القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية إذا خسر الملك الفصل السابع : لقد أعطيته أجمل سنوات حياتي و كنت عبدة له

 

كان كنان يستلقي في تلك الغرفة الصغيرة ، و ثم خياطة خمس غرز في رأسه و بعدها مباشرة و تحت اصرار كنان تم اجراء فحص لقلبه، لقد قال الاطباء انه لا يوجد مشكلة في قلبه ، هل كان يعاني من نزيف داخلي في رأسه يا ترى ؟ يبدو ان تلك المتوحشة فادي سوف ترسله الى القبر أخيرا ، أجل بالطبع سبب الدوار و الغثيان الذي يعاني منه هو نزيف في الدماغ ، بينما هو كان يموت هناك لم يكن الأطباء مهتمين به حتى ، لماذا لا يفعلون شيئا فورا ؟ لماذا لا يقومون بإجراء فحص لدماغه ؟ ، "أنا أموت ، النجدة"، صرخ كنان فورًا

عندما ثم أخذ السيد كنان لأجل إجراء فحص للأشعة كان شبه نائم ، لقد كان ينظر من خلال آلة باردة و منغلقة لكنه لم يكن يستطيع الصراخ ، ما الذي يحدث ؟ أم أنهم سوف يضعونه في القبر قبل أن يموت ؟ كان يقرأ الأدعية في داخله ، أغلق عينيه و حاول أن ينسى انه موجود في هذا المكان الذي يشبه القبر لكنه لا ينجح في ذلك بأي شكل كان ، كان يستمر في التحرك من مكانه بسبب الخوف ، في كل مرة كان يتحرك فيها كان يأتي أحدهم و يقول له : "أيها السيد ، أرجوك توقف عن التحرك ، يجب الآن أن يبدأ من جديد ، عندما تفعل هذا تجعل الأمر اكثر صعوبة ، لو سمحت..." ،  المكان الذي يستلقي فيه كان بارد مثل الثلج مع ذلك كان يتعرق بشدة

لم يكن يريد الموت...، ما يزال هناك الكثير من الأشياء ليعيشها ، كان يخاف من الموت ، اذا مات هو فإن فادي سوف تدخل السجن و سوف تتحطم لأنها قامت بقتله و لن تسامح نفسها أبدا و كل يوم سوف تهلوس بإسم كنان ، إنه متأكد من هذا ، حتى أن هاندان سوف تفعل نفس الشيء ، لابد أنها غاضبة جدا من نفسها لأنها لم تقف بجانب زوجها في ذلك اليوم

جميعهم سوف يدفعون الثمن مع ذلك لا يريد كنان الموت ، " يا لله أرجوك امنحني المزيد من الوقت ، امنحني الوقت لكي أعقاب هؤلاء النساء قبلك "، قال في داخله

الأن ثم اخده الى غرفته و بقي وحيدًا مجددا ، لم يكن يحب الوحدة أبدا ، لو كانت والدته على قيد الحياة الآن هل كان سيبقى وحيدا في زوايا المستشفى هكذا ؟

بينما كان يفكر في هذا و هو شبه غائب عن الوعي يدخل طبيبان الى الغرفة ، وقفوا فوق راسه مع أوراق بين يديهما و يبتسمون له بخفة ، لم يكن يستطيع أن يفهم هؤلاء الأطباء ، بالطبع مزاجهم في مكانه فليس هم من سيموت بل هو ، " ليس هناك أي مشكلة يا سيد كنان ، يمكنك الخروج "، قال احدهم ، فتح عيونه بحماس ، " حقًا ؟" سأل كنان و أعاد تكرار نفس السؤال مجددا لكن الاطباء كانوا بالفعل قد خرجوا من الغرفة ، و قامت ممرضة سمينة و كبيرة بإزالة الابرة من يده ، حتى لو كان سيموت فهو لا يحب النساء السمينات

