القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية إذا خسر الملك الفصل الثامن : عندما عرف والدي أنني فتاة لم يمر الى المنزل لأيام

 

بعد ذلك اليوم لم يتصل كنان بفادي لفترة من الوقت ، من جهة لم يكن لديه وجه ليتصل بها و من جهة أخرى كان ينتظر أن يهدأ غضبها قليلا و تشتاق اليه ، استيقظت في الصباح الباكر و بعد تناوله للفطور الذي قامت هاندان بتحضيره ، جلس كالعادة على الأريكة المقابلة للنافذة في انتظار قهوته ، بعد جلوسهم مقابل بعض و تناول اطراف الحديث يرتدي ثيابه بعناية و يضع عطره و هكذا خرج من المنزل

هاندان امرأة امرأة أصيلة ، لو كانت امرأة اخرى كانت لتهدم كل شيء حولها ، لكنها لا تفعل مثل هذه الأشياء ، حتى لو كانت غاضبة فلا تظهر له ذلك ، و لا تقوم بأشياء تافهة تقلل من قيمتها ، في الواقع لم تدخل غرفته من بعد ذلك اليوم ، كانت تنام في غرفة الضيوف التي بجانب غرفته ، و كانت تتعامل معه بمسافة و بعد ، لكن مهما حدث سوف ينتهي غضبها و بعدا سوف تعود لكي تحميل زوجها فوق رأسها لأنه قد عاد الى البيت بعد سنوات

أولا يذهب الى العمل ، في الواقع لم يكن في مزاج للعمل لكن مساعدته الجديدة كان لا بأس بها ، الفتاة التي كانت مساعدته السابقة لسنوات قد انفصلت عن العمل ، في الواقع كان قد عاش معها أشياء جميلة في السابق ثم عندما تزوجت الفتاة و رزقت بأطفال ، فقد الطعم ، بيرنا هي مساعدته الجديدة ، عندما ذهب للعمل نادى بيرنا فورا ، و يطلب منها أشياء دائما ، م يجد عذرا لكل ما فعلته ويوبخها. بادئ ذي بدء ، كان من الضروري تخويف الفتاة والتغلب عليها. ثم يومًا ما سيكون قريبًا منها و لطيف ، ويتصرف بشكل مختلف عن المعتاد ، الفتاة لا تزال شابة ، كان هناك خاتم في إصبعها يشير الى أنها مخطوبة لكن كل هذا لم يكن يهم كنان ، حتى أنه كان يحاول أن يبقى بعيدا عن النساء العازبات ، خاصة إذا كن فوق سن الثلاثين إعتدن على الاصرار على الزواج

بالرغم من بيرنا لم يكن يبقى في مكان العمل كثيرا ، و لم يكن يشغل نفسه بالعمل كثيرا و يخرج قبل أن يحل المساء و يتجه الى النادي ليتقي هناك مع أصدقاءه و يلعبوا الورق ، يشرب الكحول و يستمتع بوقته ، و يعود الى المنزل في وقت متأخر ، لقد تخلص من ضغط فادي و شكاويها و لم يعد هاتفه يرن باستمرار ، و لم يعد هناك أحد يسألته "أين أنت؟" ، الأن يعيش مثلما يريد

كان ممتنا من حياته لكن في هذه الأونة يبدو أن صحته ليست جيدة ، بالرغم من كل تلك الفحوصات التي خضع لها في تلك الليلة بالمستشفى الا أنه ذهب في صباح اليوم الثالي الى طبيبه الخاص ، و خضع للفوحوصات مجددا ، الأطباء لم يجدوا أي مشكلة بالفحوصات لكن رأسه بدأ يدور على الأغلب و يتمايل ، يبحث عن مكان ليتمسك به ، و نومه لم يعد منتظما كما في السابق ،  يستغرق في النوم فورا لكنه يستيقظ في منتصف الليل مرتعبا ، و لأن هاندان لم تعد تنام بجانبه فهو لم يقل أي شيء لأي أحد ، يتجول في الصالة و يدخن بعض السجائر حينها فقط يستطيع العودة للنوم

كانت مشكلته غربية في داخله ، يفكر دائما في أشياء سيئة ، يفكر بأمه التي توفيت و يشعر بالقلق حيال حدوث شيء سيء له ، لم يعد يستيقظ في الصباح بنشاط كما السابق ، و لا يستطيع دون شرب قهوته

هناك الكثير ممن دخل الى حياته و خرج منها ، لكن لم يحزنه أي منهم مثل الأن ، الأمر تجاوز الحزن و يشعر بشيء أخر في داخله ، كان الأمر كما لو أنه أصبح يتيما

كانت هاندان تفعل كل ما بوسعها و تعتني به جيدا ، حتى أنها كانت تحضر له الفواكه بعد أن قامت بقشيرها لكن هذا لم يكن كافيا ، كان يختنق في البيت و لم يكن يشعر أنه ينتمي الى المكان بأي شكل كان ، لم يكن الأمر سهلا فقد كان يعيش حياة مختلفة لعشر سنوات ، كان يأتي لهذا المنزل نادرا ثم يهرب مجددا الى شقة فادي المتواضعة

في الصباح ينظر الى نفسه في المرأة جيدا ، ينظر الى وجه بدقة و يتساءل اذا ما كبر بالسن ، في الواقع لم يكن يبدو سيئا ، هناك فقط بعض السواد تحت عينيه لأنه لم يكن ينام جيدا في هذه الفترة ، و يبدو أنه فقد بعض الوزن أيضا ، حتى الأطباء كانوا يقولون له أنه سيكون من الجيد لو فقد المزيد لكنه كان يفقذ الوزن لأنه لم يكن يرغب بالأكل ، لم تبقى لديه شهية ، هاندان تحضر طعاما لذيذا لكنه قد اعتاد على طعام فادي

هل يمكن أن يكون فقدان الشهية و الوزن علامة على مرض سيء ؟ ذهب الى الطبيب للتو و قام بالفحوصات اللازمة و لكن ربما لا يلاحظ الأطباء شيئا ما

ماذا سوف يفعل إذا لم تعد فادي إليه ؟ هل يجب أن يجد لنفسه حبيبة جديدة فورا ؟ هذه الأشياء سهلة فالنساء تحبه كثيرا ، لكن الغريب بالأمر أنه لا يريد حبيبة جديدة ، بدل من أن يدخل الى الفراش مع واحدة جديدة كل يوم كان يريد فادي

رغم أن أصدقاءه يشكون بشيء ما لكنهم لا يعرفون بعض عن أمر الانفصال ، سوف يفرحون كثيرا عند معرفتهم بذلك ، الأن اذا تم سؤاله لماذا هو منزعج لهذه الدرجة و إذا قال لهم أنه يشتاق إليها ، لن يفهموا الأمر ، حتى سوف يسخرون منه ، أليس هناك أي صديق في هذا العالم ، مع ذلك كانت هاندان الأفضل لكنه بالتأكيد لن يذهب إليها و يخبرها عن همه

مع ذلك يجب عليه أن يكون مزاجه جيد في غياب فادي و يستمتع بحريته ، اتصل ببعض حبيباته السابقات و رغم أن بعضهن رفضن لقاءه الا أن واحدة وافقت ، كان كنان عديم الخبرة أكثر من أي وقت مضى في ذلك اليوم. كما لو أنه لم يكن هو الشخص الذي كان يواعد نساء مختلفات لسنوات ، ولم يكن يعرف ماذا يقول لها ، وكيف يثني عليها ، وحتى لو لم تقل المرأة شيئًا ، لم يكن راضيًا عنه أدائه. كان هو وزوجته ينامان منفصلين بالفعل. لم تكن هناك فادي. لم يحدث شيء كهذا في حياته. بدا الأمر غريباً بالنسبة له أيضًا

