يتم جمع جميع الملابس الداخلية لكل منا في سلة خاصة ، لا يتم إلقاؤها الغسالة ، و غسلها أولاً يدوياً مرة أو مرتين بالماء ، و يتم غليها في مرجل نحاسي صغير ، حتى لو كان الشتاء يتم تعليقها على الحبل المعلق في الشرفة الخلفية حتى يجفوا ، و يتم وضعها في مكانها"

كم الأمر واضح و مفهوم ، لقد كتب في رأسها أن الأعضاء التناسلية أي الأجزاء الجنسية من جسم الإنسان ، قذرة و ملوثة ، كان هذا الهوس جيداً بالنسبة لها ، في بعض الأحيان توجد الأمرض لحمايتنا ، كانت المرأة المسكينة مهووسة بهذه الأشياء محاولة التخلص من الأفكار التي كانت تزعجها

المرض مهيب و لكن كم هو إنساني ، كان المرض علاجا لهموم المرأة

" تحدثي قليلا عن أيام الجامعة "

" في العام الذي أنهيت فيه المدرسة الثانوية ، لا أعرف لماذا ، أردت باستمرار دراسة الحقوق ، على الرغم من أنني لم أكن أعرف الماضي أو ما حدث في الماضي ، فهذا يعني أنني كنت أبحث عن العدالة في الحياة ، عائلتي اعترضت بشدة على ذلك ، قالوا لا  ،  ثم درست الهندسة المعمارية الداخلية "

" ألم تقاومي ؟ "

" أنا ؟ ليس من حدي ، في منزلنا سيحدث دائما ما يقوله أبي و أمي ، و لن يفكر أحد حتى في قول لا ، التحقت بالجامعة التي أرادوها ، قبل افتتاح المجرسة كانت والدتي تصطحبني إلى متجر فاخر ، و تشتري كل ما هو أكثر أناقة هناك ، عندما الوصول الى المنزل يتم التخلص من كل شيء في خزانة ملابسي ، بما في ذلك بيجاماتي و ثياب النوم ، تم مسح الخزانة بالكامل و تطهريها ، ثم تم تعليق خزانة جديدة ، أظن أنني كنت الفتاة الأكثر أناقة في المدرسة ، في غضون ذلك ، تم إرسالي الى دورات رخصة القيادة ، وصلت سيارتي في اليوم الذي حصلت فيه على رخصتي ، لقد أرسلتها لي عمتي كهدية ، نظرت من النافذة و كانت هناك سيارة بيضاء عند الباب ، لن تصدقي ذلك لكنها ملفوفة بشريط أحمر كبير مثل غلاف الهدايا "

" من منا لن يكون حسوداً جداً ؟ "

" نعم ، أعتقد أن هالة كانت تحسدني على تلك السيارة بالأكثر ، ربما للمرة الأولى كنت سعيدة بالهدية التي أعطيت لي "

" لماذا ؟ ما الفرق بينها و بين الهدايا الأخرى ؟ "

" كانت تبدو مثل الحرية بالنسبة لي ، اعتقدت أن السيارة ستنقذني من تلك الجدران الأربعة لكنني كنت مخطئة ، لا شيء تغير ، فقط لم يعد العم صادق يصطحبني إلى المدرسة بل كنت أقود سيارتي ، حتى حياتي الجامعية مرت بين المدرسة و المنزل ، تم إحضار تلفاز جديد ضخم إلى غرفتي و تم إعداده حتى أتمكن من مشاهدة جميع أنواع الأفلام ، لكن لم أستطع مغادرة تلك الغرفة مرة أخرى ، حتى إلتقيت بسيدات "

" ألم يكن لديك أي أصدقاء أو حبيب أو أي شيء آخر ؟ "

" كان الرجال في الكلية حولي دائما ، لكني لم أنظر إلى أي منهم ، بتعبير أدق لم أستطع النظر ، كنت أخجل ، لقد حذرتني والدتي بشدة من هذا الأمر لدرجة أنني كانت أخاف كثيراً من أن أفعل شيئا خاطئاً ، الآن أنا و هالين أصدقاء و هناك تعرفت على نور و جيدام ، نظراً لأنني لم أستطع الذهاب إليهم ، كانوا يأتون إليها من وقت لآخر ، و نتحدث في غرفتي و أحياناً نشاهد فيلماً ، كانت هافيش تجلب لنا الكعك و المعجنات ، كانت لا تزال أياماً أفضل من ذي قبل "