بعد مدة جاء إسماعيل الذي كان ينتظر عند الباب الى جانبه و قام بمساعدته لأجل ارتداء ثيابه ، و بعدها أمسكه من ذراعه و خرجا من الغرفة ، نظر الى ساعته لقد تجاوزت الواحدة  ، لم يذهبوا الى الزفاف حتى ، على كل حال ، سوف يقول انه تعرض لحادث سيارة عندما كان في الطريق و امضى الليلة كلها في المستشفى  و يغلق الموضوع ، بعدها تذكر أنه لم يحدث شيء لهاندان و اسماعيل و السيارة كذلك ، يجب ان يجد كذبة أخرى و يصرف الأمر، اذا قال انه قد انزلق عندما كان على وشك النزول من السيارة سيكون مقنع اكثر ، هكذا سوف يوضح سبب تلك الجروح التي في وجهه ، يجب عليه ان ينبه إسماعيل بخصوص هذا الأمر

لم يكن اسماعيل غريبا عن هذه الأمور ، لقد كان شاهدا على الكثير من الأشياء و قد استطاع دائما أن يبقي فمه مغلقا بإحكام ، أليس هذا هو سبب إبقائه بجانبه ، صحيح عندما كانت فادي تضربه بدون رحمة ، أين كان اسماعيل ؟ لماذا لم ينقذ مديره من بين يدي تلك المرأة ؟

"اسماعيل"

"تفضل سيدي"

"لماذا لم تنقذني من بين يدي تلك المرأة ؟ لماذا بقيت تنظر مثل الغبي ؟"

"سيدي... عندما لم ترفع يدك عليها لم أتجرأ على التدخل"

"لم يتجرأ... جبان ، فلتخجل من نفسك"

عندما سمع اسماعيل تلك الجملة لم يستطع منع نفسه دون ان يضحك بخفة ، من الجيد ان مديره يجلس في المقعد الخلفي ، و السيارة كانت مظلمة و لم يراه يضحك ، كم هو رجل غريب ، يتلقى الضرب من امرأة مثل فادي ثم يأتي و يقول له أن يخجل ، " يا هذا ، قبل ان تقول لي هذا انظر الى نفسك " ، قال في داخله

بينما في نفس الوقت كانت نفس الافكار تمر في عقل كنان ، قال للرجل ان يخجل لكن اذا نظر الى نفسه فهو من يجب عليه ان يخجل

"مهما يكن ، اذا سألك أحد غدا تقول له انه وقع على وجهه"

"حاضر سيدي"

"و لا تنسى ان تقول اننا امضينا الليلة في المستشفى"

الآن هز كتفيه بقوة أكبر و عانق معطفه بقوة و بدأ بالتفكير ، إنهم ذاهبون الأن الى البيت ، صحيح ألم تقلق هاندان بشأنه أبدا ؟ كان بإمكانها الاتصال بإسماعيل ، فادي لم تكن لتتصل على كل حال ، و أصدقائه ليس لديهم علم بالوضع

"ألم تتصل هاندان ؟"

"لا سيدي"

"لم تتصل حقًا ؟"

"لم تتصل يا سيدي"

"هل اتصل أي أحد أخر ؟"

"لقد اتصلت زوجتي يا سيدي"

"سوف أبدأ بزوجتك الأن ، قال كنان"

 

من مذكرات الطبيبة

 في طريقي للعيادة ، أستمع بالثلاثينات من عمري ، لقد خرجت للتو من عند مصفف الشعر ، و أحب بشكل خاص العبث بشعري و تجربة الألوان الفاتحة و الداكنة لكن المتشابهة ، اليوم صبغت شعري بلون جديد تماما ، مزيج من لون النحاس و الأحمر و البني ، عندما اخذت المصعد الى عيادتي ، ألقي نظرة اخرى على نفسي في المرأة ، إنه لطيف ، إنه يناسبني ، دعونا نرى ما سوف يقوله أيدين ؟

تفتح تونا و هي سكرتيرتي الباب ، هي كذلك تبدو انيقة جدا اليوم ، سمينة قليلا و بشرتها التي تلمع ، و عيونها التي تلمع من الداخل ، لا احد قد يقول انها في الأربعين من عمرها