هل تقدم في السن يا ترى ؟

 

في عيادة الطبيبة

 

بعد عشرة أيام طرقت فادي باب مكتبي ، هذه المرة كانت تبدو هادئة أكثر لكنها لا تزال شاحبة ، و كأنها لم ترى الشمس أبدا و ازداد السواد الذي تحت عينيها ، و مجددا لم يكن هناك مساحيك تجميل على و جهها ، ترتدي قميص أسود ، و القلادة الذهبية التي تلمع في عنقها

اليوم أشعر أن هناك تغير فيها لم أراه من قبل ، عندما أنظر اليها بتمعن يلفت انتباهي أن شعرها القصير ، عندما جاءت الى هنا لأول مرة كانت قد جمعت شعرها ، هذا يعني أنها قد قامت بقصه و هذا ليست علامة جيدة ، نحن الأطباء النفسيين دائمًا ما ننزعج من هذا الموقف لأن قص الشعر يذكرنا بشكل رمزي بجرح الذات ، أي الانتحار

من جديد ألاحظ اليوم كم أنها تبدو ضعيفة و رقيقة ، و اللامعان الذي في عيونها منخفض مجددا ، أتمنى أن تضيء كل هذه الأضواء يومًا ما ، لكنني أعرف أيضًا مدى صعوبة ذلك

بدأت العمل منذ يومين ، إنها تتناول الأدوية التي أعطيتها لها بانتظام ، وتنام بشكل مريح في الليل أكثر من ذي قبل ، لكنها الآن لا تستطيع تناول الطعام بشكل صحيح وتستمر في فقدان الوزن ، لم ترد أنباء عن حبيبها بعد ، لكنها مصممة على عدم الرد على مكالماته حتى لو اتصل

في الليل ترى كوابيس ، تستمر في السقوط من فوق الهاوية لكنها لا تستطيع الوصول الى الأرض ، تبقى معلقة في الهواء بخوف محاولة التمسك هنا و هناك ، هذا حلم لا يحتاج الى تعليق ، مثل الحلم تحاول التمسك بالحياة ، مع ذلك في مكان عملها حاولت بكل جهد حتى لا يعرف أحد عن حالتها ، حاولت الاعتناء بنفسها لكنها لا تزال تبدو مدمرة

أطلب من تونة كأسين من الشاي ، و هذه المرة تشربه دون اعتراض ، من جهة تشرب الشاي و من جهة تبدأ بالتحدث

" الأشياء التي سوف أخبرك بها الأن لم أخبر بها أي أحد من قبل "

" شعرت بالخجل ، لذلك كنت دائما أخفي الماضي الخاص بي "

" لم تتحدثي عنه حتى مع حبيبك ؟ "

" لا ، في الأصل هو لم يسأل أبدا... لم يكن يهتم بشيء أخر خير نفسه و الأسوء أنني أدركت ذلك الآن فقط "

كلامها هذا يجعلنا نبتسم قليلا ، الرجل الذي كانت تعيش معه لعشر سنوات بدأت بالتعرف عليه بعد الانفصال عنه ، هذا مثير للاهتمام ، هذا على أن العشق يعمي بصيرة المرء

ثم تحدق في السجادة الحمراء على الأرض ، وتبدأ في التحدث بصوت مكسور ، كما لو كانت يبحث عن ماضيه في مكان ما

"لقد ولدت كفتاة خامسة ، لمدة تسعة أشهر كان والدي يهدد والدتي ، قال هذه المرة إذا انجبت فتاة سوف أطلقك ، بسبب خوفها من انجاب فتاة عانت من الألم و المغص لمدة ثلاث ليالي ، لم تستطع إنجابي بأي شكل ، بعدها حدت ما كانت خائفة منه و انجبتني ، عندما عرف والدتي أنني فتاة لم يمر الى المنزل لأيام ، درفت أمي دموعها حتى الصباح ، و قالت : " يا ليتها تموت و أرتاح "، و لأن حليبها قد انقطع بسبب الحزن لم تقم بإرضاعي حتى ، أخوتي هن من قمن بالاعتناء بي

تحكي فاتوش كل هذا بصوت حزين و مكسور ، لقد أثرث بي كثيرا ، بعدها أفكر بنفسي ، لقد كنت أول طفل لدي والدي ، كانت والدتي تبلغ حينها سبعة عشر سنة ، رغم ذلك استطاع اطعامي و الاعتناء بي ، بالنسبة للحب فوالدتي و والدتي كانا بالفعل جاهزين لكي يحبا هذه الفتاة القادمة الى هذا العالم

" في أحد الأيام جاء أحد أقرباء أمي ، حينها كنت لا أزال أبلغ خمسة عشر يوما ، كان يعمل كسائق ، و عندما رأني مرمية في أحد الزوايا ساءت حالته ، و شعر بالرحمة تجاهي ، أخذني في حضنه و قال لأمي : " لا تفعلي هذا يا أختي ، ما ذنب هذه الفتاة المسكينة ، هي ايضا ابنتك ، انت ترتكبين ذنبا ، خذيها في حظنك " ، لكن أمي غضبت منه ، " بسببها سوف يتدمر منزلي ، و سوف أبقى في الوسط مع خمسة أطفال ، أتركها لا تلمسها سوف تجلب لك النحس أنت أيضا " ، قالت أمي ، خرج الرجل المسكين من بيتنا و عيونه مليئة بالدموع ، بعدها بساعة اصطدمت الحافلة التي كان يقودها بشاحنة ، مات الرجل و سبعة ركاب أيضا ، حينها فهموا جيدا كم أنا منحوسة ، لم تكن أمي تقول إسمي حتى بل كانت تناديني بالفتاة المنحوسة ، و هكذا بدأت حياتي ، قبل أن أقول مرحبا للحياة ، وضعت الفخاخ أمامي "

أفكر في طفولتها بالنظر إلى ما مر به خلال طفولته ، ربما لم تتلق أي رد إيجابي على أي من ردود أفعالها ، في مثل هذه الأوضاع عندما يكبر الأطفال ، يبحثون عن طريقة  لبناء علاقة و حتى يحصلوا على تقدير والديهم ، وبالتالي ، يمكن أن تظهر هوية مزيفة ليست هويتهم ، ثم يشعر الشخص أنه لا يستطيع إظهار نفسه ورفض بسبب خلل مهم فيه ، إن مشاعر الدونية التي يشعر بها معظم الناس بالفعل أصبحت أعمق وأكثر حدة لدى هؤلاء الأشخاص

من الممكن رؤية آثار كل هذا عندما عاشت فتوش مع حبيبها ، لأنها كانت تعامل الرجل دائمًا كما لو كان هناك جزء منها معيبًا وجزءًا آخر مفقودًا ، غالبًا ما يكتب ماضينا مصيرنا ...

" لو أتي الى هذا العالم ، يكون لدي منزل دافئ ، و أضحك و ألعب مثل بقية الأطفال ، تأخذني أمي في حضنها ، يحضر لي والدي الشكولاطة أو لعبة عندما يعود للمنزل في المساء ، و بعدها أموت ، و يبكون ورائي ..."