يا لها من حياة تخبرني بها ، كم هي فاخرة و مخيفة ، إنها تبهر الشخص من الخارج ، لكنها فارغة من الداخل ، لا عاطفة و لا فرح و لا سعادة...، ما الذي قد تعطيه الحياة التي تفرح و تسر و لا حتى تغضب فيها ؟ اجعل رجل آلي يعيش بترف كما تريد ، ماذا قد يفهم الربوت من هذا ؟

لقد قاموا ببرمجة ما يجب القيام به ، و أين و كيف تتصرف منذ البداية ، و قدموا لها ما تحتاجه و أكثر ، هذا كل شيء ، لكنهم نسوا أنها إنسان

الآن أفهم بشكل أفضل حبها لخيري ، العالم العاطفي الذي كان يعيش فيه هو و كذلك الفقر المادي ، أنا أفهم بشكل أفضل ماذا يعنيه لها الانفصال عن خيري ، لقد أعطاها كل ما كانت تتوق إليه منذ سنوات ، و كم يشبه خيري ذلك الثمل محرم ، من معطفه الأحمر إلى قياسات جسده ، إلى المشروب ، و لعبه مع أصدقائه...

أطعم خيري هذه الفتاة التي كانت جائعة لسنوات ، لقد أحبته لدرجة أنها لم تر أبداً الأموال و الممتلكات و الملابس ، لقد كان خير حقاً مثل العلاج لنالان

"و الآن ، هل مازلت تجلسين أمام النافذة و تشاهدين الشارع مرة أخرى ؟"

" كيف خطر في بالك على السؤال ؟ "

" لا أعرف ، ربما لأنني أيضاً أحب مشاهدة الحياة من النافذة لذلك سألت "

" عندما يكون خيري معي ، لم أكن مضطرة إلى النظر من النافذة لأن الحياة كانت بجانبي على كل حال ، لكن منذ رحيلة كنت أجلس أمام النافذة مرة أخرى في المساء "

"ماذا ترين هذه المرة ؟ "

" لأنني بدأت للتو بالنظر من النافذة فلا أعرف المارة ، لكن في ذلك اليوم رأيت معلم ورشة الرسم لدينا على الطريق "

" أليس غريبا ؟ ربما هي تسكن في مكان ما هناك "

" ليست امرأة يا سيدة جولسيران بل رجل ، نحن جميعا نحبه كثيرا ، إنه ليس طبيعيا تماماً ، ربما هذا ما يعنيه أن تكون فناناً ، كان ينظر إلى شقتنا من وقت لآخر بينما كان يعبر الشارع ، لم يراني لأنني كنت جالسة عم النافذة في الظلام خلف الزجاج ، لكنه ما يزال يشد انتباهي ، على أي حال ، لا يهم ، لكن من الواضح أنه لديه شيء ما يبحث عنه هناك ، على أي حال ، لقد أطلت في الحديث كثيرا اليوم ، لكن هذه المرة لم نتحدث كثيراً عن خيري ، هل لديك ما تقولينه لي بخصوص هذا ؟ "

لا يزال خيري يمثل الحياة بالنسبة لها ، حتى لو لم يتصل بها و يسأل عنها مثل السابق ، رغم أننا تحدثنا كثيرا بخصوصه في البداية لكن هذا لم يكن كافيا بالنسبة لها

" لا ، لن أقول شيء جديد في الوقت الحالي ، دعينا نترك الساحة لخيري قليلا ، استمري في الوقوف في الخلف ، لكي لا تتورطي مع تلك المرأة "

تنهض مجددا ببطء من مكانها ، تذهب ، و أنا أنظر وراءها

كيف سوف أجعل هذه المرأة تستعد لحياة بدون خيري ؟


رواية فتاة النافذة


Reactions:

تعليقات