مثل كل مرة بطاقة عالية ، تنظر الى شعري و تخبرني كم أعجبها اللون ، هناك اناس ينتظرون في الصالة ، هذا يعني انني تأخرت حتى لو كان قليلا ، نتجه معا بسرعة الى مكتبي ، العيادة كبيرة للغاية لكن غرفتي صغيرة ، صغيرة ، مضيئة ، دافئة ....، هناك سجاد أحمر على الأرض ، تتجمع الستائر الحمراء المخملية في جوانب النوافذ ، طاولة عتيقة ، كرسيان بمساند أمامها ، طاولة قهوة في المنتصف و طاولة فحص على الجانب ، هذا كل شيء...، لدي أيضا مصابيح أحبها كثيرا ، في المساء يكون ضوء هذه المصابيح كافيًا لإضاءة الغرفة ، أنا لا أحب إضاءة السقف

مجددا أجلس في غرفتي الحمراء التي أستمع فيها الى مرضاي الذين يدخلون و يخرجون منها ، سوف اضحك معهم و ابكي كذلك ، و عندما يخرجون من الغرفة سوف أنظر الى وجوههم بدقة شديدة ، و سوف ابحث عن بصيص أمل في وجوههم ، اذا رأيت هذا الآمل فهذا يعني أنني قمت بعملي بشكل جيد

بينما كنت جالسة أنظر الى لائحة المواعيد ، تسألني تونا:

"هل أدخل المريض الأول اذا كنت جاهزة ؟"

"طبعا تونا ، يبدو انها مريضة جديد ، لم أتعرف على اسمها"

"اجل ، هذه اول مرة لها هنا ، لقد أحضرتها جولاي الى هنا ، انها صديقتها المقربة"

"من هي جولاي"

"تلك الفتاة السمراء صاحبة الوجه الجميل ، تلك الفتاة اللطيفة جدا ! لقد جاءت اليك في الاسبوع الماضي ، ماذا كان لقبها ؟"

"لقد تذكرتها ، تذكرت"

"لقد اتصلت بي قبل ساعة ، يبدو ان وضع صديقتها عاجل ، عندما قالت انها سوف تحضرها فورا لم استطع ان اقول اي شيء ، في الواقع هذا الموعد يخص السيد كمال ، لقد اتصلت به و سوف يأتي غدا ، لم أسألك و لكن!؟"

"لا مشكلة اذا كان السيد كمال قد وافق ، سوف تحضرين لنا الشاي ، اليس كذلك ؟"

"بكل سرور ، لكن الفتاة الجديدة متهجمة للغاية ، لقد اردت ان احضر لهما الشاي لكن الفتاة لم توافق ، و جولاي لم تشرب الشاي عندما لم تشرب هي ، عندما تدخل عندك انا و جولاي سوف نشرب الشاي ، النافذة مفتوحة مجددا الن تشعري بالبرد"

"لا ، لا لن ابرد و سوف أغلقها على كل حال"

آه تونا ، انها تعتني بي مثل الأم ، عندما كنت على وشك اغلاق النافذة كانت تونا قد خرجت على عجلة ، و قبل أن أجلس في مكاني حتى تظهر جولاي أمام الباب ، تبدو أنيقة و تبتسم كالعادة لكن كان هناك قلق على وجهها

"مرحبا بك جولاي ، تفضلي بالجلوس"

"مرحبا سيدة جولسيران ، هذه المرة أتيت لأجل نفسي لكن سيكون جيدا لو جلست قليلا"

"تصافحني جولاي ثم تجلس على الكرسي أمامي و تبدأ بالحديث فورا"

لقد أحضرت لك صديقة لي ، وضعها سيء للغاية  "و الشكر للسيدة تونا لم تقم برفض طلبي ، لقد كنت خائفة من ان تقدم على الانتحار ، لكنه يعتبر انها قد حاولت القيام بذلك ، في الأسبوع الماضي أعطيتها القليل من الادوية التي وصفتها لي"

"آه جولاي ، كيف تفعلين هذا ؟"