في داخلي أقول أنظري الى حلمها ، البارحة جاءت إلي إحدى المرضى ، قاما والديها بتدليلها لذلك تشتكي من كونها ضعيفة ، من جهة فتاة كبرت مثل الأميرات و من جهة فتاة بدأت معاناتها منذ يوم ولادتها ، أليس من غير العادل المعاناة قبل و بعد ؟  ألا يحق للفتاة ذات الملابس السوداء أن تعيش ، على الأقل أن تكون أميرة في نهاية الحكاية ، وهي على استعداد للموت بعد أن أحببت قليلاً

تنزلق دموعها مثل مثل الفيضان. كان الأمر كما لو كان هناك حجر ضخم يسد المياه ، في الواقع تلك الحجرة قد وضعت فوق قلبها منذ سنوات ، لم يقم أي أحد بتحريكها من مكانها ، الأن تحركت تلك الحجرة من مكانها الآن تحرك الحجر جانباً ، والماء الذي تراكم خلفه يتدفق من عينيه مثل السيول الهائجة ، و تصرخ مثل الأطفال الصغار و لا تريد حتى أن تمسح دموعها تلك ، تضرب بيدها على ركبها

" عندما كنت صغيرة كانت هناك قطة صغيرة أمام منزلنا ، حتى لو ثم طردها تعود ، اسمها " مذلولة" ، لا أعرف من و متى وضع لها هذا الاسم لكنه يمثلها حقا ، باهتتة اللون ، قطة تظهر عظامها من كثر نحافتها ، في ذلك الوقت حتى أنا لم أكن أهتم بها ، هل هي جائعة ، هل أكلت ، هل تشعر بالبرد في الشارع أم أنها تجمدت ، لم أفكر بذلك ، في كل مرة نخرج من الباب كانت المسكينة تزحف تحت أرجلنا ، يعني أنها هي أيضا كانت تريد أن نحبها و نداعبها و نقوم بحمايتها و الاعتناء بها ، الأمر السيء هو أنني لم أكن ألاحظ هذا حينها ، بينما لم يكن هناك اختلاف بيننا ، لقد كنت مثلها أريد أن أكون محبوبة ، لقد كبرت لكنني مازلت أريد هذا "

" الانسان يريد أن يكون محبوبا في كل مرحلة من عمره "

" لمدة عشر سنوات كنت أريد بشدة أن أصدق ذلك و رأيت حلما ، ظننت أنني أصبحت مهمة و محبوبة ، لست غبية و ربما أنا من أراد تصديق هذا الحلم ، ذلك الرجل لم يكن بإمكانه خداعي لكنني أردت ذلك بشدة ...، مثل تلك القطة التي تتجول أمام منزلنا ، التفيت حول أرجل الرجل لربما سوف يحبني ، لكنه لم يحدث. القطة لم تنجح في ذلك أصلا ، في شتاء بارد خرجت في الصباح الباكر لأجل الذهاب الى المدرسة ، اعتدت على رؤية القطة الرمادية و البيضاء و العيون الخضراء و هي تتجول حول قدماي ، لكنها لم تكن موجودة في ذلك اليوم ، صرخت عدة مرات أناديها ، بيس بيس ، لكن دون جدوى ، و بعدها رأيتها قرب المنزل ، مدت رقبتها و تنام في سلام هناك ، و كأن طولها كان أطول من المعتاد ، و عيونها الخضراء مفتوحة ، ركضت فورا الى جانبها ، مددت يدي أولا لكي ألمسها لكنها كانت باردة جدا و صلبة ، هربت من هناك فورا و أنا أصرخ ، حينها لم أكن أعرف ما معنى الموت ، خرجت أمي عندما سمعت صوتي ، أشرت بيدي ثم و عانقت أمي من ثنورتها ، " أصمتي يا فتاة "، قالت أمي و هي تدفعني ، ثم أحضرت مكنسة الحديقة والمجرفة الكبيرة ، دفعت القطة بمكنستها و رمت بها في الصندوق الكبير الذي كان يقف بجانب بوابة الحديقة ، والذي استخدمناه كصندوق قمامة ، و أنا بقيت متجمدة مثل تلك القطة ، جئت إلى صوابي مع ضجيج إغلاق غطاء الصندوق ، بكيت طوال الوقت في المدرسة في ذلك اليوم ، حتى أنا لم أهتم بتلك القطة المسكينة "

أنا أيضا في طفولتي رأيت طفلة متجمدة ، أتذكرها الأن و أشعر بالقشعريرة ، أما فتستمر في البكاء ، لا تحب أن تمسح دموعها و كأنها تريد أن تبلل الدموع جسمها ، لقد تبللت سترتها السوداء بالفعل

" كان لدينا منزل صغير بين مزارع الكروم و الحدائق و الحقول ، لا تنظري الا قولي منزل ، لقد كان في الواقع كوخا صغيرا ، عندما تدخل من الباب توجد صالة كبيرة نستخدمها كغرفة معيشة و مطبخ وهناك غرفتين منفتحين على بعضهما البعض ، ينام والداي في إحداها و نحن الفتيات الخمس في الأخرى ، كان لدي والدتي سرير خشبي و نحن لم يكن لدينا ، كنا نجتمع نحن الفتيات الخمس في غرفة واحدة "

كانت الفتيات الخمس ينمن معًا مثل القطط في تلك الغرفة

" يتم تركيب موقد صغير في الصالة التي كنا نجلس فيها ، و نحاول التدفئة منه في الشناء و لكن ذلك كان مستحيلا ، كان الجميع يرتدون كل ما يمكنهم العثور عليه ، لدرجة ارتداء ثلاث طبقات من السترات الصوفية ، كنا نتجمد. كان والدي يبيع الخضار و الفواكه ، اعتاد العمل في الحدائق في الصيف ، بالأكثر نحن ، يعني أمي و نحن الفتيات... كنا نحسد العمال ، على الأقل سوف ينتهي عمله عند غروب الشمس ، نحن لم يكن لدينا مثل تلك الرفاهية "

نظرا لوجود عدد كبير من العمال معهم ، لم يكونوا فقراء على الإطلاق ، لماذا عاشو مثل هذه الحياة البائسة ؟

" كانت والدتي تستيقظ في الصباح الباكر و تطبخ للعمال ، بعد تناول الطعام و غسل الأطباق تبدأ العمل في الحقول ، كان والذي يستيقظ في الصباح و يعود الى المنزل مثل تلك الساعة في المساء ، كان يشرب كثيرا حتى تتحول عيناه الى اللون الأحمر ، و وجهه الى اللون الأرجواني ، و لا يمكنه الوقوف ، و لكن رغم حالته بمجرد عودته يبدأ في مهاجمة والدتي ، ' لا يمكنك أن تلدي صبيا حتى ، لو كان شخص أخر مكاني لطلقك بالفعل ، ماذا سوف أفعل بكل هذه الفتيات ؟ أنا بحاجة الى صبي لكي يهتم بالحقول ، خذيهن و اغربي من هنا ، هل أنا مجبر على إطعامكم جميعا ، سوف أحضر لنفسي زوجة شابة و سوف ترين حينها كيف يتم إنجاب الصبي' ، و يبدأ بضرب والدتي ، المرأة المسكينة متعبة بالفعل من كثرة العمل طوال اليوم في البيت و الحقول و أيضا تتعرض للضرب من والدي في منتصف الليل ، خمس فتيات كنا نعانق رجل والدنا مثل العصافير و نصرخ لكي لا يضربها ، لكن لم يكن يسمعنا ، أيا كان من يصادفه كان سيرمي عليه بركلة "

بينما تخبرني بكل هذا تنظر بعمق الى عيني ، و كأنها شعرت لأول مرة بأن أحدهم يحترمها و يعطيها الاهتمام ، انها تسحبني الى داخلها ، فيما يتعلق بالعلاقة بيننا ، أرى الدلائل التي يوليها أهمية لوجودنا هنا وللعلاج ، ترى و تشعر أنني أهتم بها