"انها صديقتي المقربة و قد كانت محطمة للغاية و عندما قالت أنها لا تستطيع النوم ليلا ، أعطيتها من أدويتي ، لقد ارتكبت خطأ كبيرا ، في اليوم التالي اخذت ثلاث أربع حبات من الدواء ، الحمد لله انها لم تتناول المزيد و ربما حاولت اخذ كمية اكبر ، لقد حزنت كثيرا لكن ما حدث قد حدث"

"ماهي مشكلة صديقتك ؟"

"في الواقع هي فتاة عاقلة و مجتهدة ، و تعمل في شركة كبيرة و بمنصب مهم ، تعيش علاقة منذ مدة طويلة مع رجل متزوج"

"كم هي مدة هذه العلاقة ؟"

"اظن منذ عشر سنوات ، الرجل كان يلهي الفتاة لسنوات ، لقد حذرناها كثيرا لكنها لم تستمع الينا ، حتى انه في اليوم السابق ذهبنا جميعا لأي رؤية فتاة زفاف ، لا احد منا يثق بذلك الرجل لكن فاتوش لم تفهم هذا بأي شكل ، كانت مصرة على أنهما سوف يتزوجان و أنه يقول الحقيقة هذه المرة ، في ذلك اليوم انهارت عندما رأته مع زوجته ممسكين بذراع بعضهم البعض  ، لقد كانت تجلس في البيت منذ ثمانية و أربعين ساعة دون أن تأكل أو تشرب ، في مكان عملها كان الجميع قلقا و عندما وصلني الخبر ذهبت الى بيتها ، طرقت الباب كثيرا و في النهاية فتحت لي الباب ، لقد كنت بجانبها منذ الصباح و أجبرتها على أن تشرب و تأكل قليلا ، و بعدها أحضرتها مباشرة الى هنا ، لم تكن تريد المجيء الى هنا ، لا أعرف كيف سوف تتجاوز هذا"...

تخبرني جولاي بكل هذا و هي تحرك رأسها يمينا و يسارا ، من الواضح انها تشعر بالحزن عليها كثيرا بينما أنها قد تخلصت للتو من اكتئاب حاد ، كم هو جميل أن يكون لدى المرء مثل هذا النوع من الأصدقاء

اذن فإن الرجل قد اوصلها الى حد أن تبحث عن فستان زفاف ، قبل أن يطلق زوجته أي فستان زفاف هذا...

"لقد تعلقت كثيرا بهذا الرجل ، عندما تدخل الى هنا سوف ترين بنفسك كم أن حالتها سيئة ، الرجل زير نساء ، لم تبقى فتاة لم يكن معها ، و صديقتي ساذجة ، لقد صدقته ، و ليس لديها أي نية بالعلاج"

"انتظر لنرى ، مجيئها الى هنا اشارة جيدة ، حتى لو كان بالإجبار"

"هل تتذكرين عندما اخبرتك من قبل أنه لدي صديقة و تقوم بدعمي كثيرا"

"أجل"

"انها هي ، الآن حان دوري ، و ليس لديها عائلة ، سوف أقوم بما بوسعي ، ان شاء لله سوف تتحسن هي أيضا ، سوف أخرج الآن ، فاتوش أمانة لديك"

"حسنا جولاي ، الى اللقاء"

تخرج جولاي حزينة من الغرفة ، يعني أن الرجل محترف في هذا المجال ، من ينظر من الخارج يستطيع فهم الآمر فورا لكن ما يعيشه لن يستطيع فهم ذلك ، و ليس من الضروري ان تكون غبيا ، العواطف غبية دائما ، العواطف ليس لديها عقل

بينما أفكر في هذا اتجه الى الباب لكي استقبل السيدة فاتوش ، أراها قادمة من الممر ، ترتدي الأسود ، فتاة نحيفة و حساسة ، كانت قادمة الى و كأنها سوف تسقط في أي لحظة ، ربطت شعرها الى الخلف و كان يبدو و أنه لم يتم تسريحه أبدا ، ليس هناك مساحيق تجميل على وجهها ، هناك هالات سوداء تحت عينيها ، و كأن وجهها انتفخ كليا بسبب كثرة البكاء ، عندما اقتربت الي لم تكن تنظر الى وجهي أبدا

بينما أرحب بها أمد يدي لكنني أتراجع في آخر لحظة ، يبدو انه ليس لديها أي نية بأن تصافحني ، و كأنها تريد الجلوس على الكرسي فورا قبل أن تقع أرضا

أتحنى جانبا على الفور و أشير لها للجلوس ، تمر من جانبي مثل الشبح و ترمي بنفسها على الكرسي الأقرب اليها ، أغلق الباب و أجلس مكاني أنا أيضا ، يبدو أنه ليس لديها أي نية على الكلام و افراغ ما في داخلها ، تجلس دون تحرك و رأسها منحني للأسفل ، الصمت يطول ، و كأن الصمت قد أزعجها رفعت رأسها و ألقت بنضرها على لوحة الموناليزا المعلقة على الجدار المقابل لها ، حتى لو كان بشكل جانبي فأنا ارى ذلك الغضب الذي بعيونها ، يا إلهي ، ما كل هذا الغضب !

"مرحبا بك سيدة فاتوش ! يبدو أنك قد أعجبت باللوحة ، انا ايضا أحب تلك اللوحة ، في بعض الأحيان كان يفديني النظر اليها عندما أغضب من شيء ما  او عندما أكون متعبة ، أهدأ فورا حينها ، أرى أنك غاضبة كذلك"

تستمر بالصمت ، لقد تعرضت للخيانة من طرف صديقها الذي كان المعنى و الهدف الوحيد في حياتها ، أستمر بالنظر اليها بدقة ، بما انها ليس لديها أي نية بالتحدث معي الآن فربما سوف أستطيع التوصل الى شيء ما اذا دققت بالنظر اليها ، اشعر بنفسي و كأنني محققة ما

هذه الفتاة ليست غاضبة فقط بل متعبة في نفس الوقت ، ربما هذا ليس مجرد تعب جسدي ، روحها متعبة كذلك ، شابكت يديها ببعضها البعض و أرى أظافرها القصيرة و طلاء أظافرها الباهت و تآكل يديها ، عمرها أصغر مني

جميع ملامح وجها انزلقت الى الاسفل و كأنه ثم سحبها بالمغناطيس ، نرى هذا بالأكثر عند مرضى الاكتئاب ، و كأنها تخلت عن الحياة و كل أمالها تحطمت ، اذن لمدة عشر سنوات ، انتظر كل هذا السنوات دون تعب و دون ملل لكي تتزوج من ذلك الرجل ، كم انها مدة طويلة ! لقد أمضت ما يقارب ثلث عمرها في هذا الحب و الشغف ة الأمل ، من يستطيع ان ينسى خيبة أمله ؟

لقد سجل اللاوعي كل هذا بالفعل ، أحيانا أشبه اللاوعي بوكالات الاستخبارات في الدول المتقدمة ، إنه يسجل كل شيء واحدًا تلو الآخر و  دون تخطي أي شيء و يدون هذه التسجيلات بقلم من حبر و ليس من الرصاص ، بعد ذلك ، لا يمكن لأحد حذفها من هناك بعد الآن ، علاوة على ذلك فإنه لا يظهر لما ما تم تسجيله هناك ، من جهة لا يظهر لنا أي شيء و من جهة أخرى فأن رائحة ما هو مكتوب تتخلل كل شيء سنختبره من الآن فصاعدًا ، بعبارة أخرى تكاد المخابرات أن توصلنا الى الداخل ، طالما أننا نعيش دون ان نشعر به  فإن اللاوعي لا يتركنا و يتدخل في جميع قراراتنا

لا أعرف بعد ما الذي عاشته هذه الفتاة في السابق ، لا أعرف نوع السجلات التي احتفظ به اللاوعي عنها من قبل ، و لكن اذا كان هناك شيء أعرفه فهو أنه هو نفسه من جعل هذه الفتاة الذكية و الموهوبة المجتهدة عبدة لمدة عشر سنوات للرجل الذي وصفته جولاي بأنه زير نساء