" كان يغضب مني بالأكثر ، لأنني لم أولد كصبي ،  كان هناك مصباح كبير يتدلى من السقف و يشع بضوء أصفر. اعتاد أن يختلط دخان السجائر التي يدخنها والدي باستمرار مع ذلك الضوء ، كنا كما لو كنا جالسين في الضباب ، في الزاوية اليمنى العليا من الباب كان هناك مفتاح ضوء أسود يفتح بشكل ملتوي ، لم يكن طولي يصل الى ذلك المفتاح لكنني انتظرت دائما ذلك اليوم الذي سوف أصل فيه اليه ، في بعض الأحيان عندما لا يكون والدي في البيت كانت أختي الكبيرة تحملني في حضنا و تسمح لي بإدارة المقبض إلى اليسار واليمين ، كان المصباح يصدر صوتا عند إغلاقه و فتحه ، كنت أحب كثيرا سماع ذلك الصوت بالإضافة الى الاتكاء على صدر أختي الدافئ بينما كنت في حضنها ، لا أتذكر أنه هناك أحد حملني في حضنها غيرها هي "

كم أنها تحكي بشكل جميل ألم و معانات طفل صغير ، أضع يدي تحت ذقني و أميل رأسي الى اليسار و أستمع إليها ، يبدو الأمر و كأنني أسافر الى ذلك المنزل معها ، ذلك الضوء الأصفر ، مفتاح الضوء الأسود

" كانت هناك شقوق سوداء في الجدران المطلية باللون الأبيض ، كنت خائفة من تلك الشقوق ، في الليل اعتقدت أن تلك الشقوق ستتكبر وأن الفئران الكبيرة سوف تتسلل وتأكلنا ، كنت أقول ذلك لأختي في أذنها الصغيرة ، لأنني كنت أخاف مرة أخرى ... كانت تقول "اذهبي للنوم ، لا يوجد فأر و ما شابه " ، حتى هذه الكلمة ستريحني "

أتذكر طفولتي ، حتى أنا كنت أخاف من الظلام ، لكن لم يكن لدي أخت أكبر مني لأخبرها بذلك ، بل العكس تماما ، كان لدي أخت أصغر مني ، كانت تقول "أنا خائفة" ، و كان يقع علي مواساتها ، بينما كنت أنا أيضا خائفة

" في غرفة جلوسنا كانت هناك أريكة صغيرة يجلس فيها والدي فقط ، وقفت عليها وسائد مطرزة بغرز أرجوانية متقاطعة ، كنا نجلس على البساط على الأرض ، أفضل ما في كل شيء كان مخصصًا لوالدي ، تم تقطيع البطيخ ، ووضعه على طبق نحاسي كبير ، وكان علينا تقشير القشرة ، كانت توضع أمامنا قشور الخيار و طماطم و تفاح و كرز متعفن "

تخفض رأسها قليلا كما لو أنها قد تلمس كل واحد منهم إذا مدت يدها ، و تستمر في التحديق في السجادة الحمراء على الأرض بكل انتباه ، لم تعد موجودة هنا ، ذهبت الى المنزل الذي تعيش فيه

" كان وجه والدتي يبدو شاحبا تحت ذلك الضوء الأصفر على عكس وجه والدي الأرجواني بسبب الكحول ، كانت والدتي تبدو حزينة دائمًا بعينيها السوداوتين اللتين انسحبتا الى داخل وجهها ، عندما يذهب والذي الى الغرفة و يبدأ بنزع ثيابه تلحق به والدتي فورا ، و أخوتي يقمن بإطفاء الضوء فورا ، و نهرب فورا الى غرفتنا و لكن ذلك لم يكن ينقذنا ، كنا نجلس على الأرض بملابسنا ، خائفين من أن ننظر إلى وجه بعضنا البعض كما لو كنا نخجل ، رؤوسنا أمامنا ، في انتظار توقف الأصوات من غرفة والديّ ، من المفترض أنهم سيغلقون الباب ، لكن الباب ليس بابًا ، يمكننا سماع كل شيء ، لا يزال صرير السرير الخشبي لا يبتعد عن أذني ، عندما تتوقف الضوضاء ، ينفتح باب الغرفة ، وتحضر والدتي ببطء وعاء النحاس الذي كان يغلي على الموقد ، ثم تأخذ الماء البارد من المطبخ لتدفئة الماء ، تحمل حوض كبير إلى الغرفة ، في البداية تغسل زوجها ، ثم تصب الماء المتبقي على رأسها ، كنا ننتظر حتى يصبح الحوض بمحاذاة الحائط مرة أخرى ، عندما أُغلق الباب أخيرًا ، كان كل واحد منا يستلقي على السرير ، و نسحب الأغطية فوقنا دون أن نتحدث ، و نكافح من أجل النوم على هذا السرير في أسرع وقت ممكن "

ما قاله أخذني إلى ذلك الكوخ الصغير ، ملأت المشاعر المظلمة في ذلك الكوخ الغرفة ، لحسن الحظ النافذة مفتوحة

" منزلنا له رائحة فريدة من نوعها ، كانت رائحة البصل والثوم والزبدة والبرغل والطرهانة والنعناع والسجائر التي كان أبي يدخنها باستمرار ، وكلها مختلطة برائحة عرق مختلفة ولكنها كثيفة ، تنبثق من الأجساد ،  

كان الناس ينادون والدي بالأغا محمد ، لم نكن فقراء جدا ، كان لدينا مزارع ضخمة و حدائق و حقول بعمل فيها عشرات العمال ، كان والدي في حالة معنوية جيدة ، كانت وظيفته الوحيدة هي بيع المنتجات التي يتم جمعها من الحقل ، كان يبيع هذا في بداية الموسم ، ثم يقامر في المقهى حتى المساء ، ويشرب في الليل ويأكل المال في الكازينوهات ، بين الحين والآخر كان يجلب النساء اللائي يجمعهن من الكازينوهات ، كانت هؤلاء النساء مختلفات جدًا عن والدتي ، كانوا يرتدون ملابس بذيئة ، ويضعون الكثير من المكياج ، ويضحكون طوال الوقت ، أحيانًا كانوا يضحكون كثيرًا وهم ينظرون إلينا ، هكذا كانت هؤلاء النساء تضحكن على حالنا المبكي"

ترفع رأسه عن الأرض وتنظر إليّ وكأنها تتساءل عما أشعر به ، هززت رأسي برفق بابتسامة حزينة ، عندما تدرك أنني حزينة أيضًا ، تنتشر تعبير المفاجأة على وجهها ، تفتح عينيها وتنظر إلي بعناية مرة أخرى ، إن رؤية مدى تأثري بهذه القصة يجعلها تبكي أكثر ، و أخيرا هناك أحد يفهمها ، لا تمسح دموعها ، تستمر دموعها في السيلان من على وجهها مثل المطر ، ثم تحني رأسها مرة أخرى و تنظر الى السعادة ، تبكي و تحكي في نفس الوقت

 " في مثل تلك الأيام كانت والدتنا تغضب كثيرا و تفرغه فينا نحن ، و لأنها لا تستطيع اصدار ضجة بموجود والدي كانت تأكلنا بنظراتها ، كان هناك مسجل شريط قديم في الصالة ، اعتاد والدي تشغيله ، كل النساء اللواتي أتين إلى المنزل كن مضطربات ، ويبدأن الغناء على الفور عندما تهب أجواء الموسيقى ، أحيانًا كان والدي ينضم إليهن ، يسيل لعابه ويضحك ، عندها كنا نترك عملنا جميعًا ونشاهد والدي المبتسم ، لم يكن ليضحك في أي وقت آخر لأنه ... عندما ينتهى الليل و نذهب إلى الفراش ، نتذكر دائمًا هذا المشهد ، كانت أخوتي تهمسن فيما بينهن و كنت أنا و أختى الأصغر نستمع إليهن نحاول أن نمسع ما يتحدثن عنه ، " عندما نتزوج نحن أيضا ، لينظر إلينا أزواجنا و يبتسموا هكذا..." ، لقد كان الضحك و الابتسامة شيء مهم جدا في بيتنا ، لم نكن نقول هذا أنا و أختي لكننا كنا نحلم بذلك و هكذا نضع رؤوسنا على وسادتنا ، كنا نتخيل رجلا مثل والدي الذي يضحك لتلك المرأة ، ثم نغرق في النوم "