يمكن للأطباء النفسيين و علماء النفس فقط التسلل الى هذه المنظمة التي نسميها اللاوعي ، و التي تعمل دائما تحت الأرض و لا تحب الظهور أبدا ، هذه الوظيفة في الواقع صعبة للغاية ، تستغرق الكثير من الجهد و الوقت ، هذا لا يكفي أيضا لأن صاحب اللاوعي يجب أن يعمل و يبذل جهدا كبيرا ، دعونا نرى ما إذا كان بإمكاننا فعل ذلك مع هذه الفتاة

الآن الوضع لا يبدو كذلك ابدا ، تستمر بالجلوس أمامي دون التحدث و دون النظر إلي ، يجب أن أجد طريقة لكي أجعلها تتكلم

"بما انك لن تتكلمي لأتكلم أنا مكانك اذا ، عندما كنت صغيرة كان والذي يجعلني دائما استمع الى الموسيقى التركية ، حتى أنه كان هناك أغنية حزينة لكنها جميلة ، " الانفصال نصف الموت"، لقد تحدثت عنك جولاي قليلا ، ربما لهذا السبب تذكرت تلك الأغنية"

ترفع رأسها قليلا و تنظر إلي من الجانب ، لقد جذب كلامي اهتمامها ، استمر في الحديث

الانفصال صعب حقا ، و الخيانة أصعب ، لقد تعرفت على الكثير من الناس ممن يعانون من هذا الألم ، في الواقع هذا أكثر شيء يؤلم في عملنا ، في بعض الاحيان يكون الألم هو ألم الموت و في بعض الأحيان يكون ألم الفراق ، في الواقع ليس هناك فرق كبير بينهما ، كلاهما هو فقدان مهم

تنظر إلي مجددا بشكل جانبي لكن هذه المرة كان هناك دموع في عيونها ، انها تبكي ، في البداية كانت تبكي في داخلها بشكل خفيف و بعدها يزداد بكاءها ، بكاءها ينتشر في الغرفة شيئا فشيئا ، الألم يكسر الجدار ، الثقل ينسكب الى الخارج ، البكاء افضل دائما من الصمت ، انتظر في صمت ، في تلك الاثناء تنزلق عيني حول المكان ، كل مكان باللون الأحمر ، اللون الأحمر ضد كل انواع الألم ، الموت ، الفراق ، الحب ، الغضب ، الضغينة ، الكراهية

مع تلك الدموع التي تنسكب من عيونها و في هذه الغرفة سوف تفرغ كذلك ذلك الغضب و الألم الذي بداخلها ، ثم تمتصها تلك الأضواء الناعمة المنبعثة من المصابيح و تذيبها و تمزجها بالحب و المودة و الحماس ، عندها سوف ترتفع درجة الحرارة في الغرفة مرة أخرى و سأضطر الى فتح النوافذ بالكامل ، أليست دائما هكذا ؟

"هل عانيت كثيرًا ؟"

ترد بتحريك رأسها قليلا ، و اخيرا حصلت على أول ردة فعل ، تستدير إلي بعد مسح أنفها بصوت عال ، أخبرتني واحدة تلو الأخرى كيف تعرفت على حبيبها و كيف كانت معجبة به و كيف انتظرته لمدة عشر سنوات بالرغم من معرفتها بأنه رجل متزوج ، كيف كانت تخدمه و كيف صدقته ، و كيف تحولت الى مجنونة عندما رأته تلك الليلة مع زوجته ، كانت صوتها منكسر مثل حزنها

في الواقع ، العلاج النفسي هو علاقة و صداقة تحاول فيها العثور على إجابات أكثر المشاكل التي تواجهنا في الحياة ، الآن يبدأ العلاج

"في الواقع انا وضيعة للغاية ، عندما اخبرك بماضي سوف تفهمين و ترين كم أنا امرأة حقيرة و عديمة القيمة ، مهما حاولت جاهدة لم أستطع أن أكون مناسبة له ، لقد كان ملكا و أنا كنت غيشا و جارية ، لم أستطع ابدا سد هذه الفجوة ، أفهم هذا بشكل أفضل الآن"

يزداد فضولي اكثر ، نزعت ذلك الشريط المطاطي الذي ربطت به شعرها ، في محاولة لجمع خصلات شعرها السوداء السميكة فوق رأسها ، كم ان وجهها بريء ، لكي تثق بها يكفي ان تنظر الى وجهها ، هناك نوع من الأشخاص الذين نقول عنهم ، " لن يأتيك ضرر منهم"، هي واحدة منهم ، و كأن تلك البراءة الموجودة على وجهها منذ لحظة ولادتها لم تختفي

وضعت ذقنها فوق يدها و تهز قدما لأعلى و أسفل ، لديها عظام وجنتان مرتفعتان و بشرة ناعمة بيضاء ، عيناها شاحبتان لكنها تنظر بذكاء ، تبدو حساسة للغاية

"كان لديه كل شيء قد تبحث عنه المرأة ، لم أراه لمرة واحدة يحني رأسه ، لست الوحيدة التي كانت تراه كالملك ، لقد أعلن أنه ملك قبل أن التقي به ، ليس فقط تجاه النساء بل يبدو مختلفا عند الرجال أيضا ، اذا وضعته بين الف رجل سوف تلاحظه في الوهلة الأولى ، حتى عندما تعرض للضرب من قبلي ، كان صادقا جدا و طبيعيا..."

"هل قمت بضربه ؟"

"فليشكر ربه أنني لم أقم بقتله"

"كيف يمكن للمرء ان يكون طبيعيا عندما يتعرض للضرب ، أشعر بالفضول حقا"

"كان واضحا أنه حتى ذلك اليوم لم يرفع عليه أحد يده و لم يقم هو بضرب أي أحد ، ليس هو فقط بل حتى المحيطين به كانوا في صدمة ، ربما كانوا خائفين مني ، لقد أظلمت عيناه لدرجة أنني لم اعرف ماذا أفعل و إلى أين حد سوف اذهب"

يمكن للمرء أن يضرب حتى الموت الشخص المرتبط به ، أسهل شيء يمكن فعله هو قتل من تحبهم ، الغضب و الحب دائما متلازمان ، كان يمكنها حقا أن تقتله

"ليشكر زوجته الحبيبة ، عدت الى رشدي عندما بدأت بالصراخ ، التقت عيوننا و ربما هي أيضا مثلي مجروحة جدا ، شعرت بشي غريب عندما رأيتها هكذا ، بينما كنت أغضب كثيرا منها في السابق ، ليس انا فقط بل طعن هذا الرجل الكثيرات ، مؤسف علينا جميعا"

تنظر بعيدا ، اقول في داخلي هل يمكن أن ينتهي هذا التعلق فجأة ، بينما يترك مكانه شعور أخر ، يذهب الحب و يحل مكانه شعور يحرق أكثر منه ، الكراهية

"لو بقي لدي القليل من العقل فيجب أن أتخلص منه فورا ، اشعر و كأنني منديل تم رميه في القمامة بعد استخدامه ، من جهة أغضب على نفسي و من جهة اغضب منه ، الرجل الذي كنت أعشقه لسنوات عديدة ، كم كان قاسيا ، كان دائما يفكر في نفسه ، قام بخداعي و هو ينظر الى عيني ، لم أرد أن أصدق هذا لكن الحياة قد وضعت الحقيقة أمام عيني ، ربما لم يحبني ابدا ، لقد أعطيته أجمل سنوات حياتي ، كنت عبدة له ، ربما لم يحبني يوما ، كم أن صعب أن تُحب"

الدموع تتدفق من عينيها و تنهمر على خديها مثل الحبل ، يعتبر هذا من بين اكبر الالم التي قد تمر بها المرأة ، الا تشعر انك محبوب...، إنه ألم مزدوج ، بينما يشير أحد الأسهم الى الجانب الآخر يغرق الأخر في الشخص نفسه ، إنها لا تكره الرجل الذي لا يحبها فقط ، بل تكره نفسها أيضا

"هذا يعني أنني لم اكن شخصا يمكن أنه يحبه أحدهم"