لا توجد علاقة إنسانية لا تحتوي على توقعات من علاقات المرء السابقة ، بدأت في نسج شبكات القدر منذ ذلك الوقت ، ثم أتذكر كيف انتظرت هذه الشابة لسنوات ، بصبر وأمل ، اليوم الذي يتزوجها الرجل فيها ، رغم كل شيء لم تستسلم ... الانهيار الكبير الذي تلا ذلك ، وتدمير الآمال .. أتساءل هل كان ذلك الرجل يبتسم ويضحك كما كانت تتصوره

" كان تفكير والدي كله في إحضار فتاة جميلة تلد له صبيا ، في المساء و كالعادة عاد الى المنزل ثملا ، أولا ضرب أمي بالعصا ثم قال أنه قرر إحضار زوجة جديدة و قال لنا أن نترك المنزل ، " أغربوا من منزلي ، لن أحملكم فوق ظهري طوال عمري "، و طردنا من المنزل ، مجيء إمرأة أخرى الى هذا المنزل كان يخيفنا جميعا ، كأن كل البؤس الذي عانينا منه لم يكن كافياً ، فكيف لنا أن نتحمل هذا الوضع؟ ، لم نكن نعرف ماذا سيحدث لنا إذا طُردنا من هذا المنزل ، لكن كان لدينا نوع مختلف من الخوف ، في ذلك الوقت ، لم نتمكن من قول ما يمكن أن يكون أسوأ من ذلك "

أقول في داخلي هذا هو خوف الأمهات ، ليس هناك منطق في هذا و الأم ضغيفة و بدون حول و لا قوة ، في الأصل لو لم تكن الأم ضعيفة لم يكن ليحدث أي من هذا ، لم تسمتع الاعتناء لا بنفسها و لا بأولادها ، حتى لو ضربهم الأب و شثم و فرغ غضبه عليهم فهو كل ما لديهم ، إذا لم يردهم الأب سوف يتحولون الى قطة بدون صاحبها ، مثل تلك القصة التي على الباب...

" لم أنسى أبدا تلك الليلة ، حينها كنت أبلغ خمس أو ست سنوات ، حدث ما كنا حائفين منه و في النهاية قام والدي بطردنا من المنزل ، الى أين و لمن سوف نذهب ؟ لم نعرف ماذا نفعل ، لا أعرف لماذا لكن حينها رميت نفسي عند قدمي والدي "

ربما كانت هناك حاجة إلى تضحية لوقف ما كان يحدث في تلك اللحظة ، طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات توافق على أن يكون ضحية لإنقاذ والدتها وعائلتها

" أتوسل اليك يا أبي لا ترمي بنا الى الشارع ، لا تتزوج ، سوف أكون إبنك ، عندما أكبر سوف أرتدي ملابس الرجال ، لن أتزوج حتى أموت ، سوف أذهب الى المدرسة و أدرس ، و أصبح رجلا كبيرا ، يكفي ألا تتزوج ، يكفي ألا تموت أمي’ ، هكذا توسلت الى والدي "

تقول ألا تموت والدتها ، يعني أن الأم قد أخافت الأطفال بقولها أنه إذا تزوج والدكن سوف أموت ، إنه اليأس

في حين أن الوجود الحتمي لردود الفعل العاطفية والتوقعات من الماضي يمكن أن يكون مفيدًا من ناحية ، إلا أنه في الواقع موقف مؤسف للغاية ، أعتقد أن هذه التجارب كان لها تأثير كبير على علاقتها التي استمرت عشر سنوات ، حيث تعرضت للخداع ، والخيانة ، والاستعباد

و كأن الكاميرا تقترب من فاتوش التي تزحف تحت أقدام والدها مثل تلك القطة المذلولة ، و عيناها تتسعان من الخوف ، و الدموع تتدفق منها مثل الفيضانات ، تواصل الحديث و هي تحدق بالسجادة الحمراء التي على الأرض

" كان والدي رجل ظالم ، قام بركلي فورا ، مثل تلك القطة ، كانت الركلة في بطني و سقطت على الأرض ، اصطدم رأسي بباب الشارع ، هل تألمت كثيرا لا أعلم ، لا أتذكر ما فعلته والدتي عندما كان رأسي ينزف ، ربما كانت تبكي كالمعتاد ، ليس علي بل على نفسها ، لكنني ألقيت نفسي تحت قدمي أبي حتى لا تحزن أمي و تبكي ، ربما لمرة واحدة سوف تأخذ هذه الفتاة المضحية بين دراعيها و تحبها ..."

ماذا فعلت بكل الندوب التي حصلت عليها عندما كنت صغيرة جدًا يا ابنتي ؟ أين بددت هذه الجراح مصيرك حتى أتيت إلى هنا ، ما الأخطاء التي ارتكبتها؟ على الرغم من كل شيء ، هل ستتمكنين يومًا ما من الوثوق بنفسك وتحببن نفسك وربما الأهم من ذلك أن تسامحي نفسك ؟

" في تلك الليلة أختي الصغيرة رفعتني من على الأرض و ضمضت رأسي ، لا أتذكر ماذا حدث بعد ذلك ، في اليوم التالي جاءت حافلة صغيرة و أخذنا حزمتين من الحزم وغادرنا المنزل نبكي ، كنا ذاهبين الى القرية الى منزل جدتي ، لا أزال أتذكر رائحة الحافلة ، كانت تفوح منها رائحة السائجر الممزوجة برائحة البنزين ، بكت أمي طوال الطريق و كانت أختي جالسة بجانبها و تبكي معها هي أيضا ، كنا في داخل الحاملة ننظر الى السهوب و لا نعرف ماذا سوف يحدث لنا ، عندما وصلنا إلى القرية ، صرخت جدتي بصوت عالٍ عندما رأتنا ّ، مثلنا تمامًا ، كانت تلك المرأة العجوز المسكينة خائفة أيضًا ، " يا للمصيبة... أم أن عديم الخير محمد ذاك فعل ما كان يقوله " ، جلست في وسط المنزل و بدأت في التذمر ، عندما رأتها أمي التي كانت عيونها منتفخة بالفعل بسبب البكاء و لم تفوت هذه الفرصة ، في النهاية ، بدأنا جميعًا في البكاء معا ، وتوافد الجيران الذين سمعوا الاصوات على المنزل قائلين ان هناك متوفيا ، استغرق الأمر وقتًا طويلاً لإدراك ما كان عليه الوضع ، قالو ’ يا ليته كان هناك موت ، أو مات ذلك المعتوه ، أو أحد الفتيات ، على الأقل كان الأمر يستحق بكاءنا "

اصمت ، كما قلت في البداية ، لدينا جميعًا أنماط قدر متكررة في حياتنا ، هكذا هي حياتنا ، يتم تطريز الزخارف ، تختلف زخارف دانتيل القدر لكل واحد منا عن بعضها البعض ، يتم تحديد هذه الدوافع من خلال تجاربنا السابقة ، والعادات التي اكتسبناها ، والمعاناة. وفقًا لهذا ، فإن فكرة مصير فاتوش دائمًا ما تكون مطرّزة على الشعور بالنقص والعيوب ، وأن تكون أدنى من الآخرين ، وتبحث دائمًا عن مالك ثم تصبح خادمًا للمالك الذي تجده ، إذا لم نتمكن من تغيير هذا الشكل ، فسيظهر لها المصير دائمًا نفس الفيلم

تنظر إلى وجهي ، يبدو الأمر كما لو أنها تبحث عن شخص ما لتحدي هذا الإحساس الذي لا يصدق بانعدام القيمة ، عبست قليلا وهزت رأسي احتجاجا. ، تهز رأسها أيضًا ، كما لو أنها توافق علي ، ذهابًا وإيابًا ...