الكره و الغضب التي تشعر به تجاه نفسها أكبر من الذي تشعره به تجاه حبيبها ، عندما استدارت إلي و نظرت الى وجهها بدقة ارى انه هناك بعض الأضواء غير مضاءة ، الضوء الذي في عيون الأشخاص الغير محبوبين يكون دائما ضعيف ، رؤية هذا يشعرني بالحزن في كل مرة ، يشبه الأمر البقاء جائع و عطش

أنظر اليها بحنان ، و تشعر بهذا فورا

"يبدو أنه هناك الكثير من الاشياء التي يجب أن أخبرك بها"

"اخبريني اذن"

"اليوم ليس لدي القوة لأخبرك بأي شيء ، لقد انتهيت...ذلك الجدع الذي كنت أحاول التمسك به لسنوات بقي في يدي ، و هناك هاوية في الأسفل"

من جهة استمر بالنظر اليها بمودة و من جهة أفكر ، اذن هناك هاوية في الأسفل... ، الرغبة في الانتحار مرتفعة جدا عند هذه الفتاة

"ماذا تقصدين بقولك قد انتهيت ؟"

تستدير و تنظر الي بتعب و كأنها تقول لي ما الذي لا يمكن فهمه من كلامها

"هل يرمي الإنسان بنفسه الى النار ؟"

"أجل في بعض الأحيان"

"انا أيضا قد أقوم برمي نفسي ، لقد أحببته لدرجة كبيرة و قلت انه سوف يفهم ذلك ، و اذا فهم ذلك سوف يحبني بدوره ، لقد كبرت دون حب ، لم يحبني أي أحد"

الأن أفهمها بشكل أفضل ، الأشخاص الذين لم يتلقوا الحب يكون جرحهم أعمق ، لا يؤمن بحب أحد له و لا هذا الحب يكفي لسد تلك الجراح

"لقد أحببته كثيرا ، كثيرا..."

إذا أراد المرء خسارة شخص ما فإنه يفعل مثلك بالضبط ، عليه ان يحبه كثيرا ، حينها سوف يختفي من تلقاء نفسه ، أقول هذا لنفسي لكنني لا أستطيع أن أخبرها بذلك

"الان احترق بشدة ، الى متى سوف يستمر هذا الحريق ؟ لا استطيع تحمل هذا"

على وجهها تتجول أثار الجروح التي عانت منها ، علاوة على ذلك لا اعرف الاجابة على سؤالها ، اذا تركناه سوف يستمر لسنوات

"انت تمرين بمرحلة صعبة لكن لا تستسلمي ، من الواضح انك فتاة تحب الكفاح ، يمكننا أن إطفاء هذا الحريق معا لكنني بحاجة الى ان اثق بك بخصوص كل شيء ، اعطي بعض الوقت لنفسك و لي ايضا حتى نخمد هذا الحريق ، الموت حق علينا جميعا و سوف نموت يوما ما و لا يجب عليك الاستعجال لأجل هذا ، لنطفئ هذا الحريق أولا بعدها لننظر معا الى الحياة مرة أخرى ، لنرى بماذا سوف تعدك به"

تبتسم قليلا

"لا يجب ان تأخذي حبات كثيرة من الدواء الذي سوف اصفه لك ، و ايضا جهزي نفسك جيدا لأجل الحصة القادمة ، اشعر بالفضول منذ الان حول ما ستخبرينني به"  

هذه الفتاة ذات طبيعة متواضعة ، انظر خلفها و هي تغادر الغرفة ، تبدو و كأنها منازل تدمرت بعد زلزال هائل

جميع من يأتي الى هنا يتشارك معي احزانه و  مشاكله التي لم يجد لها حلا ، يريدون التغير و البدء بالحياة كشخص جديد و عدم الهزيمة مجددا ، و يريدون ألا ينجرحوا مجددا ، رؤية بعضهم و هم يكونون أنفسهم من جديد يشعرني بالافتخار دوما

اتمنى ان احصل على نفس النتيجة مع هذه الفتاة المليئة بالألم في قلبها 


رواية إذا خسر الملك


Reactions:

تعليقات