" قالت والدتي ، "أتمنى أن يزحف في حياته " تبدأ جدتي ، "الله لا يظهر له وجه أي صبي " هو أكمل ، لم يرغب الجيران في تفويت هذه الضجة ، وعلى الرغم من حلول المساء ، لم يذهب أحد في طريقه إلى المنزل ، لم نأكل شيئًا منذ الصباح ، لكن لم يكن هناك من يضع الطعام أمامنا ، أخيرًا ، أحضر جار عجوز جبن تولوم في خبز فيلو من منزله. كم كان هذا الخبز بالجبن حلوًا "

 تهز رأسه للجانبين فيشتت انتباهها وكأنها تعيش تلك الأيام مرة أخرى ، تطوي ياقة قميصها بيديها ، ثم ترتبها مرة أخرى ، كأنها تصحح الظلم الذي جلبته الحياة ... بعد صمت قصير ، تبدأ في الحديث مرة أخرى

 " كان لدى جدتي بقرتان في الحظيرة أسفل منزلها ، اعتدنا النزول إلى الحظيرة مع أعذار مثل إطعام الأبقار والحلب وما إلى ذلك ، في الواقع ، أختي الكبرى ، البالغة من العمر اثني عشر عامًا ، قامت بكل العمل ، وبقينا هناك ، نتدحرج على القش ، نشرب الحليب الذي كانت أختي تحلبه من وقت لآخر ، كنا نحب الأبقار ونخاف منها على حد سواء ، كلاهما كانا ضخمين. ،كان هناك أيضا ذباب ، تدفق ضوء الشمس من خلال نافذة صغيرة من نسيج العنكبوت. ورقص آلاف وملايين من جسيمات الغبار لأعلى ولأسفل في هذا الضوء. يمكننا رؤية هذه الجسيمات الدقيقة ، ولكن مهما حاولنا وقفزنا ، لم نتمكن من وضعها في راحة يدنا. عندما سقطنا في القش ، تحركت سحابة الغبار داخل شعاع الضوء ، وتشكلت فيه أشكال جديدة. عندما أفكر في منزل جدتي ، أفكر دائمًا في شعاع الضوء في تلك الحظيرة ، وجزيئات الغبار تتراقص فيه ، وبقرتان كبيرتان ، وذباب. الذباب القذر الذي يهبط في عيون الأبقار ، يأكل النتوءات هناك ، يهرب بينما تهز الأبقار رؤوسها ، وتهبط مرة أخرى. لا أتذكر عدد الأيام التي مكثنا فيها في ذلك المنزل ، حيث نمنا واستيقظنا ، كانت تلك آخر مرة رأينا فيها جدتي على أي حال. ماتت بعد فترة من عودتنا إلى المنزل. ومع ذلك ، لم تكن تبدو مريضًا جدًا. قالت والدتي ، " بسبب والدكن ، ماتت المرأة المسكينة من حزنها" ، بدلا من والدتي ماتت جدي من حزنها ، لذلك لم نترك بدون أم"

 هذه الفتاة لديها قصة حزينة. كان لسانها وحنكها جافان من الكلام والبكاء في نفس الوقت. أضغط على زر الهاتف دون أن أسألها وأطلب  من تونا كوبين آخرين من الشاي ، كلانا صامتون حتى يأتي الشاي. بينما تضع تونا الشاي بعناية أمامنا ، تنظر بعيناها إلى فستان الفتاة المبلل بالدموع أولاً ، ثم إلى المناديل الورقية على المنضدة ، ثم إلي مرة أخرى. أرفع حاجبي قليلاً.

 تغادر الغرفة دون أن تنبس ببنت شفة. ترى فاتوش أن هذه المناديل موجودة ، لكنها لا تستخدمها ، في اليوم الأول الذي جاءت فيه إلي ، قارنت نفسها بمنديل ورقي مستعمل. ربما لهذا السبب لا تريد استخدامها. بعد أن تناولت رشفة كبيرة من الشاي فاتوش ، تواصل كلامها

 " لا أعرف لماذا عدنا إلى المنزل ، إذا اتصل بنا والدي ، لكن الحافلة الصغيرة القديمة عادت إلى القرية بعد أسبوع. مرة أخرى ، ركبنا السيارة معًا. على الرغم من عدم تحدث أحد ، كان لا يزال هناك ذلك الخوف في داخلنا الذي كرهته. هذا الخوف لم يتركني مدى الحياة على أي حال"

 " أي نوع من الخوف؟"

" إنه الخوف ... لا أعرف لماذا لكنني كنت خائفة من شيء ما لبقية حياتي ، حتى لو كان السبب مختلفًا. كنت أحيانًا أخاف من شيء ما على الرغم من أنني لا أعرف السبب. الآن بعد أن فكرت في الأمر ، لم تمنحني الحياة أبدًا الفرصة للعيش في بيئة آمنة ، ومصير المرء لا يتغير. لا يمكنك الهروب من القدر. عندما يبدأ بملاحقتك ... "

" أو نصبح مدمنين على الأشياء التي نخافها بعد فترة. إذا لم يجدنا نجده"

 ترفع رأسها و توجه عينيها نحوي ، كما لو كانت تحاول فهم ما أقوله. بعد التفكير لفترة من الوقت ، بدأت في الكلام ، هذه المرة تنظر إلي في عيني وبصوت تشعبه المشاعر الشديدة.

 " أه ، لو كنت تعرفين فقط عدد الأخطاء التي ارتكبتها"

" كلنا نرتكب الأخطاء "

 " عن قصد ... لذلك أصبحت مدمنة على مخاوفي أيضًا"

 في هذه الكلمات ، أشعر بمحاولتها لفهم حقيقتها . إذا تمكنت من تقييم نفسها بشكل صحيح ، والنظر إلى جروح الماضي العميقة ، ومعرفة التغييرات التي أحدثتها هذه الجروح في شخصيتها ، فربما يتوقف القدر عن إجبارها على تكرار نفس الأفكار طوال الوقت

 لم تعد تحني رأسها عندما تتحدث ، بل من خلال النظر في عيني ، تبدو مثل طائر بجناح ذراع مكسور

 "عندما عدنا إلى المنزل ، فوجئنا جميعًا. فتحت لنا فتاة شابة جميلة الباب. عرفناه. كان اسمها حنيفة. كانت فتاة فقيرة تعمل معنا في الحقول. كان تضع فوق رأسها غطاء منقوش. كانت ترتدي فستان أحمر زهري  حول رقبتها  كان هناك قلادة ذهبية معلقة بشريط أحمر. إذن كانت زوجة أبينا هي هذه الفتاة الصغيرة. بينما لم نكن نعرف ماذا نفعل أو نقول ، ركضت حنيفة وأخذت الصرة من يد أمي ، ودعتنا إلى المنزل قائلة: "تفضلي يا أختي". المنزل قد تغير أيضا خلال فترة ذهابنا ، تم طلاء داخل المنزل وخارجه وأضيفت غرفة أخرى. هرعت والدتي إلى غرفتها. بينما حنيفة قد حضرت لنا الطعام  وأعدت المائدة. لقد عاملتنا مثل أخت لنا وليس مثل زوجة أبينا. رغم أننا كنا جائعين ، لم يستطع أحد الجلوس على الطاولة بسبب خوف والدتي"

 تأخذ رشفة أخرى من الشاي ولا تبكي في الوقت الحالي ، لكن هناك طبقة رقيقة من الضباب في عينيها

"في ذلك المساء عاد والدي إلى المنزل مبكرا ، كانت هذه هي المرة الأولى التي نراه فيها سعيدا ، علاوة على ذلك ، لم يكن مخموراً لكن هذا التغيير لم يدم طويلاً ؛ عاد والدي إلى حالته القديمة مرة أخرى ، تفاقمت حالة والدتي التي لم تبتسم منذ سنوات عندما دخلت حنيفة إلى المنزل ، الدموع في عينيه ، والغضب على لسانها كان موجودا دائما ، لقد تحملت كل أنواع التعذيب طوال هذه السنوات ولم تكن غاضبة ، لكنها لم تستطع تحمل رؤية زوجها يجلب امرأة أخرى إلى المنزل. علاوة على ذلك ، على الرغم من أنها لم ترغب في الاعتراف بذلك ، كانت المرأة شابة وجميلة وذات كلام رقيق. أما لم تكن صغيرة فحسب ، بل لم يكن بوسعها أن تكون جميلة ولا رقيقة الكلام ، لطالما حلمت بإنجاب ولد. وبهذا الأمل ، أنجبت سبع مرات ، لكن لم يصبح الأطفال أولادًا ولا يمكنها أن تجعل زوجها يحبها . حتى الأطفال الذين ماتوا كانت عاضبة منهم ، لم يبق بداخلها سوى عاطفة واحدة ؛ الغضب. كانت غاضبة ليس فقط من زوجها الذي لم يحبها ، وزوجته حنيفة ، ولكن أيضا من العالم كله"

 تبدأ في البكاء مرة أخرى ، لكن هذه المرة لم تبكي على نفسه ، بل من أجل والدتها التي حُشرت في زاوية في الأربعين من عمرها . أفكر أيضًا في الأم ، أحاول فهم شعور تلك المرأة. في السابق كان لديها زوج زوج سواء كان غاضب أو ضربها ، ثم فقدته هو أيضا

" كانت تقول إذا  أنجبت حنيفة  ولداً عندها سوف ننتهي . لم يتكن هي فقط ، كنا جميعًا خائفين من هذا . منذ أن جاءت حنيفة ، لم ينظر والدي إلى وجه أمي. في الماضي ، على الأقل عندما يعود إلى المنزل ، كان يصرخ ، ويضربها حتى الموت ، لكن بعد ذلك كانا ينامان معًا. عندما جاءت حنيفة تغير ترتيب البيت كله وتُركت والدتي وحدها مع مصيرها "

تجلس في حافة الكرسي قاسية وشاحبة . ركبتيه معا ، شفتاها بيضاء. تأخذ تنهيدة عميقة. انا افهمها جيدا يأتي جميع الأطفال إلى هذا العالم ليكونوا مهمين

 "كانت والدتي مستاءة للغاية. كان تغضب منا باستمرار وتلعننا ، كما لو كنا مذنبين بهذا. لم تذهب للعمل في الحقول كما اعتادت ، ولم تهتم إذا احترق كل شيء. وبدلاً منها كانت حنيفة تذهب إلى الحقل ، وكان عليها أن تبقى هي و تطبخ في المنزل. في الواقع ، لم تكن لتفعل ذلك لو كان الأمر بيدها ، لكن والدي كان لا يسمح بذلك . حتى لو قالت  أنها مريضة ، فإنه لا يستمع ، "هذه الطعام سوف يتم تحضيره " ، كان مُصرًا . كنا في حالة من اليأس التام ، جاء القليل من السلام إلى المنزل ، وانتهى يوم القيامة الذي كان ينفجر كل ليلة ، لكن هذه المرة لم تتركنا أمي وشأننا. لم تهتم بأي منا في الماضي ، لكن في ذلك الوقت كنا وحدنا تمامًا. عندما ننام في الليل ، شعر كل منا بالخوف ­. الأصوات القادمة من تلك الغرفة حولت هذه المشاعر إلى كراهية ، وامتلأنا بالرغبة في الانتقام من هذا العالم. كل الرجال كانوا سيئين بالنسبة لنا الآن. النساء أيضًا ... وكان هناك أسوأ ما في ذلك ؛ التخلي "

 لقد أعدها القدر لحياة تسودها مفاهيم الخوف وانعدام الأمن وانعدام القيمة. لم اشعر أبدًا بالحرية والقيمة. أعتقد أن الفتيات تقاتلن و تتحدين معًا كفريق واحد. ربما ، بفضل هذه التجربة المؤلمة ، كانت قادرة على أن تكون ناجحة جدًا في حياتها العملية. من الواضح أنه لديها القدرة الجادة للعمل الجماعي. ومع ذلك ، فقد تعلمت شيئًا آخر في تلك السنوات ؛ أن التخلي عنها هو أسوأ ألم في العالم ... خائفت ، ربما كان هذا الشعور بالخوف هو العامل الحاسم في حياتها

 " مرت ثلاثة أو أربعة أشهر على عودة حنيفة إلى المنزل ، عندها ضرب خبر حملها المنزل وكأنه قنبلة. فرح والدي كما لو كان واثقًا جدًا من أن الطفل الذي سيولد سيكون صبيًا ، كل مساء قبل العشاء ، يرفع يديه إلى السماء ويقول: يا إلهي ، أعطني ولدًا ، وستكون كل ممتلكاتي. قربان في المقابل. لا تحرجيني". كلما قال ذلك ، كنا نحن الفتيات ، وخاصة والدتي ، نقول عكس ذلك ، ونقول: "أتمنى ألا ترى وجه الصبي" ، طوال فترة حملها ، كانت حنيفة لا تذهب للعمل في الحقول ، ولم تكن تحمل ثقلاً لكي لا يحدث شيء للطفل ، وشعرت بالمرض والغثيان بشكل متكرر. عندما رأت والدتي كل هذا غضبت بشدة وشتمت حتى المساء. أخيرًا ، جاءت لحظة الولادة ونُقلت حنيفة إلى المستشفى وسط ضجة كبيرة. لقد انتظرنا جميعًا هذا اليوم لعدة أشهر ، مثل المحكوم عليهم بالإعدام. لا أحد يتكلم ، أمي تتلو الصلاة في فراشها بصمت ، تحرّك شفتيها فقط ، نحن ، رؤوسنا أمامنا ، ننتظر وصول الأخبار إلى المنزل. كانت أختي تجلس بجواري ، ترسم شيئًا في دفتر مدرستها ثم تخربش. كانت هناك أصوات صرير أثناء الخربشة. كنت أميل رأسي تجاهها ، محاولًا رؤية ما ترسمه . كانت ترسم صورة طفل ، في تلك اللحظة نهضت أمي من مكانها بغضب. ألقت المسبحة من يدها ، وأمسك بالعصا التي كانت فوق الموقد ووقف فوق رؤوسنا ، كانت تضرب أختي.  الأصوات الخارجة من القلم أثارت غضبها ، "هل تفعل هذا عن قصد " قالت وهي تضربها وكأنها تريد أن تصب كل غضبها عليها . حاولنا معًا أن نأخذ أختي الصغيرة من والدتي"

 أستمع إليها بحزن و رحمة

"أخيرًا ، ما كنا نخشاه قد حل بنا". عاد والدي إلى المنزل و هو يرقص . وقف أمام أمي . "انها امرأة ، أمرأة ، أنظري لقد كان أصبح لدي ابن مثل كرة من الضوء. هل تفهمين الآن على من يقع اللوم؟" ، قال والدي الكثير في ذلك اليوم. أصبح يجلس في المقهى وصدره ممدود ، و مستقبله مضمون ، ولن يخجل من النظر إلى وجوه الناس بعد الآن ... كان في الواقع يقول هذه الكلمات لأمي ، لكننا كنا جميعًا نحصل على نصيب من كلامه ، هذا يعني أننا كنا نحرج والدي! لقد تعرضنا للبضرب للتو من قبل والدتي ، وكانت كلمات والدي أشد من الضرب. جلسنا بجانب شجرة التوت في الحديقة وبكينا معًا لساعات في ذلك اليوم. عندما رآنا والدي نبكي ، غضب منا. "ابكوا ابكوا ، بدلا من أن تكونوا سعاء بوجود أخ ، تجلسون وتبكون ، جميعكم أعدائي على أي حال". لقد اعتبرنا أبي وأمي أعداء. كل ما نعرفه هو مدى شعورنا بالوحدة

 القدر يمد لها ورقة جديدة ، الوحدة ... أقول لنفسي حتى لو نسيت فمصيرك لن ينسى ، أن يتم التخلي عنك ثم تكون وحيدا! ربما سيطرت هاتان المشاعرتان المخيفتان على حياتها بأكملها

 تنظر بعمق في عيني. يبدو الأمر كما لو أنها تريدني أن أفهم كم هي وحيدة  ، أنا أفهمها ، لكنني لا أقول شيئًا في الوقت الحالي. إذا أخبرتها بما أفهمه ، هذه المرة لن تبتل بالدموع فقط ، بل ربما أنا كذلك سوف أغرق في هذه الدموع

تخبرني الحياة بآلاف الأسرار التي تحتويها من خلال فم هذه الفتاة المنحنية مثل غصن رفيع. بينما أستمع ، يبدو أن الستائر تنفتح أمامي واحدة تلو الأخرى. بينما أعتقد أنه يمكنني رؤية وفهم بعضًا منهم ، إلا أن معظمهم يمر بسرعة أمامي. قبل أن أعرف أي شيء ...

" في العام التالي أنجبت حنيفة ولداً آخر. كانت تلد ولدا بعد ولد. على الرغم من أن الأولاد كانوا إخواننا ، إلا أننا لم نشعر أبدًا بالقرب منهم. على أي حال ، كانت والدتي تنظر إلينا بطريقة تجعلنا نخشى الاقتراب من الأولاد. لقد بدأنا في النمو. كان والدي يريد تزويجنا في أسرع وقت ممكن ،  كان يخرج التي أنهت المدرسة الابتدائية ، تزوجت أختي الكبرى عندما بلغت الخامسة عشرة من عمرها ، لم يسأل أحد عما إذا كنت تريد ذلك أم لا ، كلنا كنا ننتظر بخوف ما سيأتي. أولئك الذين بلغوا الخامسة عشرة من العمر يتم إعطاءها للزوج على الفور. مرة أخرى بمفردهم ، مرة أخرى بدون أحد ...

بمفردهم وبدون أحد ... يبدو الأمر كما لو أنهم جاءوا إلى هذا العالم كعيب ولم يعتني بهم أحد ، لا والدتهم ولا والدهم ... لا يزالون  يبحثون عن أحد يعتني بهم ، ومع ذلك ، فقد وصل بالفعل إلى السن الذي ستكون فيه مالكة نفسها

"كنت قد أنهيت للتو المدرسة الابتدائية عندما مرضت والدتي. في النهاية أصيبت بالسرطان من حزنها. تزوجت شقيقاتي الثلاث الأكبر سناً وبقيت أنا وأختي الصغرى. جاء دور أختي الصغرى للزواج. كانت في الخامسة عشرة أيضًا ، لكنها كانت صغيرًا ونحيفة ، لا تزال تشبه الطفلة و لم يطلبها أحد للزواج ، علاوة على ذلك ، كانت تتعب بسرعة ، و لا تستطيع القيام بالأعمال ، ربما كانت قليلة الكفاءة. ،كان من المفترض أن تعتني بوالدتي أكثر من غيرها. كانت المرأة مريضة. غالبًا ما كانت تذهب إلى المدينة ، إلى الطبيب ، وتتلقى العلاج الإشعاعي ، لكن أختي لم تستطع الاعتناء بها بشكل صحيح. مهما فعلت ، كانت أمي تغضب  ، كانت حنيفة تنفذ كل طلبات أمي ، لقد كانت مهتمة بها أكثر منا. كان تطبخ لها ما تريده ، كما لو كان تحضر طعامًا للأولادها ، وكانت دائمًا تحتفظ بمرق الدجاج في الحساء ليجعلها أقوى. بغض النظر عما فعلته ، لم تبتسم أمي أبدًا ، ولم تشكرها مرة واحدة ، و ... كانت تحتضر. كلنا نعرف هذا. خاصة أختي الصغيرة ، كانت منعزلة للغاية وتبكي في الخفاء. بين حين وآخر أذهب إليها وأسأل ، "لماذا تبكين؟" إذا سألتها ، كانت توبخني وتطردني على الفور. ومع ذلك ، أردت التحدث إلى شخص ما ، لإجراء محادثة ، والتحدث عن مخاوفي. شعرت أيضًا بالأسف على موقف أختي ، كنت أبحث عن طريقة لمساعدتها ، أردت أن أفهم سبب استمرار بكائها هكذا. مهما كان الآخرون لو كنت أنا صبيا ، لكان مصيرهم قد تغير. كنت أعرف كم كانوا محقين في عدم رغبتهم فيي ، وعدم حبهم لي ، ولكن في النهاية ، ضحت أختي بنفسها"

 كيف يلوم الإنسان نفسه على ولادته بنتاً وليس ولداً؟ لا فائدة من القول أنك بريء بعد سنوات من اتهام نفسه بذلك بلا رحمة ... عليه أن يرى الأمر بنفسه في الوقت المناسب.هناك أيضا مسألة الأخت. كيف ضحت الأخت بنفسها؟

أنا في انتظار أن تهدأ قليلاً. بعد أن تمسح عينيه بظهر يدها ، تنجرف عيناها إلى الساعة المعلقة على الحائط. بينما كانت تقوم بفرد شعرها بيدها ، من الواضح أن هذا الشعر القصير يبدو غريبًا بالنسبة لها أيضًا. بدلاً من قطع رقبتها ، قامت بقص شعرها فقط في الوقت الحالي ، لكنها تتحدث و تتحدث و تحاول إفراغ السم الذي بداخلها . هذا يعطيني الأمل

" ظننت أنني قد نسيت هذا بالفعل ، لكن لا أعرف كيف ظهر كل واحد منهم فجأة كما لو أنه حدث بالأمس فقط ، لدي الكثير لأخبرك به ، لكنني أعتقد أن وقتنا قد انتهى. أمل رؤيتك الأسبوع المقبل!"

 تنهض و تصحح قميصها الحريري الأسود ، أودعها إلى الباب. بالنظر إليها من الوراء ، أرى حطامًا يمشي مرة أخرى. بعد عشر سنوات ، عندما تخلى عنها حبيبها ، تجدد كل ألمها. الآلام والمشاكل التي ظلت مخفية لسنوات دون أن يتم لمسها ، سرعان ما تظهر على السطح. في الطب النفسي ، نسمي هذا نسيان القمع ، أي أنه مثل مشاعر مؤلمة تغرق ببطء تحت الماء دون أن ندرك ذلك. ومع ذلك ، على الرغم من أننا نعتقد أننا نسينا بعض الأشياء ، إلا أنها لا تزال تؤثر على حياتنا وتوجهها اليوم. عندما تغادر ، ألقي بنفسي على الفور أمام النافذة. في الأسفل الناس يركضون و الجميع في عجلة من أمره ، والحياة مستمرة.

 

 


 

Reactions:

تعليقات